الوضع المظلم
الأربعاء ١١ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مخاوف و تأثيرات أي انسحاب أمريكي محتمل
جومرد حمدوش

عاد الحديث مجدداً حول احتمال انسحاب أمريكي من سوريا و كوردستان سوريا عقب فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة أمريكا, خصوصاً من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية(قسد). فهل يفعّل ترامب قراره مجدداً؟ ورغم أنه لم يتم حتى الآن الإعلان عن السياسة الخارجية للإدارة القادمة بخصوص سوريا ومصير قواتها هناك, إلاّ أن المخاوف تتصاعد لدى الكورد, وتبدي تركيا حماسة واضحة لاستغلال أي انسحاب مفاجئ.

في هذا المقال سأحاول عرض السيناريوهات المحتملة من وجهة نظري في حال انسحاب أمريكي في كوردستان سوريا,  كذلك الخيارات الروسية و الأطماع التركي, ومدى استعداد الأحزاب الكوردية للتعامل مع السيناريوهات المختلفة. كذلك, تحديد أفضل السبل لتحقيق استقرار مستدام في المنطقة عبر تقليل الاعتماد على وجود القوى الخارجية.


المخاوف من الانسحاب الأمريكي

وجود القوات الأمريكية ضمن قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش يرتبط بأهداف أبعد من القضاء على تنظيم داعش و جهود اجتثاثه, بل هو تواجد استراتيجي للحد من توسع النفوذ الإيراني و التأثير على ميزان القوى في المنطقة. السؤال الأكبر يكمن في ما قد يحدث إذا ما قررت واشنطن فعلاً فجأة الخروج؟ بالنظر إلى انسحاب أمريكي سابق من أفغانستان,  قد يمثّل ذلك في كوردستان سوريا “انسحاباً كارثياً“ كما وصفه المحلل و أستاذ السياسة الخارجية د. غريغوري افتانديليان, خصوصا أنّ الكل متلهّف.  النظام السوري الذي يتلهف لحكم المنطقة الكوردية مجدداً، وتركيا المتحمسة بفوز ترامب و إمكانية التأثير في قرارات الإدارة الأمريكية القادمة فيما يخص دعم قوات قسد أو حتى فرصة جديدة لتدخّل عسكري جديد, وروسيا التي تسعى جاهدة لإعادة سيطرة النظام السوري على كامل الجغرافيا السورية, وإيران التي تنزعج من التواجد الأمريكي كونه يشكل عائقاً أمام توسعها و نفوذها عبر سوريا إلى لبنان.


أي تدخل عسكري جديد في مناطق كوردستان سوريا, من الممكن أن يؤدي لموجة هجرة ونزوح جديدة للكورد وتكرار تجارب عفرين و سري كانيه و گری سبی\ تل أبيض. بمعنى أن مصير كوردستان سوريا يصبح بمهب الريح مع وقوع كارثة إنسانية حقيقية. مع التوترات الإقليمية الحالية, الحرب في غزة و لبنان و التوترات بين إيران و إسرائيل, تبقى احتمالية الانسحاب الأمريكي محفوفة بالمخاطر, لأنها أيضا تزيد مخاوف إسرائيل من تزايد النفوذ الإيراني إذا ما جرى هذا الانسحاب.  فضلاً عن الوضع في سوريا الذي بات ملعباً مفتوحا لصراعات القوى الإقليمية و الدولية, بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا, وإسرائيل وإيران, روسيا وتركيا, تركيا و قسد.

لذلك موضوع الانسحاب يبقى خياراً مطروحاً, بالرغم من أنه قنبلة موقوتة. نتذكر جيدا تأثيرات قرارات ترامب بخصوص انسحاب جنود بلاده من سوريا بعدما أعلنت تركيا عن نيتها بتنفيذ عملية عسكرية جديدة في كوردستان سوريا, سمتها حينها “عملية نبع السلام“ التي احتلت فيها مدينتي سري كانيه و گری سبی\ تل أبيض في عام 2019

