الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • من عجائب السياسة في سوريا.. من هو الرجل الأكثر أمناً في سوريا؟

من عجائب السياسة في سوريا.. من هو الرجل الأكثر أمناً في سوريا؟
كمال اللبواني

إنه أبو محمد الجولاني أمير جبهة النصرة الإرهابية التابعة للقاعدة، يليه الإرهابي بشار الأسد الذي قتل شعبه واستخدم الكيماوي ودمر دولته، ومع ذلك يشعر بالأمن كون ليس له من عدو سوى بقايا الثوار المختبئين في مدينة دمشق.

دعونا من رقم ٢، سنعود لحامل كأس الأمن والأمان الذي حقق كأس الفوز، فقط لأنه مصنف إرهابياً ومرتبط بالقاعدة، التي هي منظمة مصنفة إرهابياً في كل دول العالم وفي الأمم المتحدة أيضاً، لذلك قلنا إنها من عجائب السياسة، العجب أن الجميع يحتاجها، ويتعامل معها، ويعلن أن تدخله لمحاربتها، لكنه يحميها ويتعاون معها. الثورة تحملت وجودها في سبيل التصدي لوحشية النظام بالصدور العارية والعمليات الاستشهادية. الأنظمة العربية صنعتها ومولتها في سعيها لأسلمة الثورة وإبعادها عن هدفها في الديمقراطية ودفعها باتجاه الاستبداد الديني الذي تطبقه في دولها. النظام يريدها ويساعدها ويترك لها المال والسلاح لتسود على غيرها، لكي يتهم الثائرين عليه بالإرهاب، ومن دون الجولاني المرتبط بالقاعدة، لن يصدق بشار أحد بل سيتحول لمجرم ضد الإنسانية. الأسد موجود وجيوش الاحتلال موجودة لأن الجولاني موجود، فهو مبرر استمرارهم المشترك.

 

أمريكا بحاجة ماسة إليه كمشروع ناجح جداً في جذب المتشددين من كل مكان، ودفعهم لساحات الموت التي ينتظرهم عليها التحالف الدولي، والروسي، والنظام، وإيران، فهي تريد استنزاف أعدائها ببعضهم في ساحتي الفوضى اللتان اصطنعتا، أقصد في العراق ثم سوريا، ناهيك أن الجولاني يتعاون معها ويقدم لها المعلومات عمن ينضم إليه من مجاهدين، فهو أيضاً يعمل مع الحلف المضاد للإرهاب لكن بلباس إرهابي وبصفته أمير الإرهاب.

روسيا ترى فيه أكبر تبرير لغزوها سوريا وسرقة مواردها، (الحرب على الإرهاب ونصرة السلطة الشرعية). تركيا بحاجة إليه لكي تخيف به بقية المعارضة الفاشلة، وتجعلهم يحتمون من بطشه بالولاء التام لها والانضمام لجيش المرتزقة الذي تستخدمه، ولكي تهدد أخصامها بإطلاق الإرهابيين عليهم، كورقة تبادل مع الإرهاب الكردي، بحسب وصفها، وهو ما يجري أخيراً في مفاوضات أطراف سوتشي.

لذلك كله يتمتع أبو محمد الجولاني بكل ما يريد من متع الدنيا، من نساء ومال وعزوة ورخاء، وبنفس الوقت يضمن الآخرة كونه مجاهداً في سبيل الله، حسب ما يعلنه، مبشراً بالجنة التي يدخلها كمجاهد من دون حساب، وعليه فإن كل ما يفعله في الدنيا لن يحاسب عليه طالما هو قد نذر نفسه للراية التي حملها الرسول، لا إله إلا الله محمد رسول الله. وعليها سيف المسلمين المجاهدين، وكل أفعاله مبررة وكل ذنوبه مغفورة.

