-
ممالك الرعب
الرعية تتنفس والرعية لاتتنفّس، والهواء بلا أكسجين، والحروف بلا مخارج، والصوت ليس مبحوحاً، بل يخيّل لك أنّ الحنجرة مقلوعة من مكانها، وكيف ذلك وأنت تحمل الرعب زاداً لك أينما ارتحلت، حتّى لو كنت نبتة مشلوعة تيبّست أطرافها على تلّة ذات حدود ودشم، فإنّ الرعب سيسكنك، ماذا لو هبّت نسمة وذرتني، ترى أين سترميني؟، وأين سأرتجف؟، وكيف سأتلذّذ بمتعة الرعب؟، ماذا لو رمتني على أطراف أرض لايسكنها الرعب ترى كيف سأعيش؟. ممالك الرعب
لقد صنع الشعب السوري أيقونات وأيقونات، أيقونات لانتصار إرادته، وأيقونات لشهدائه ومعتقليه، ماذا لو صرخ صوت في عتمة الذل: أين أبطالنا الأحياء؟
رجل اسمه أبو خولة هاجم عدوّه وعدو الشعب كله فاعتقلته الثورة، لماذا؟، ألستم تقاتلون النظام، وهل كان لكم عدو ّسواه؟، لماذا عنت وجوهكم وطأطأت رؤوسكم وتخشّبت ألسنتكم دون نصرته، لماذا ينام مثل هذا البطل في معتقلات المعارضة؟، لماذا لا تسيرون إليه بسلاحكم وتحرروه؟، هل الحقّ يُنصر بتوسّل أو رجاء، أم أنّه يُنتزع من عين المعتدي؟.
الرعب وحش يتحكّم بنا، يتسلّل إلى عظامنا، يسري في دمائنا، وكأنّ هذا الرعب المزمن الموروث من أجدادٍ لأحفاد ومنذ ٦٠ عاماً، لم يكن هو النبع والمخزون الذي تفجّر بدم الأحفاد.
ترتعد فرائصنا أيام النظام، نتلفّت حولنا عند قول أي كلمة، تحمرّ وجوهنا إذا ماسمعنا شتمنا بوجوهنا، ونحرص أن تكون وجوهنا مشرقة وابتسامتنا عالية كي لايكتشفونا، أينما ارتحلنا فهو زادنا، هو الذلّ وإدمان البحث عن سيّد يسودنا. ممالك الرعب
في الأمس كانت الدموع ستطفر من عيون الأحبّة أصحاب القلوب الرقيقة على ابتهالات رامي مخلوف المسمومة، والتي صرّح فيها علناً أنّه موّل كل العمليات الأمنيّة والإرهابيّة، وأنّ برقبته دماء المعتقلين وعذاباتهم ودماء الشهداء كلّهم.
نحن كل ما اجتمعت جماعة منّا وتحدّثت، كان حديثها ينصرف إلى مطالب محدّدة، نريد وضع رؤية سياسيّة، نريد كتابة نظام داخلي، نريد مكاتب و هيكلية، مع أنّ هذه المسلمات هي مفهومة ولا تحتاج كثيراً من الحوارات أو إبداء وجهات النظر أو الاختلاف.
وطن مغتصب بكل شيء، مغتصب بحريّة شعبه، بلقمة فقرائه، بجهده وحتّى بأحلامه، لارؤية سياسيّة، لاتنظيم، ولا تخطيط، كل ماحمله أولئك الشباب الثائرون، هو مطالب عيشهم التي حرموا منها، وأوغل وحش الفساد والاستبداد فتكاً بأجسادهم وأحلامهم الصغيرة، فمن شتّتهم؟، من ضيّعهم؟، من جعلهم شيعاً وفصائل؟، من تاجر بهم؟.
المجتمع الأهلي والقبيلة
في كل مامضى من تاريخ ، وفي كل ماقرأ من سطور، دوّنت لتنقل لنا حياة من سبقنا، نجد أنّ المجتمع الأهلي (القبلي) هو الصورة الأكثر بروزاً، الأكثر وضوحاً، كانت القبيلة ذات حكم شامل مثل أي دولة متطوّرة، الأمير أو الشيخ هو القائد في مفاهيم بناء الدول، عكيد الحرب هو وزير الدفاع، القاضي أو العارفة هو وزارة العدل وحلّ الخلافات، وذو الحكم النافذ على الجميع، والذي يفرض حالة التكافل والتضامن في ضمان تحقيق أحكامه والعقوبات المالية (الديّة)، تكاد تكون العقوبة الرادعة الأقوى بين العقوبات والتي تفرض أن يدفع المخطئ الغرامة المتوجّبة عليه وإن عجز عن الدفع فإنّ قبيلته هي الضامن الذي يقع عليه السداد عن ابن القبيلة، والقبيلة هي من تجمع من أعضائها مبلغ الديّة المفروضة، هل تحتاج القبائل والعشائر لنظام داخلي؟، لا، بكل تأكيد وهي من تملك قوانينها والمتوارثة بالعرف كابر عن كابر. ممالك الرعب
ماذا تحتاج إذاً لتعزّز دورها في إعادة بناء مجتمعاتها وحماية أفرادها في ظلّ الظروف المخيفة من الانفلات المجتمعي الغير مسبوق في التاريخ؟، كل ماتحتاجه هذه القبائل هو العودة إلى أصولها الصحيحة في بسط السيطرة وتعزيز دور قانونها الذي لايتعارض لا مع القوانين السماوية ولا مع القوانين الوضعيّة، وكل موروثها إنّما هو يعزّز مفاهيم الحقّ والعدالة ونصرة المظلوم.
مايحتاجه أمراؤها وشيوخها ووجهاؤها هو أن يلتفتوا حولهم ويتداعون جميعاً لايجاد ديوانهم الخاص بهم، ووضع خططهم في الدفاع عن أبناء قبائلهم وحمايتهم من جور المعتدي والظالم وممارسة كل ماهو من حقّهم في الدفاع عن مكوناتهم القبلية، وبكل الوسائل المتاحة سواء السلمي منها، كالاحتجاج والتظاهر والرفض والامتناع عن قبول مالايضمن لهم حقوق أفرادهم، وكذلك حقّهم في الدفاع المسلّح إن لم يكن لديهم خيار آخر غير الحرب وهو ميدانهم وأساس نشأتهم تاريخياً، فضاؤهم مفتوح، وباديتهم كبيرة تسَع كل نشاطهم، وعندما يحيط بهم الظلم والجور سواء كان من البعيد أو القريب، وكي لايقعوا مرّة أخرى أسرى لممالك الرعب والغزاة، فإنّه لاسبيل أمامهم إلا أن يردّدوا ماردد أسلافهم:
“إنا لمن معشرٍ أفنى أوائلهم
قيل الكماة: ألا أين المحامونا؟”
ليفانت – محمود سليمان حاج حمد
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!