-
منصة المهاجرون الآن: السوريات يتعرضن لاستغلال ضمنه "الجنسي" بتركيا
أصدرت منصة "المهاجرون الآن" المعنية برصد أخبار المهاجرين، تحقيقاً خاصاً بالتعاون مع "صحفيون من أجل حقوق الإنسان – JHR"، والتي هي بدورها أكبر منظمة تطوير إعلامي دولية في كندا، حول استغلال النساء السوريات من الناحية الجنسية، أثناء عملهن في تركيا.
وجاء في التحقيق: “سوف أعتدي عليكِ جنسياً إن لم تعملي بجد، هكذا خاطب رب العمل أختي التوأم، كما اعتاد زملاؤنا أن يغلقوا المصاعد بين حين وآخر ليتم حجزنا في إحدى طوابق البناء الذي كنا نعمل فيه”، وهو ما تقوله شهد (اسم مستعار)، الطفلة السورية التي بدأت العمل مع أختها التوأم وهما في الثالثة عشر من عمرهما، ضمن إحدى معامل الألبسة في إسطنبول، لمدة (12) ساعة يومياً مقابل رواتب لا تكاد تسد الرمق!
وتابع التحقيق: "لم يكن معملاً صغيراً عادياً بل حاصلاً على وكالة للعمل مع ماركات ألبسة ضخمة مثل “Mavi” و “Bonita” إلّا أنه مليء بالتحرش والاستغلال والمضايقات التي واجهت الطفلتين على مدار أربع سنوات ونصف، بحسب شهد، قائلةً: “لم يرحمنا أحد، حتى السوريون القاطنون في المنطقة التي عشنا فيها ينظرون إلينا كأننا لقمة سائغة بسبب عملنا”، وتردف: “لا أذكر مرة عدنا فيها إلى المنزل دون أن نتعرض لتحرش لفظي لم نكن ندرك معانيه بعد، إلى أن كبرت وعلمت أنه يسمى في بلداننا (تلطيش)”.
وضمن دراسة أجرتها جريدة حرييت التركية عام (2017) عن نسبة النساء اللاتي تعرضن للتحرش في العمل، تبين أنه (62) في المائة قد تعرضن للتحرش، بينما قالت (35) في المائة لا، و(3) في المائة أنهن غير متأكدين، وذلك من بين (1232) امرأة ردتن على الاستطلاع.
اقرأ أيضاً: تقرير: الفتيات السوريات معرضات لخطر الزواج المبكر في دول اللجوء
وقد تغلبت شهد على كل المتاعب التي واجهتها منذ صغرها، في رحلة طويلة بدأتها بالنزوح ثم اللجوء إلى تركيا ثم العمل وختاماً تحقيق الحلم ودراسة الصحافة في جامعة أنقرة.
ويشير التحقيق أنه "في حال التعرض لأي نوع من التحرش في تركيا، يستطيع الشخص الذهاب لأي مخفر وتقديم الشكوى، ولم يشترط القانون التركي في الشكوى شكلاً معينًا، فقد أجاز أن تقدم خطية أو شفوية، أما المدة التي يمنحها القانون للمجني عليها لتقديم الشكوى هي (6) أشهر، كما يوضح الحقوقي صلاح الدين رفعت دباغ"، ويضيف: “أما جريمة الاعتداء الجنسي فيعاقب مرتكبها حال كان الاعتداء فقط باللمس لمرة واحدة، يعاقب مرتكبها بالسجن من (3) الى (5) سنوات وحال كان اللمس متكرر يعاقب مرتكبها بالسجن من (5) الى (10) سنوات وفق المادة (102) من قانون العقوبات التركي”.
