-
من حلب إلى دمشق حراك مدني يستحق التقدير
هل يمكن أن تنقلب المعادلات إذا تصوروا أن يتحمّل المجتمع المدني مسؤولية الرقابة على الأحزاب والتيارات السياسية، أم يقتصر دوره على تثقيفها وتوعيتها؟
يمثل الحراك المدني الاجتماعي في دمشق بارقة أمل لمستقبل أفضل، حيث يطمح الناشطون إلى المشاركة الاجتماعية في بناء مجتمع أكثر عدالة وحرية. ورغم التحديات العديدة التي تواجههم، إلا أن عزيمتهم وإصرارهم على تحقيق التغيير لا تزال قوية.
حيث يمكن للأحزاب والتيارات السياسية المستقبلية الوقوف أمام هذا الحالات وأستنتاج العوامل الرئيسية لاستمرار نجاح الحراك المدني في مدن سورية كدمشق وحلب؟ فمن خلال متابعتي ورصدي فقد ساهم هذا الحراك في دمشق بفعالية في تحقيق ثبات السلم الأهلي والتعايش السلمي بين مناطق دمشق القديمة التي تعتبر خزان التنوع السوري العريق والحضاري المتعدد، حيث يتم التركيز بشكل أساسي على الهوية السورية المشتركة، وحقوق جميع المواطنين إناث وذكور مع إيلاء حقوق الإنسان والمرأة والطفل أهمية قصوى، مما أوجد أرضية مشتركة بين مختلف الفئات. كما يدرك المشاركون أن المصالحة المجتمعية تتطلب بناء الثقة وتجاوز الخلافات التي زرعها النظام البائد كأدوات للسيطرة على المجتمع و الأهم من ذلك تميز المشاركون طوعياً بفصل الحراك المدني عن السياسة.
ومن وجهة نظري أن ما تشهده مشق، العاصمة السورية، من حراكًا مدنيًا اجتماعيًا ملحوظًا يلعب الثوار والناشطون في المجتمع الدمشقي دورًا بارزًا فيه هذا الحراك. لا بد أنه سوف يحقق تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمدينة من تعزيز لروح قيم الحرية والعدالة والمساواة.
في السياق الموضوعي لما سبق كان لا بد من الإشارة الى بعض من تلك الشخصيات الدمشقية ممن بذلوا في الماضي واليوم جهود بارزة في استمرار هذا الحراك المدني حيث يتصدر الحراك المدني في دمشق عدد من الشخصيات البارزة والغير معلنة ولكن مع وجود هؤلان الشبان الذي يغطي عن ذلك الغياب بفضل جهودٍ دؤوبةٍ بذلها شبابٌ وشاباتٌ متميزون من أجل خدمة المجتمع الدمشقي، وعلى رأسهم الدكتور أنس القهوجي الذي عمل بفعاليةٍ عاليةٍ، مُهيئاً الشباب والشابات لتشكيل درعٍ واقٍ لحظة سقوط نظام الطاغية، باعتبارهم الركيزة الأساسية لبناء سوريا المستقبلية القائمة على التنوير والأخلاق والعلم والتنمية، و ترسيخ الأمن والسلم للجميع.
ومن بين هؤلاء الشباب: النشطاء بلال حلواني، وأبو عبده الشاغوري ح، وأبو عصام الشاغوري ي، وأبو محمود سعودي ن، وأبو فهد النن ع، والناشط المدني محمد القزاز ونور حلواني، وغيرهم ممن لا يتسع المقام لذكرهم جميعاً. نُقدّر جهودهم جميعاً، ونُثني على كل سوريٍ يعمل من موقعه من أجل سوريا لكل أبنائها وبناتها. كما اود توجيه الثناء على دور عدد من الناشطات اللواتي فضلن عدم ذكر أسمائهن، مؤكداتٍ على أن عملهن واجبٌ أخلاقيٌ وإنسانيٌ يهدف إلى التخفيف من معاناة الأسر السورية المتضررة.