الموقف الروسي والتعامل مع الوضع في كوردستان سوريا

أدت روسيا دوراً رئيسياً في الملف السوري منذ تدخلها العسكري لدعم النظام السوري في 2015 وتسعى إلى استعادة السيطرة الكاملة للنظام السوري على كامل البلاد، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قسد. ومن هذا المنطلق، قد تستغل روسيا انسحاب الولايات المتحدة كفرصة استراتيجية لتعزيز نفوذها وإعادة تشكيل التوازن العسكري والسياسي في تلك المنطقة. ويمكن أن تسمح لأنقرة بتوسيع نفوذها في بعض المناطق بكوردستان سوريا مقابل تنازلات تركية في ملفات أخرى، مثل الحد من دعم المعارضة في إدلب. من الممكن أن تؤدي روسيا دور الوسيط بين أنقرة وقسد، عبر الترويج لإمكانية عقد تسويات سياسية وأمنية توفر ضمانات لتركيا، مثل اتفاقيات جديدة بخصوص انسحاب أو إبعاد قسد بعيداً عن الحدود، كما جرى خلال معارك “عملية نبع السلام“, مع فرض سيطرة أمنية للنظام السوري على المناطق الحدودية. وفي المقابل، قد تُشجع روسيا أنقرة على تطبيع العلاقات مع النظام السوري عبر مبادرات وساطة، بهدف تحقيق توازن يضمن السيطرة السورية على الأرض مع منح تركيا مساحة آمنة تُحجم تأثير الكورد في المناطق الحدودية. ولا ننسى هنا تصريحات الرئيس التركي الأخيرة عندما قال إن عمق الحزام الأمني بين 30-40 كم على حدودها الجنوبية مع كوردستان سوريا مطلب ثابت.


تركيا واحتمالات الاستفادة من الفراغ الأمني
تعدّ تركيا من أبرز المستفيدين من أي انسحاب أمريكي محتمل, ما يمكّنها من توسيع مناطق نفوذها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب, لطالما سعت إليه مراراً. حولت تركيا المناطق التي تحتلها إلى بؤر لإيواء الإرهابيين و المرتزقة و مناطق تفتقر للأمن و الأمان و تشهد يوميا انتهاكات لحقوق الإنسان و وقوع جرائم ترتقي لمستوى جرائم ضد الإنسانية. تؤكد تصريحات وزارة الدفاع التركية الأخيرة استعداد أنقرة لأي انسحاب أمريكي من المنطقة, و هذا يؤكد أن تركيا متلهفة لذلك و تعد العدة و الخطط لأي احتمال تدخّل عسكري جديد لإنشاء مناطق خالية من سكانها الأصليين و بناء مستوطنات و ترحيل قسري للاجئين السوريين و توطينهم في مناطق كوردستان سوريا لتعريب المنطقة وإنهاء أي وجود كوردي فيها. 
إضافة للموضوع الكوردي وتخوفها من تأسيس أو إنشاء كيان كوردي, تركيا تجعل من مناطق نفوذها ورقة سياسية ضاغطة بأي مباحثات فيما يخص مستقبل سوريا لتنفيذ أجنداتها. قد تنجح الجهود السياسية الحثيثة التي تبذلها تركيا بإعادة العلاقات مع دمشق كسابق عهدها عبر الوسيط الروسي بعقد اتفاقيات جديدة أو حتى تعديل لاتفاقية أضنه. كل هذا فيما لو ابتعد النظام السوري عن إيران و خرج عن سيطرة تأثير النفوذ الإيراني. بالتالي, تبقى تركيا قوة إقليمية وتحتفظ بدورها وبميزان القوى الإقليمية. 


التحديات والانقسامات الكوردية

تعاني الأحزاب الكوردية في سوريا من خلافات داخلية تعيسة تؤثر على قدرتها في مواجهة التحديات، أبرزها عدم وجود اتفاق كوردي مشترك بخصوص القضايا المصيرية. كذلك تنازل البعض منها رويداً عن مطالب „اللامركزية السياسية“ لسوريا المستقبل حسب الاتفاقيات الكوردية الثلاث المشتركة. كمجلس سوريا الديمقراطية(مسد) الذي هو الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية, الذي تنازل عن الحقوق الكوردية في المؤتمر الذي عقده مؤخراً في بروكسل العاصمة البلجيكية و اكتفى بعبارات تضليلية لتضمن بقاءه مع أطراف سورية عربية معارضة وصغيرة. و حتى المجلس الوطني الكوردي في سوريا الذي لم يعد يناقش“ اللامركزية السياسية“ و الفيدرالية مع الائتلاف الذي انضم لصفوف الأخير بموجب وثيقة سياسية قبل سنوات و بقيت الوثيقة على حالها حتى اليوم مع أن الظروف تغيرت واحتلت مناطق كوردية عدة في الوقت الذي كان فيه المجلس جزءاً من الائتلاف. 

