-
ما بعد اعتزال الصدر: سيناريو الفوضى بالعراق أو فتش عن إيران
ما يزال العراق يقف على أعتاب لحظة سياسية تتضارب فيها المصالح، وتختلط فيها الأوراق بين القوى المختلفة. هذه الحوادث، التي تجعل بغداد أمام انسداد سياسي ويوفر البيئة المواتية لاستقبال العنف الميلشياوي الذي يحظى بدعم سخي من إيران، تجعل من الصعوبة بمكان الوصول لحكومة يكون بمقدورها تحقيق مرحلة انتقالية آمنة.
أحد عشر شهراً والعراق منذ انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، يقع تحت وطأة فراغ سياسي. بينما تحاول أطراف إقليمية استغلال ذلك لتنفيذ مصالحها. لا تخفي إيران مطامعها وأهدافها الجيواستراتيجية في العراق. بدا ذلك في مواقفها المتفاوتة علانية وسراً.
ويكاد إعلان المرجع الشيعي، المقيم في إيران، كاظم الحائري، اعتزاله المرجعية الدينية، أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك عن الضغوطات المحمومة التي مارسها ملالي طهران لجهة حدوث ذلك الموقف المباغت والاستثنائي الذي لا توجد له سابقة في تاريخ المرجعيات الشيعية.
وقد طالب المرجع الشيعي المقيم في قم مقلديه من الصدريين للامتثال إلى مرجعية الولي الفقيه، في نسختها الخمينية.
وقال الحائري إن "عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية للمرض والتقدم في العمر"، ومن ثم دعا مقلديه إلى "إطاعة الولي السيد علي خامنئي". وإثر ذلك أعلن مقتدى الصدر اعتزاله السياسة بعد ضغوطات مماثلة. وفيما يبدو أن الأخير قد واجه ربما تحذيرات خشنة تماثل ما تعرض له سابقيه بخاصة عائلته. إذ إن ذاكرته متخمة بحوادث اغتيال مريرة.
ومع ذلك ثمة مخاطر عديدة أن تحاصر العراق الذي يعاني شللاً سياسياً أعمال عنف صعبة، بالدرجة التي تغذيها ملوك الطوائف، وكذا الديناميكيات الإقليمية المتفاقمة. في الواقع، انزلقت أجزاء من العراق في اشتباكات دامية في الشوارع هذا الأسبوع، حيث تبادل أتباع رجل الدين مقتدى الصدر النار مع قوات الأمن والميليشيات الشيعية. ورداً على ذلك، تدفق متظاهرون غير حزبيين، الجمعة الماضية، إلى ساحة النسور غرب بغداد، مطالبين بإصلاح سياسي شامل للبلاد.
الجسم السياسي في العراق ضعيف ومنقسم مع وجود الأحزاب السياسية والميليشيات المرتبطة بها والداعمين الخارجيين الذين يتمتعون بسلطة نسبية أكبر في البلاد. غالباً ما تبدو الحكومة نفسها بمثابة غرفة محاصصة للمحسوبية والفساد. فقد سبقت انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) احتجاجات على الطبقة الحاكمة. ورغم دخول التشرينيين والعناصر المستقلة للبرلمان، إلا أن شيئاً لم يتغير على ما يبدو في ظل قرابة 35٪ من الشباب العاطلين عن العمل في البلاد والبنية التحتية الهشة التي تجعل البلاد على حافة الهاوية.
ووفق منظمة الشفافية الدولية، فإن ترتيب العراق هو 157 في مؤشر مدركات الفساد العالمي (CPI) من إجمالي 180 دولة.
يبدو أن الكثير من أعمال العنف الحالية تستند إلى شخصية عراقية قوية واحدة. مر أكثر من أسبوع على إعلان مقتدى الصدر عن قراره بالتقاعد النهائي من السياسة وإغلاق جميع المؤسسات المرتبطة بحركته. حشدت هذه التغريدة المنفردة الهجمات على البنية التحتية الحكومية، بما في ذلك "المنطقة الخضراء" التي تتواجد فيها البعثات الأممية ومقر السفارة الأمريكية إلى جانب مقر الحكومة العراقية وكذا مقر الحشد الشعبي. ودفعت هذه الحوادث الجيش إلى إعلان حظر تجول على مستوى البلاد.
