-
مستقبل السياسة الخارجية لأمريكا في الشرق الأوسط
إنّ حالة الاستقطاب السياسي الشديد السائدة بين المواطنين الأمريكيين تجعل من الصعب التنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ها نحن تفصلنا أيام قليلة عن يوم التصويت، في مطلع نوفمبر، ولم تتمكن بعد مراكز قياس الرأي العام الكبرى من تقديم استطلاع دقيق لتوجهات الناخبين الأمريكيين، أو الاتفاق على حجم فرص كل من ترامب وبايدن في الفوز.
لكن، بالنسبة لنا في الشرق الأوسط، فإنّ نتائج هذه الانتخابات لن تخرج عن سيناريو من اثنين، إما أن يفوز ترامب، وبالتالي المضي قدماً في أجندته السياسية الخارجية الحالية في المنطقة، أو أن يفوز بايدن، وبالتالي يعمل بجد لتغيير كل ما أنجزته سياسة ترامب الخارجية. مع الأسف، أجندة بايدن الانتخابية تقوم فقط على هدم كل ما أنجزه ترامب، ولم يقدّم بايدن أي أجندة محددة بوضوح حول ما يخطط للقيام به في الشرق الأوسط، إذا أصبح رئيساً، فهو يردد فقط عبارات مقتبسة من الرئيس السابق، أوباما، حول تبني نهج جديد تجاه العالم الإسلامي، إلا أنّها لا تليق عليه، فهو يفتقر إلى كاريزما الرئيس السابق، أوباما، ومصداقيته بين الشعوب العربية في بداية عهده.
ليس سراً أنّ معظم الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، باستثناء إيران، تأمل بقوة في أن يفوز الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث ساعد نهج “الدبلوماسية الشخصية البراجماتية” للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، في ظل إدارة ترامب، جميع الأطراف في المنطقة على تحقيق وضع أفضل لشعوبهم، في السنوات الأربع الماضية، هذا لا ينطبق فقط على الدول العربية، ولكن أيضاً على الدول غير الناطقة باللغة العربية، مثل تركيا وإسرائيل.
-مصر حصلت على المساحة والوقت اللازمين للتعافي من الفشل الاقتصادي والسياسي الناجم عن الربيع العربي وعواقبه الوخيمة.
-دول الخليج تمكّنت من التوحد والوقوف بحزم ضد سياسة قطر، المتمثّلة في استخدام المنظمات الإسلامية السياسية لإلحاق الأذى بجيرانها العرب عمداً، واستهداف أمنهم واستقرارهم.
-السعودية تخلّصت من التهديد الإيراني على حدودها الجنوبية في اليمن، بسبب الضغط الشديد للعقوبات الأمريكية على النظام الإيراني.
-حزب الله في لبنان أصبح أضعف بكثير وأقل نفوذاً، على المستويين المحلي والإقليمي.
-سوريا والعراق تعافتا جزئياً من أثر التنظيمات الإرهابية بمقتل الجنرال الإيراني القاسمي، وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي.
-السودان يشهد تغييراً سياسياً طال انتظاره، سيعود بالفائدة، ليس فقط على الشعب السوداني، ولكن أيضاً على أمن واستقرار أفريقيا والشرق الأوسط، من خلال وضع حدّ لتسامح النظام السابق مع الإرهاب الذي حوّل السودان إلى بؤرة للإرهابيين الأفارقة والشرقيين.
-وأخيراً، تمكًنت إسرائيل من المطالبة بوضع إقليمي أفضل والاندماج بشكل صحيح في سياقها الإقليمي، وذلك بفضل اتفاقيات أبراهام، التي رعتها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.
هذا بالإضافة إلى التقدّم غير المسبوق في علاقات إسرائيل السياسية والأمنية مع أقرب جيرانها، مصر والأردن، وتحسن وضع تركيا، على الرغم من علاقتها المستمرة مع إيران وروسيا، وتضارب المصالح بينها وبين الولايات المتحدة، كحليف قوي للولايات المتحدة في المنطقة، بسبب الصفقات الفردية غير المعلنة بين ترامب وأردوغان. وفي عهد ترامب، وصلت سياسة تركيا التوسعية في الشرق الأوسط وأفريقيا والبحر الأبيض المتوسط إلى ذروتها، وهو أمر خدم نظام أردوغان وصورته في داخل تركيا بقوة.
