الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • مقرر المحور السياسي في الحوار الوطني بمصر الدكتور علي الدين هلال لـ"ليفانت": نطمح إلى لمّ الشمل السياسي والوصول إلى مساحات مشتركة

  • حال الديمقراطية ليس بخير في بلادنا العربية.. وهناك بيئة داخلية ثقافية واجتماعية تعوق تطور القيم والممارسات الديمقراطية
مقرر المحور السياسي في الحوار الوطني بمصر الدكتور علي الدين هلال لـ
الدكتور علي الدين هلال

يمثل الحوار الوطني المصري إحدى الآليات التي شرعت الإدارة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي في تفعيلها أو بالأحرى طرحها لاستعادة المجال العام في إطار يشمل كافة التيارات المدنية والديمقراطية بغية الانخراط في بناء واقع سياسي أكثر انفتاحاً على المشاركة والاختلاف والتنوع. ولا يعدو الحوار الوطني كونه لحظة مؤقتة أو حالة كرنفالية، فيما يبدو، إنما هو رؤية تحتاج إلى الإضافة والبناء من خلال قنوات عديدة ودعم أطراف من اتجاهات ومرجعيات متباينة وذلك لبلورة رؤية مصر في الجمهورية الجديدة.

في حوار خصّ به المفكر السياسي المصري ومقرر المحور السياسي في الحوار الوطني بمصر، الدكتور علي الدين هلال "ليفانت نيوز" اللندنية، يقول إن حال الديمقراطية ليس بخير في بلادنا العربية وهناك بيئة داخلية ثقافية واجتماعية تعوق تطور القيم والممارسات الديمقراطية في المؤسسات الاجتماعية والسياسية. وثمة أيضاً عوامل إقليمية تدعم هذا الوضع. لا بد من إضافة أن ما يحدث في منطقتنا ليس وضعاً استثنائياً وأغلب الدول التي اختبرت ما يسمى بالموجة الثالثة للديمقراطية في شرق أوروبا وأفريقيا شهدت انتكاسات وتراجعات، وهناك كتابات وتقارير دولية عديدة اليوم عن هذه الانتكاسة أو التراجع الديمقراطي فالطريق إلى الديمقراطية ليس سهلاً أو ممهداً ولكن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى النكوص عنه أو التغاضي عن قضايا المشاركة الشعبية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحريته.

ويتابع هلال: "من الطبيعي في أي حوار بين فرقاء يمتلكون رؤى مُختلفة للمُجتمع من حيث التشخيص والحلول أن يكون لدى بعضهم تخوفات. والمحك في هذا الأمر هي الإجراءات التي يتبناها الحوار. صحيح أن فكرة الحوار الوطني كانت مُبادرة من جانب الرئيس السيسي. ولكن تكوين تشكيل مجلس أمناء الحوار لم يصدر بقرار منه بل جاء اختيار أعضائه من خلال التوافق بين الأحزاب والقوى السياسية المُختلفة. واتصالًا بذلك، فإن قواعد إجراء الحوار في اللجان المختلفة لا تتضمن إجراء التصويت الذي تكون نتيجته وجود أغلبية وأقلية وإنما تنصّ إجراءات الحوار على أن يُعبر ممثلو القوى والتيارات السياسية المُختلفة عن آرائهم ويتم الحوار بشأنها، فإذا حدث توافق حول تصور معين فمرحباً به، وإذا لم يحدث؛ ينصّ تقرير اللجنة على الآراء التي تمت إثارتها. من الإجراءات التي تُوفر مناخ بناء الثقة إعطاء الفرُص المتكافئة لجميع المُشاركين فيه للتعبير عن الرأي وأن جميع جلسات الحوار علنية يحضرها ممثلو الصحافة والإعلام".