هذا الحراك وغيره المنتشر في عدة محافظات ومنها حلب حيث المفهوم يتجه نحو بناء وطن معافى أعتقد أن الإشارة إلى هذه الأسماء ليست فقط لأنهم في خضم العمل المدني، بل هي أيضًا دليل على أن التغيير الحقيقي يبدأ من الأرض، من أولئك الذين يعملون دون أن يٌطلب منهم ذلك ودون أي مقابل لأنهم على قناعة أن الإخلاص لقضايا رفع المظلوميات يبدء من حقيق أهداف وطنية وإنسانية نبيلة ليس مشروطاً في الأنتماء إلى تيارات وأحزاب سياسية ولا حتى أن يتم حسبهم على شخصية ما أن عملهم لأرداركهم أن الدين لله وحده والوطن للجميع.
أن الملخص الموضوعي هذا الحراك هي تعبير إجتماعي أسست له الثقافة التاريخية التي صاغت هوية الإنسان السوري وهنا يتمحور في التركيز على القضايا الإنسانية الملحة والمصالحة المجتمعية، وإعادة الإعمار، مما جعله يحظى بالترحيب الشديد من كافة شرائح المجتمع وخصوصاً أنه تجنب الآراء و الانزلاق وفق التوجهات السياسية لمختلف الأحزاب والتيارات السياسية.
وفق التصور السابق أعتقد أن استمرار حراك المجتمع المدني يؤسس إلى مفهوم صلب في تحييد المجتمع المدني عن التسخير السياسي ويساهم في الحفاظ على وحدة وتماسك شرائح المجتمع السوري الذي نال حريته في التعبير عن الرأي والمشاركة في صياغة القرار الوطني حيث ( لا سلطة فوق سلطة الشعب والدستور ).
أيُعدّ هذا جزءًا من القدوة الإيجابية التي يُظهرها النشطاء من خلال التزامهم بالقيم الإنسانية والمواطنة، وبناء علاقات قوية مع المجتمع المحلي، مما يجعلهم شركاء فاعلين ومراقبين لتعزيز ثقته بالعملية السياسية، والتي تحتاج بدورها إلى تعبئة مجتمعية واسعة النطاق؛ لما لذلك من نجاح في بناء الثقة بين المجتمع والدولة. وتُؤدّي المرأة دورًا محوريًا في هذا السياق، مما أسهم في تعزيز قيمه وأهدافهيُسهم الوقوف على هذه التجارب الواقعية ودعمها في تطوير عملية إعمار المجتمع المدني، وبناء شبكات مجتمعية واسعة النطاق تُعزز التنسيق والتعاون بين مختلف الفئات، مما يُساهم في تهيئة بيئة مناسبة لانطلاق الحياة الاجتماعية والسياسية المحلية، ويُطمئن رجال الأعمال ويشجعهم على تنفيذ مشاريع استثمارية تُنشط السوق المحلي، وتُحفز تدفق الاستثمارات الخارجية.
ختامًا، على الأرجح أن هذه التفاعلات مجتمعة هي فرصة دافعة في حال لاقت الترحيب المناسب لها في تعزيز فرص بناء بيئة حوارية تسودها روح التسامح، انطلاقًا من العملية السياسية المؤقتة، بما يحقق السلم الأهلي والتعايش السلمي، ويسهم في بناء عقد اجتماعي يحظى بموافقة واحترام جميع السوريين، ملتزمين جميعًا، دولة ومواطنين، بتطبيق مواد الدستور والقانون بروح من المسؤولية والمساءلة والشفافية..
ملاحظة: يمكن الاستفادة من هذه التجربة في سياقات أخرى مشابهة، حيث يمكن تطبيق نفس المبادئ والقيم لتحقيق المصالحة المجتمعية وبناء مجتمعات أكثر تسامحًا وسلامًا تجعل السوريون فاعلين في بناء دولتهم المحلية التي سوف تجد مستقبلاً الترحيب والإعجاب الإقليمي والدولي.
ليفانت: أحمد منصور
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
لن نسمح بوجود الارهاب على...
- December 30, 2024
لن نسمح بوجود الإرهاب على حدودنا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!