الآن، ماذا لو فاز بايدن في الانتخابات وأصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، هل يستطيع بايدن تغيير الشرق الأوسط أو محو آثار خطى إدارة ترامب على المنطقة؟ بمعنى آخر، هل ستهدّد سياسة بايدن الخارجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي يمليها اليساريون المتطرفون في الحزب الديمقراطي، الوضع القائم للاستقرار النسبي والحذر في المنطقة؟.
أعتقد أنّ هذا أمر مستبعد وغير محتمل، إذ يختلف الشرق الأوسط الذي نعيش فيه اليوم كثيراً عن الشرق الأوسط الذي عرفته إدارة أوباما في ٢٠٠٩، أو الشرق الأوسط الذي عرفته إدارة ترامب في ٢٠١٦، الشرق الأوسط اليوم هو أكثر استقراراً وتوحداً وبراجماتية.
-لم يعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بأصدائه العاطفية المعقدة، هو القضية المركزية في المنطقة، وأصبحت إسرائيل اليوم في وضع أكثر أماناً ضمن محيطها الإقليمي، وهذا أمر لا يريد بايدن المغامرة بتهديده أو تغييره.
-نمت القوى العسكرية لللاعبين الإقليميين الرئيسين، مصر وإسرائيل ودول الخليج، لمستويات أقوى وأكثر ذكاءً وتقدماً من أي وقت مضى، ومن مصلحة بايدن والشعب الأمريكي تعزيز الشراكات الإستراتيجية والعسكرية مع هذه الدول.
-لعب الاستثمار الاقتصادي من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في موازنة القوى السياسية في المنطقة دوراً هائلاً في ضمان الاستقرار ومواجهة الأثر الضار لتدخلات مثلث الشر (تركيا وإيران وقطر)، وحالة الاستقرار النسبي هذه بالمنطقة تخدم أيضاً المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، وبالتالي إذا أصبح بايدن رئيساً، فلن يمكنه تحمل المخاطرة بزعزعة العلاقات الاقتصادية مع السعودية والإمارات، لإرضاء أنصاره من جماعة الإخوان المسلمين وقطر.
-يجب أن تظلّ تركيا دائماً شريكاً إستراتيجيّاً مهماً للغاية للولايات المتحدة. تركيا حليف في الناتو للولايات المتحدة وصاحبة ثاني أكبر جيش في الناتو، ولعل تصريحات بايدن، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، في ديسمبر ٢٠١٩، حول إثارة المعارضة التركية للثورة ضد أردوغان وعزله من الحكم، ليس نابعاً سوى عن أفكار خائبة مستوحاة من أساطير الربيع العربي. فمسألة تغيير النظام الحاكم في تركيا عبر ثورة شعبية ما زال أمراً غير مرجّح، على الأقل في المستقبل القريب، حتى لو تمّت إزالة أردوغان من السلطة عن طريق الانتخابات في ٢٠٢٣، فسوف يتبعه أحد الشخصيات البارزة في نظامه، مثلاً أظهر استطلاع حديث أنّ وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، هو الأقرب لشغل مقعد أردوغان.
باختصار، بايدن لن يستطيع أن يؤثر كثيراً في الشرق الأوسط في حال فوزه، والخيار الوحيد أمام بايدن، في حال أصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، هو أن يسير على خطى ترامب في منطقة الشرق الأوسط، ويستكمل ما قام به خصمه اللدود، هذا إذا كان يريد حقّاً خدمة مصالح الشعب الأمريكي وتحسين مستقبله، بدلاً من إرضاء المصالح الضيقة للحزب الديمقراطي والنزعات العاطفية غير الناضجة لليسار المتطرّف.
ليفانت – داليا زيادة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!