نص الحوار:

*السؤال الأول: ثمة مقاربة فيما بين طرح الحوار الوطني كآلية من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ومفهوم الجمهورية الجديدة، بيد أن ذلك يستلزم أن يكون استنهاض كافة ديناميكيات البيئة السياسية.. في البدء هل توافق على هذا الطرح؟ ثم كيف السبيل إلى ذلك في هذا الظرف الدقيق داخلياً وإقليمياً ودولياً؟

تحدث الحوارات الوطنية في دول العالم بصفة عامة في عدة ظروف: الظرف الأول حالة ثورية أدت إلى سقوط مؤسسات الحُكم في دولة ما ويتم الحوار بشأن أسس النظام الجديد.

والظرف الثاني عندما تشعر القيادة السياسية في دولة ما بأنها تواجه مشكلة مُحددة تستدعي استطلاع مُختلف الآراء بشأنها، مثل دعوة الحكومة المغربية إلى حوار وطني للنظر في أوضاع المُجتمع المدني عام 2013، وكذلك دعوة الرئيس ماكرون إلى "الحوار الوطني الكبير" في مطلع عام 2019 لمُناقشة مطالب مُظاهرات أصحاب السُترات الصفر وكيفية التعامُل معها.

وظرف ثالث تسعى فيه قيادة الدولة إلى إحداث نقلة نوعية في ظروف صعبة ودقيقة. وهذا الظرف هو الأقرب إلى الحالة المصرية الذي التزمت فيه الدولة بعديد من المشروعات العملاقة التي تُغيرُ من وجه الحياة، خصوصاً في الريف المصري والدعوة إلى إقامة "جمهورية جديدة".

لم يُحدد الرئيس السيسي سِمات هذه الجمهورية الجديدة، والأرجح أنه طرح مُبادرة الحوار الوطني مع القوى السياسية المدنية من أجل لم الشمل وبعث الحيوية في المجالين العام والسياسي والاستفادة من كُل الآراء والاقتراحات بغض النظر عن اتفاقها مع سياسات الحكومة في بلورة مسار هذه الجمهورية الجديدة. 

*يبدو أننا في المنطقة العربية، تحديداً ما زلنا نبحث عن صيغة مناسبة لمفهوم الديمقراطية السياسية التي تلائم نظمنا السياسية منذ عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية.. هل ترى أن ذلك من مهام جلسات الحوار الوطني؟

هذا سؤال مهم وصعب وربما مثير للجدل أيضاً، إذ من الضروري التعرف على ماذا تقول لنا الخبرة التاريخية، في هذا الأمر تقول إنه عندما رحل الاستعمار عن دول مثل مصر والعراق وسوريا والسودان ترك خلفه نظاماً ديمقراطياً على النمط الغربي ولكن سرعان ما دخلت هذه النظم في مأزق انتهى بحدوث انقلابات عسكرية وتبني نظم الحزب الواحد. تقول لنا أيضاً إن هذه النظم لم تحقق أهدافها فنمت مشاعر عدم الرضا والغضب التي أفصحت عن نفسها في موجة الانتفاضات الشعبية عام 2011، ثم موجة ثانية في 2018، فماذا كانت النتيجة بعد ذلك كله؟ دول انزلقت إلى حروب أهلية وقبلية وطائفية وأخرى تبحث عن صيغ أخرى لتحقيق التوازن بين سلطة الدولة وحقوق الفرد وحقوق المواطن وحريته. ثم هناك الدول التي أخذت بمفهوم "المحاصصة الطائفية" والتي "مأسست" الانقسام الديني والطائفي وأضعفت في واقع الأمر من مبدأ المواطنة والانتماء الوطني.