أما في حال الاعتداء الجنسي العنيف فيعاقب مرتكبه بالسجن لمدة لا تقل عن (12) سنة ولا تزيد على (20) سنة، وفي حالة كان المجني عليه طفلاً فتصبح مدة السجن تتراوح بين (12) الى (20) سنة، وتضاعف العقوبة إذا ارتكبت نتيجة استغلال الوظيفة الحكومية أو استخدام وسائل التواصل الإلكترونية أو إذا ارتكبت من قبل المكلفين برعاية أو تعليم الطرف الآخر أو إذا ارتكبت من خلال الاستفادة من العمل في نفس المكان، وذلك بحسب الدباغ.
فيما تصف راما محمود حياتها في تركيا بالقول: “أنا ميتة في هذه الحياة، كنت قوية في نظر الجميع إلّا نفسي”، وذلك عقب وفاة والدها ودخولها سوق العمل، حيث تعمل لأكثر من عشر ساعات يومياً كعاملة نظافة ومسؤولة طعام ضمن إحدى الروضات العربية في إسطنبول.
ووفقاً لها "الأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة، إضافة إلى النظرة الدونية التي شعرت بها جعلتها تعيش حالة اكتئاب"، وتضيف راما “لا يفيد الفتاة سوى تعليمها وشهادتها الدراسية”، موجهةً النصح لأقرانها بإكمال تعليمهن للحصول على فرص عمل أفضل.
والأجور المتدنية للعمال السوريين ظاهرة منتشرة في تركيا، إذ تلفت إحصاءات الحكومة التركية، والتي درست عينة من قاطني السكن الشبابي، إلى أن (75%) من العمال السوريين يتقاضون مبالغ أقل من الحد الأدنى للأجور في تركيا، كما يعمل أكثر من (59%) منهم لساعات طويلة قد تصل إلى (65) ساعة أسبوعية دون أي تعويض عادل، وفق مركز الحوار السوري.
وعقب لجوء الكثير من النساء السوريات إلى تركيا، وعدم قدرتهن على العمل بوظيفة مناسبة لهن، قررن مواجهة التحديات وخلق أعمال ومشاريع خاصة بهن، حيث نجد الآن المئات والآلاف من رائدات الأعمال الناجحات والمستقلات مادياً.
حيث تعرف بين جاسم نفسها بالقول: “أنا الآن ملكة نفسي، أدير عملي الخاص ولا أخشى أحداً”، وهي صاحبة مشروع بيان آرت، التي تتقن فن التنقيط والكتابة على الأكواب والأواني الزجاجية، حيث دفعها إحساسها بالملل والفراغ لتجرب هذا الفن، الذي أحبته وحولته إلى كتابات عربية على المنتجات وعرضتها للبيع، فلاقت إقبالاً كبيراً مما دفعها للمواصلة أكثر والدخول إلى سوق العمل التركية.
وتوضح: "“عملي الخاص أثّر بشكل إيجابي على أسرتي وأنا فخورة بالرائدات السوريات المبدعات في شتى المجالات مثل الصحة والتعليم والطبخ والأعمال اليدوية وغيرها”، وقد ساهمت الجاسم في معرض الكتاب العربي الذي أقيم في مدينة إسطنبول التركية لعام (2021)، وتحرص على التواجد في كلّ المعارض والفعاليات لتشارك أعمالها وتلهم النساء أن لا شيء مستحيل.
وبحسب صحيفة “Millet” التركية فإن الاتحاد الأوروبي أعلن العام الفائت عن ثلاث برامج منح جديدة لدعم ريادة الأعمال السورية في تركيا ضمن مشروع أطلق عليه “ENHANCER”.
وتتواجد العديد من المؤسسات التي تعمل في نفس السياق، كمؤسسة إنجيف التي أطلقت برنامجاً لدعم رواد الأعمال السوريين وترجمة أفكارهم إلى واقع، وشركة ساراليا للفعاليات التي تعنى بدورها بإقامة تجمعات لرائدات الأعمال في اسطنبول بغية نشر وتسويق أعمالهن وتشجيعهن على المثابرة والإنجاز.
