-
مفاوضات فيينا.. إلى أين؟
يجري في العاصمة النمساوية، فيينا، مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، الأمريكي والإيراني، تتولى الترويكا الأوربية مع روسيا والصين تنسيقها، في محاولة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحللين من التزاماتهما المتوافق عليها باتفاق 2015 المراد إنعاشه.
التأمت الجولة السابعة من المفاوضات بعد خمسة أشهر من الانقطاع المتولد عن الطلب الإيراني بحجة إتمام عملية انتقال السلطة في طهران، لذا فهي الجولة الأولى للفريق الإيراني المحسوب على الحكومة المتشددة في طهران، وإذ يلتقي الطرفان، الأمريكي والإيراني، إن صح التعبير، على الرغبة بالعودة إلى الاتفاق الماضي، والذي أصبح فعلاً من الماضي، نتيجة للمتغيرات الداخلية والخارجية لكلا الدولتين، بالإضافة للمتغيرات الإقليمية والدولية أيضاً، وهو ما يعطي مساحة للقول إنّ الطرفين اجتمعا في فيينا لدفن الاتفاق بدلاً من إحيائه.
تعلن طهران عن رغبتها بدخول المفاوضات لرفع العقوبات "الظالمة وغير القانونية" الواقعة عليها، فيما تضمر واشنطن رغبتها بالوصول لنقطة تحميل طهران لمسؤولية فشل المفاوضات من قبل جميع الأطراف المشاركة بالتفاوض، مما يعّبد الطريق لسير الخيارات الأخرى التي باتت تطفو على السطح، بدءاً من العقوبات الأممية (سناب باك) ونهايةً بخيار عسكري، وهو لا يعني الحرب، أو ما يتم تناقله من مقولة إما إيران بلا نووي وإما الحرب.
لم يأتِ التصريح بالخيار العسكري من قبل البنتاغون، إنما جاء على لسان الجنرال جون ماكينز، قائد القوات الأمريكية الوسطى، التي تظلل المنطقة، وهو ما يفتح باب التساؤلات في ظل وجود دول المنطقة الرافضة أصلاً لإحياء الاتفاق في القيادة الأمريكية الوسطى، فلدى دول المنطقة هواجسها الموضوعية من المشروع الصاروخي والتدخلات الإيرانية في المنطقة، والتي سكت عنها اتفاق عام 2015، وفسرت طهران هذا السكوت اعترافاً دولياً بالنفوذ الإقليمي.
ذهب اتفاق 2015 خلاف ما أراد له مهندسه، فبعكس نظرة أوباما لتعديل السلوك الإيراني عن طريق انفتاح عليها بموجب الاتفاق النووي، اتجهت طهران لزيادة تدخلاتها الإقليمية والنقاط العسكرية على ضفاف الخليج والمزيد من التجارب الصاروخية، فضلاً عن استمرار الغموض وعدم الشفافية في برنامجها النووي، مما حدا بالرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لوصف الاتفاق بـ"أسوء اتفاقية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية"، ومع انسحاب ترامب من الاتفاق وفرض العقوبات القصوى على طهران زادت حدة التوترات والاستفزازات الإيرانية في المنطقة، دخلت فيها المسيّرات الإيرانية، لذا بات يُشار إليها بالترادف مع الصواريخ الإيرانية من قبل الدول المقابلة لإيران، ومنها الولايات المتحدة، التي تسعى إدارتها لإحياء الاتفاق للوصول إلى اتفاق أقوى وأوسع.
أضاف ترامب بانسحابه من الاتفاق النووي خندقاً جديداً لخنادق عدم الثقة المضروبة بين الجانبين، يتبدّى أثره الآن بالإصرار الإيراني على تقديم ضمانة أمريكية لعدم انسحاب أي إدارة لاحقة من الاتفاق، وهو ما لا تستطيع أي إدارة أمريكية تقديمه، كذلك تطلب طهران وجود آلية تتأكد من خلالها بأن العقوبات قد تم رفعها، كما طالبت طهران خلال المفاوضات بإدخال تغييرات على ما تم التوافق عليه خلال الجولات الست السابقة، مما يوحي بعودة المفاوضات إلى نقطة الصفر، إذ اعتبرها نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، مسودة وليست اتفاقاً، وأما "الاتفاق على كل شيء أو لا شيء" حسب كني.
سخر ترامب من اتفاق ترفع فيه الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات عن إيران لتستفيد الشركات الأوربية دون الأمريكية، إذ تبدو المكاسب الاقتصادية المحتملة للشركات الأوربية والصينية في السوق الإيرانية العذراء أحد محركات سياسة الطرفين للعودة للاتفاق، والتي بدأت بالتحول نتيجة الصدمة الفرنسية من خسارتها لصفقة الغواصات الأسترالية كعقوبة لها على سياستها المتماهية مع طهران في لبنان والعراق، كذلك الاتفاق الذي تم إبرامه بين تل أبيب ولندن خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإسرائيلي, يائير لابيد، إلى لندن، مما صلّب الموقف الأوربي بالجولة الأخيرة وجعلها أقرب للحيّز الأمريكي، كذلك صرّح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عقب لقائه بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن مصلحة مشتركة لواشنطن وموسكو في ألا تكون إيران نووية، وهو ما يبدو تحولاً في الموقف الروسي، لا سيما في ضوء تصريح الممثل الدائم لروسيا في الأمم المتحدة، ميخائيل أوليانوف، أنه "من الطبيعي أن تغير روسيا موقفها لكن من الأفضل ألا تصبح هذه الإصلاحات عقبة أمام تقدم المحادثات".
تسعى طهران للتوجّه شرقاً للالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، إذ تم اعتماد ذلك من قبل حكومة رئيسي، مما يوحي بعدم رغبة هذه الحكومة للعودة للاتفاق، في حين ترغب الدول الغربية حجب السوق الإيرانية الخام عن الصين وروسيا، وإن كانت بكين ترسم سياستها الخارجية على إيقاع علاقاتها التجارية، ومنها اتفاقها الاقتصادي مع طهران، غير أن موسكو على خلاف ذلك، وكلاهما يعارض تحول إيران لدولة نووية، ويسهم الخطاب الإيراني الخاص بالمستوى المرتفع لنشاطاتها النووية ضمن سياسة الضغط على واشنطن، في خسارة طهران للدعم الروسي والصيني تبعاً، كما حصل بالعام 2009 بموافقة موسكو على العقوبات الأممية المفروضة على طهران.
تعتبر طهران اتفاق 2015 اعترافاً دولياً بمشروعها النووي، على إثر نقلته من الأبحاث إلى الإنتاج، كما تعتبر البرنامج الصاروخي المنسي بهذا الاتفاق حق سيادي لا يمكن المساومة عليه، ولا يمكنها الرجوع عن مشروعها الإقليمي في المنطقة بعد اعتبارها للاتفاق اعترافاً بدورها الإقليمي، فيما ترغب واشنطن بتعديل الاتفاق نتيجة العيوب النواقص التي اعترته، وفي ضوء تصلّب الدولتين بمواقفهما، تتجه الدولتان للخيارات الأخرى بدلاً من العودة للاتفاق.
ليفانت - عمار جلو
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!