أستطيع القول هنا إن حال الديمقراطية ليس بخير في بلادنا العربية وهناك بيئة داخلية ثقافية واجتماعية تعوق تطور القيم والممارسات الديمقراطية في المؤسسات الاجتماعية والسياسية. وثمة أيضاً عوامل إقليمية تدعم هذا الوضع. لا بد من إضافة أن ما يحدث في منطقتنا ليس وضعاً استثنائياً وأغلب الدول التي اختبرت ما يسمى بالموجة الثالثة للديمقراطية في شرق أوروبا وأفريقيا شهدت انتكاسات وتراجعات، وهناك كتابات وتقارير دولية عديدة اليوم عن هذه الانتكاسة أو التراجع الديمقراطي فالطريق إلى الديمقراطية ليس سهلاً أو ممهداً ولكن ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى النكوص عنه أو التغاضي عن قضايا المشاركة الشعبية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحريته.

*يثير طرح الحوار الوطني كآلية نحو التوافق بين المكونات الحزبية والقوى السياسية بعض التخوفات من كونه جاء بقرار -فوقي- رئاسي، بيد أن ذلك من ناحية أخرى ينظر إليه على أنه يدعم مفهوم الحوار وآلياته.. في تقدير حضرتك كمقرر عام للمحور السياسي ما هي أبرز القلاقل التي من الممكن أن تواجه جلسات الحوار الوطني؟

من الطبيعي في أي حوار بين فرقاء يمتلكون رؤى مُختلفة للمُجتمع من حيث التشخيص والحلول أن يكون لدى بعضهم تخوفات. والمحك في هذا الأمر هي الإجراءات التي يتبناها الحوار. صحيح أن فكرة الحوار الوطني كانت مُبادرة من جانب الرئيس السيسي. ولكن تكوين تشكيل مجلس أمناء الحوار لم يصدر بقرار منه بل جاء اختيار أعضائه من خلال التوافق بين الأحزاب والقوى السياسية المُختلفة. واتصالاً بذلك، فإن قواعد إجراء الحوار في اللجان المختلفة لا تتضمن إجراء التصويت الذي تكون نتيجته وجود أغلبية وأقلية وإنما تنصّ إجراءات الحوار على أن يُعبر ممثلو القوى والتيارات السياسية المُختلفة عن آرائهم ويتم الحوار بشأنها، فإذا حدث توافق حول تصور معين فمرحباً به، وإذا لم يحدث؛ ينص تقرير اللجنة على الآراء التي تمت إثارتها. من الإجراءات التي تُوفر مناخ بناء الثقة إعطاء الفرُص المتكافئة لجميع المُشاركين فيه للتعبير عن الرأي وأن جميع جلسات الحوار علنية يحضرها ممثلو الصحافة والإعلام.

*ربما طرح آلية الحوار الوطني يعكس قناعة بدرجة ما إلى بروز عدد من الإشكاليات التي تواجه الجماعة السياسية في مصر وطبيعة حضورها الحزبي وممارسة دورها المعروفة وكذا يطرح بعض الأسئلة نحو طبيعة النظام السياسي الأكثر ملاءمة لمجتمعنا المصري.. في ضوء ذلك كيف تقدر مآلات التجربة الحزبية المصرية خلال العقدين الأخيرين؟ وما هي سمات النظام السياسي الأكثر ملاءمة؟

مرت مصر بمرحلة من الغليان والاضطراب السياسي التي اقتربت من حافة الفوضى في بعض الأحيان. فرغم أن الدعوة لتغيير قادتها أساساً، أحزاب وحركات وشخصيات مدنية. فقد نجح تيار الإسلام السياسي في السيطرة عليها وتحويلها عن مسارها، وبسبب قوته المالية والتنظيمية نجح في السيطرة على أغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات 2011 و2012 وفي الوصول إلى رئاسة الجمهورية والسعي إلى فرض هيمنة أيديولوجية دينية رفضها أغلبية المصريين. وأدت إلى المواجهات المُستمرة بين النظام ومُعارضيه عامي 2012 و2013 وصولاً إلى سقوط النظام في يوليو 2013. وخلال هذه الفترة، تصاعدت الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الجيش في سيناء، وتلي ذلك أعمال مظاهرات واحتجاجات وأنشطة إرهابية واستخدام للعُنف ضد شخوص ومؤسسات الدولة في السنوات التالية لعام 2013.