لكن بحسب ديمة معراوي مسؤولة المناصرة في منظمة SAMS، فإن “حقوق النساء غير مدرجة بشكل كامل ضمن المنظمات، نحن بحاجة اعتراف النساء ووعيها باستحقاقها لتلك الحقوق والمطالبة بها والإيمان بأنها حقوق وليست ميزات، مثل إجازة الأمومة والحضانة وتوفير بيئة مناسبة من حيث مكان العمل”، وتتابع: “المنظمات التي تعمل منذ سنوات وضعت سياسات تساعد على تأمين حقوق النساء كما الرجال قدر المستطاع، أما المنظمات الناشئة تواجه خللاً في ذلك”.
وتلفت معرواي إلى تألق المرأة السورية ضمن عملها في المنظمات عقب مواجهة العديد من الانتقادات والتحديات خلال رحلتها الأولى فقط “لأنها امرأة”، مما دفعها فيما بعد إلى المطالبة بجميع حقوقها منها المالية، حيث تتقاضى أجوراً أقل من زملائها الرجال في ذات المنصب.
ووفق دراسة بحثية بعنوان تضمين النساء في منظمات المجتمع المدنيّ السورية والتي عقدتها شبكة أنا هي مع ملتقى حنين عام (2016)، رصدت فيها نسبة عمل النساء السوريات ودورهن في منظمات المجتمع المدني والتي تزيد عن (100) منظمة، حيث توصّل البحث، عقب الدراسة وتحليل الاستبيان، إلى أن مجموع السوريات العاملات لدى المنظّمات المستهدفة بلغ (2863) امرأةً من إجمالي عدد العاملين (9310) عاملاً، مما يعني أن نسبة النساء العاملات (20%) تقريباً.
ونوهت المنظمات خلال البحث إلى أسباب عديدة لهذه النسبة القليلة ومنها ” قلة الخبرة، وصعوبة إيجاد المرأة المناسبة، وقلة التمويل، وطبيعة العمل لساعاتٍ طويلة، اختيار الأشخاص حسب طبيعة الاتجاه الفكريّ للإدارة، وعدم ضمان استمرارية المرأة في العمل نتيجة غياب الأنظمة التي تأخذ في الاعتبار وضع المرأة (مثل إجازة الأمومة والرضاعة وتوفير الحضانة في مكان العمل)” وغيرها من الأسباب.
ويهيمن في المجتمع السوري أفكار عدّة مرتبطة بالمرأة العاملة، خاصة الأم منها، حيث يعدّ أطفالها مسلوبي الحقوق والرفاهية نتيجة عملها، “كان علي أن أقضي أوقاتاً طويلة خارج المنزل، وكنت أسافر في كثير من الأحيان بسبب العمل أو الدراسة، تاركةً ابنتي الصغيرة مع والدها، الأمر الذي جعلني أتعرض للكثير من الانتقادات” تقول برهان بيازيد، الخبيرة في مجال التعليم.
وتتابع: “الأم العاملة تؤثر إيجاباً على تربية أطفالها، حيث يساعد العمل أو التعليم ومقابلة الآخرين والتعامل مع المجتمع الخارجي إلى زيادة الخبرة الاجتماعية والتي تنعكس تلقائياً على تربية الأطفال، بخلاف الأم الجالسة في المنزل والتي تكون هشّة جداً لعدم تعرضها لأي صدمات في العمل والمجتمع المحيط والذي يزيد من خبرتها وقوة شخصيتها”.
وتظن بيازيد أن الآثار السلبية التي قد تحصل على الأطفال، يكون سببها إهمال الأبوين معاً لمسؤوليات الأطفال واحتياجاتهم، وتكريس حياتهم كاملةً للعمل فقط، أما الأم العاملة تكون قدوة لأطفالها وتساعدهم ليضحوا منتجين في المجتمع.