للصدر قاعدة مخلصة ثبت حشدها بسرعة مع تأثيرات دراماتيكية. وعلى الرغم من وصفه بأنه حرباء سياسية أو شخصية مزاجية بالدرجة التي عكستها قراراته على مر السنين، إلا أنه كان عموماً يتمتع بعلاقة متأرجحة مع إيران وقد اختلف مع سياسيين عراقيين آخرين على المدى الطويل، وعلى الأخص نوري المالكي، الذي يعتبر خصمه اللدود. في حزيران (يونيو)، استقال 73 نائباً، ودعا الصدر إلى انتخابات جديدة. فشل هذا في تحريك الأحداث وتعرض الصدر لمزيد من التهديد عندما أعلن آية الله كاظم الحائري مؤخراً أنه سيتنحى عن منصب سلطة دينية. ومن المرجح أن الصدر أدرك أنه يواجه تحدياً لمكانته داخل المجتمع الشيعي في العراق.
يتكهن البعض بأن العراق قد يكون على وشك الانزلاق في حرب أهلية متجددة. انخرط الموالون للصدر بالفعل في مناوشات مع قوات الحشد الشعبي المتحالفة مع إيران. قد يؤدي تركيز الولايات المتحدة وطهران على محاولات تجديد الاتفاق النووي الإيراني إلى تشتيت انتباههما عن إعطاء العراق التركيز الذي يحتاجه. لكن وسائل إعلام إيرانية أفادت، في مطلع الأسبوع، بأن أعضاء مجلس النواب العراقي عادوا إلى العمل للمرة الأولى منذ أواخر تموز/ يوليو في إطار "اتفاق بين مختلف الفصائل لإجراء حوار وطني لحل الجمود السياسي المستمر في البلاد".
وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنها أقل جموداً وأكثر من فراغ سياسي يمتصها من الفوضى والعنف. لم يتم حل القضايا الأساسية من خلال تخفيف حدة العنف هذا الأسبوع. ولكن تم ببساطة رفع الضغط لمعالجتها. هناك بالطبع احتمال أن الشخصيات والسياسة غير قادرين ببساطة على إيجاد اتفاق -حتى خلال أحد عشر شهراً أخرى- للوصول إلى حكومة مستقرة.
ومن المهم ألا ننسى أنه لم يقل آية الله العظمى علي السيستاني شيئاً علنياً عن الاضطرابات التي اندلعت في شوارع العراق. لكن مسؤولين حكوميين ومطلعين شيعة يقولون إن موقف السيستاني وحده من وراء الكواليس هو الذي أوقف الانهيار. لقد لعب السيستاني دور الوسيط النهائي هذا من قبل، ولكن في عمر 92 عاماً لا يمكن للجسد السياسي العراقي الاعتماد عليه للقيام بذلك إلى الأبد.
من الواضح أن الهشاشة داخل العراق حالياً لا تستطيع تحمل رفض الصدر الانخراط في العمليات الديمقراطية كما هي. هل ستتراجع الفصائل المدعومة من إيران في البلاد وتتوصل إلى حل وسط أم أنها سترى ذلك كنقطة انطلاق يجب فيها إبعاد الصدر إلى الأبد؟ قد تثبت الانتخابات المبكرة مرة أخرى أنها وسيلة للحد من التوترات، على الأقل على المدى القصير، لكن المحللين يسلطون الضوء أيضاً على أن هذه قد تكون أخباراً سيئة لأولئك المرشحين المستقلين الذين ترشحوا على قوائم مكافحة الفساد العام الماضي.
وفي الوقت نفسه، فإنّ التذكير بتفويض المستقلين ليس بعيداً أبداً لأن انقطاع التيار الكهربائي المستمر في البلاد هو شهادة أيضاً. في تموز (يوليو)، فشلت شبكة الكهرباء في البلاد بشكل أساسي حيث شهدت موجة الحر ارتفاعاً في درجات الحرارة بنحو 50 درجة مئوية، ويأمل سكان العراق في انخفاض درجات الحرارة السياسية في الأسابيع المقبلة.
ليفانت – شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!