أدت هذه المواجهات إلى تهديد الشعور بالقلق على مؤسسات الدولة وتوقف بعضها عن العمل. فعلى سبيل المثال، تعيش مصر من عشر سنوات بدون مجالس شعبية مُنتخبة منذ إلغاء المجالس التي كانت موجودة في عام 2011. من ناحية أُخرى، بدأت معالم الحياة السياسية في التبلور بصدور دستور 2014 والذي تعرض للتعديل في عام 2019 وانتخاب مجلس النواب في دروتي 2015 و2020 وانتخاب مجلس الشورى في 2020.

بالنسبة لي ومن خلال دراساتي للنظم السياسية في مصر والنظم الجمهورية، أعتقد أننا نحتاج إلى رئاسة قوية دون أن تتحول إلى مُستبدة، وشرط ذلك أن تكون هناك مدة قصوى لسنوات حُكم أي رئيس ويكون في ذلك ضماناً لانتقال السُلطة من يد إلى يد، وضماناً أيضاً لمُراجعة السياسات والحفاظ على الحريات العامة.

بمنتهى الموضوعية، أستطيع القول إن مبادرة رئيس الجمهورية بالدعوة إلى الحوار الوطني تحمل في ثناياها كثيراً من هذه الاعتبارات والرغبة في الوصول إلى توافق وطني بخصوص أسس النظام السياسي والاجتماعي، وخاصة بعد تبني الدولة لمفهوم الجمهورية الجديدة وأتمنى أن يُسهم الحوار الوطني في بلورة ما نسعى إلى تحقيقه.

*واحدة من النقاط الهامة التي بدت أمام الجميع خلال الأعوام الأخيرة ومنذ جائحة كورونا، غيوم العلاقات فيما بين نظم الحكم والمواطنين، خاصة مع التداعيات الاقتصادية العنيفة.. إلى أي حد يطرح الحوار الوطني سبل تعزيز وترميم جدار الثقة مع المواطنين؟

أعتقد أن هذا هدف أساسي للحوار، وخصوصاً على مستوى العلاقات بين مؤسسات الدولة والنخب السياسية المخالفة في الرأي. الهدف هو "لم الشمل السياسي والوصول إلى مساحات مشتركة" من خلال الحوار والسعي للوصول إلى التوافق، وحسب خبرتي فإن ذلك يمكن أن يتحقق إذا ما تم النقاش حول قضايا محددة يكون الهدف منها تقديم اقتراحات بتعديلات في التشريع أو تغييرات في السياسة.  

*بشكل مباشر كيف يمكننا القول إن جلسات الحوار الوطني تحرث الأرض وتمهدها لتفعيل المجال العام وتنمية الفضاء السياسي؟

ينبغي أن تلاحظ معي أن الحوار الوطني قد حقق بعضاً مما أشرت، حيث بدا للجميع كيف ظهر في الأسابيع الأخيرة على شاشات الفضائيات المصرية عديد الشخصيات السياسية ذات الآراء المخالفة والتي لم تظهر من العام 2013، وطرح كل منها وجهة نظره كاملة وفي هذا توسيع المجال العام وإنارة الرأي العام.

أما بالنسبة إلى جلسات الحوار ثمة ضمانات عديدة نحو تحقيق هذا الهدف والتي أشرت إلى بعض منها، مثل ضمان الفرصة المتساوية لكل وجهات النظر للتعبير عن نفسها، والعلانية، فالجلسات مفتوحة أمام ممثلي أدوات الإعلام المختلفة، وعدم اللجوء إلى التصويت حال اختلاف الآراء بشأن أحد الموضوعات وتعذر الوصول إلى توافق، ففي هذه الحالة سوف يتضمن تقرير اللجنة الآراء المختلفة التي تم طرحها.

ليفانت – خاص

 

حوار: رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!