أما سوسن دحمان من شبكة المرأة السورية، فتقول: “فرضت الحرب الدائرة في سوريا على النساء السوريات طرق حياة جديدة، فاضطرت المرأة السورية للدخول في سوق العمل ومواجهة التحديات لإعالة أسرهن بسبب فقد المعيل”، مضيفةً: “أكبر التحديات التي تواجهها هي عدم معرفتها بالوضع القانوني في تركيا، ومواجهة صعوبات بإصدار بطاقة الحماية المؤقتة واذن السفر والترخيص، بالإضافة إلى عائق اللغة”.
ونوهت دحمان إلى أن معظم النساء يرغبن بدخول سوق العمل لكسب لقمة العيش، حيث دخلت الكثير من النساء في تدريبات مهنية كالخياطة والطبخ وغيرها، فاستطاعت المرأة برهان جدارتها بالعمل رغم قساوة الظروف والصعوبات التي واجهتها.
فيما تقول سها الأقرع المديرة القطرية في منظمة النساء الآن: “واجهت النساء السوريات تحديات كبيرة للدخول في بيئة عمل آمنة توفر شروط صحية وحقوق كاملة، حيث عملت الكثير منهم بشكل غير شرعي (السوق الأسود) بسبب صعوبة الحصول على فرص عمل مناسبة أكثر”، موضحةً أنه بعد إصرار النساء السوريات على العمل والنجاح والتميز في كافة المجالات، أصبح هناك انفتاح أكبر لعمل المرأة حتى عند المجتمعات التي كانت ترفض ذلك، وأعطيت لها الفرصة للبحث عن العمل والتحرر من القيود التي واجهتها كثيراً.
اقرأ أيضاً: العقوبات الأميركية تطال مسؤول في حزب الله يتاجر باللاجئات السوريات
و“في الظروف غير الآمنة وضمن العمل غير القانوني (غير مسجل لدى الدولة)، ينعكس عمل المرأة سلباً عليها، حيث هناك قابلية لاستغلالها على كافة الأصعدة مثل التخلف عن إعطاء الأجور والتحرش والاستغلال الجنسي، كما أن الكثير من النساء لا تبحث عن طريقة لأخذ حقها المسلوب وذلك لعدم معرفتها بالقوانين بشكل واضح”.
وتشير الأقرع إلى أن النساء السوريات العاملات “جبارات ومبدعات، خقلن فرصاً من العدم، وباختلاف الخلفيات التعليمية لهن وبحكم الواقع الذي فرض عليهن، استطعن الدخول إلى سوق العمل والنجاح فيه”.
ووفق جمعية (kadinin insan haklari yeni çözümler derneği) التركية، “في بعض الأحيان، قد لا تحمي القوانين حقوق الرجال والنساء على حد سواء، ومع ذلك، عندما تُنتهك حقوق المرأة، غالباً ما يحدث ذلك لمجرد أن النساء نساء، على سبيل المثال، يتضح دائماً أن النساء هن من لا يحصلن على أجر متساوٍ عن العمل المتساوي”.
ويلفت أوزغور كايا ، أخصائي الضمان المهني والاجتماعي في تركيا، أنه تبعاً لقانون العمل ، ينبغي معاملة المرأة على قدم المساواة في الحياة العملية وعدم التمييز ضدها.
ويبين عبدالله سليمان أوغلو، القانوني الخبير بشؤون اللاجئين، أنه وفقاً للمادة (74) من قانون العمل رقم (4857)، تعطى للمرأة إجازة أمومة مدتها ستة عشر أسبوعاً، كما تُمنح العاملة خلال فترة الحمل إجازة مدفوعة الأجر لإجراء فحوصات دورية، ويجري توظيف النساء الحوامل في وظائف أخف مناسبة لصحتها ولا يجوز تخفيض أجر العمل في تلك الحالة.
كما تُمنح العاملة إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى ستة أشهر عقب إكمال إجازة الأمومة، وذلك بناءً على طلبها، كما يتاح للعاملات بالرضاعة الطبيعية لمدة ساعة ونصف في اليوم لإرضاع أطفالهن دون سن سنة واحدة.
ليفانت-منصة المهاجرون الآن
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!