في ظل غياب الدعم الدولي الكامل, ينبغي على القوى و الأطراف الكوردية في كوردستان سوريا بناء استراتيجيات داخلية من خلال:

1. تحقيق الوحدة الداخلية: تعدّ الوحدة السياسية والعسكرية ضرورة أساسية لحماية المنطقة من أي تهديد خارجي. إذ يمكن للوحدة أن تعزز موقف الكورد على الصعيدين المحلي والدولي، وتقدم صورة واضحة للولايات المتحدة بأن المنطقة لديها قوة منظمة يمكنها الاعتماد عليها لحفظ الأمن والاستقرار, من خلال اتفاق كوردي (سياسي-عسكري) مشترك يؤسس لإدارة جديدة تحمي مطالب الكورد سياسيا في سوريا وفق استراتيجية حقيقية بعيداً عن المصالح الحزبية أو الشخصية أو حتى التأثيرات الكوردستانية الخارجية.

2. مراجعة المواقف السياسية: إجراء مراجعة شاملة لمواقفها السياسية ووجودها في صفوف بعض القوى المعارضة والتفكير في بناء تحالفات جديدة تخدم مصالحها الاستراتيجية.

3. التواصل مع المجتمع الدولي: من المهم أن تكون هناك جهود دبلوماسية مشتركة لحشد الدعم الدولي للإبقاء على استقرار كوردستان سوريا، وإقناع المجتمع الدولي بالضغط على تركيا لعدم التدخل عسكرياً, بإتباع استراتيجية مدروسة وإنشاء قوى ضغط دولية تعتمد على تبيان أهمية المنطقة من منظور الأمن الإقليمي وتوضيح أن  الوجود الأمريكي الحالي يمنع عودة داعش ويحد من تمدد إيران في سوريا. كذلك، يمكن التواصل مع المشرعين الأمريكيين والمؤسسات الفكرية التي تؤثر في صنع القرار الأمريكي لتسليط الضوء على ضرورة حماية الاستقرار في هذه المنطقة. كذلك العمل مع منظمات حقوق الإنسان والجماعات الدولية قد يساعد على توضيح عواقب التدخل التركي على المدنيين.

لا يمكن تحقيق أي من النقاط الثلاث المذكورة أعلاه، إلا عبر انتخابات حرة و نزيهة و ديمقراطية لإضفاء طابع الشرعية على الإدارة التي يجب أن تمثل جميع مكونات كوردستان سوريا. الواقع حالياً عكس هذا التوجه ولا توجد استعدادات ولا حتى استراتيجية لمرحلة ما في المستقل القريب أو البعيد ، خصوصاً أن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) يتحمل المسؤولية الأكبر عما يجري، كونه يمثل سلطة أمر واقع ويمثل إدارة غير شرعية ويتحكم بالمنطقة عبر ذراعه العسكري. للحصول على التأييد والدعم الدوليين لأية إدارة أو سلطة، يتطلب إجراء انتخابات ديمقراطية و شفافة ومراقبة دولية. في حال ابقى الحزب المذكور الأمور على حالها، فإما عليه مواجهة تدخل عسكري تركي جديد أو مواجهة النظام السوري مستقبلاً في حال حدوث أي انسحاب أمريكي من المنطقة، وبكل الأحوال استمرار مخاطر على الوجود الكوردي و قضيته. 


الخلاصة

انسحاب الولايات المتحدة من كوردستان سوريا يترك الكورد أمام سيناريوهات غامضة وصراع مفتوح, قد تتراوح بين مواجهة النظام السوري و التدخلات التركية, مما يضع المنطقة أمام تحديات صعبة تهدد أمنها واستقرارها. هناك ملفات عدة يجب الانتهاء منها قبل البدء بأي انسحاب  منظّم من كوردستان سوريا, كملف معتقلي داعش و مخيم الهول و غيره الذي يأوي الآلاف و ضرورة إعادة مسحلي داعش المعتقلين في سجون قسد إلى بلدانهم الأصلية و محاكمتهم هناك, وضرورة تأسيس إدارة تشاركية و حكم مؤسساتي لتوفير الخدمات وبناء البنى التحتية في المنطقة و تعزيز دور جميع المكونات، عبر تشكيل إدارة جديدة وإجراء انتخابات حرة و نزيهة و ديمقراطية لتقليص مخاطر عودة داعش من جديد على أمن كوردستان سوريا وسوريا بشكل عام. 

في السياق العام، لابد من الإشارة إلى أن الاعتماد الكامل على قوى خارجية لحماية أمن مناطق كوردستان سوريا يمثل خطراً وخطأً استراتيجياً.  يجب أن تعمل القوى الكوردية على بناء استقرار داخلي وتعزيز المؤسسات الداخلية بما يشمل التعليم، والصحة، والإدارة، ليكون بإمكانها توفير الأمن الاجتماعي والسياسي من الداخل.

ليفانت: جومرد حمدوش

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!