اسمه الكامل أحمد حسين الشرع، من مواليد السعودية، حيث يتم تعليم الدين السلفي منذ الابتدائي، والده من النازحين من القنيطرة، وهو من آل الشرع، من القنيطرة، وليس من حوران (الحاج علي)، والشرع لقب منتشر في القرى، حيث يعمل كقاضٍ يشرع عنده الناس، فيطغى عمله على اسمه وينفصل نسبه ونسبته بعدها، بعد نزوحهم ١٩٦٧ فر والده من سوريا إلى العراق في سياق صراعات حزب البعث، وتحت تهمة بعث العراق، ثم انتقل منها، للعيش في السعودية، وعاش فيها 20 عاماً، وعاد لسوريا بتسوية وضعه بعد سقوط النظام العراقي. يملك سوبر ماركت في المزة حتى الآن، نشط والده في إعلان دمشق حوالي عام ٢٠٠٥، ومعروف للكثيرين في المعارضة.

في تلك الفترة رسب ابنه أحمد في الثانوية العامة، وتم تجنيده لزرعه بالقاعدة في العراق من قبل مخابرات الدول العربية (السعودية بالتعاون مع سوريا وأمريكا)، وذلك في زمن الاحتلال الأمريكي للعراق، واندس إلى جانب الزرقاوي وكان مخبراً عليه، واستمر بعده وبقي في العراق يكتب التقارير حتى أعيد لسوريا بعد اندلاع الثورة فيها بفترة وجيزة، عاد باسم مموه ووجه لا يعرفه أحد مع عدد محدود من الأفراد، وكان ظهورهم الأول كمجموعة مقاتلة في مناطق إدلب، كمتطوعين قادمين من العراق لنصرة بلاد الشام، وبدؤوا في تجنيد المقاتلين، بما يملكونه من خبرة وبما يحملونه من مال وعتاد مميز يتلقوه بطريقة منتظمة وسرية منسقة مع أجهزة مخابرات دولية، وبتسهيل وتعاون تام مع النظام الذي كان أيضاً على تواصل معهم، حيث كان النظام ينهزم أمامهم تاركاً لهم المواقع التي خزن بها السلاح والمال، ولكي تستمد تلك الجبهة سمعة وشعبية تجذب إليها المزيد والمزيد، وكان وقتها لا يزال يتواصل مع فرع المنطقة للتنسيق معه، ومع اشتداد المعارك حول دمشق وفي ريفها، أعلن بشكل مفاجئ عن نفسه بالبيان رقم ٤ الذي يتبنى فيه عملية فرع فلسطين وفرع الدوريات، تلك العملية المفتعلة التي دبرها النظام  بذاته وهندس فيها وضع عشرات الجثث قدم بها من المعتقلات، وذلك في ١٢/٥/٢٠١٢.

 

وحضر فريق تلفزيوني إيراني خاص لفرع أمن الدولة، بحسب شهادة ضابط منشق، لتصوير فيلم تبني العملية في الفرع، ولكي تبقى سرية، هذه العمليات التي أدت لمقتل العشرات حسب البيان، وما هم إلا من تمت تصفيتهم بذات الفرع الذي ادعوا استهدافه، هذه العمليات ستعطي جبهة النصرة سمعة وشعبية كانت بحاجة إليها في عموم سوريا، وسوف يزداد تدفق المجاهدين من العراق، ومن كل الدول العربية، والأهم من أوروبا، لتستوعبهم جبهة النصرة التي صارت الفصيل الجهادي الأهم المنتشر في عموم سوريا، دون أن يخوض حتى تلك الفترة أي مواجهات مع الجيش الحر الذي تكون بشكل عفوي على أساس تطوعي من الأهالي وبشكل مناطقي، بل كان يتعاون معه في الكثير من العمليات.

باشر النظام سياسة البراميل لتهجير الحاضنة الشعبية للثوار، وبذلك انقطع الثوار عن مصادر دعمهم وسبب وحدتهم، وصاروا يقعون تباعاً تحت هيمنة التنظيمات الجهادية الأيديولوجية، التي لديها الكثير من المال والسلاح، فتآكل الجيش الحر وانتقل الكثير من مقاتليه تحت ضغط المعارك ونقص العتاد والموارد، لصفوف الجماعات الإسلامية المدعومة من دول الخليج العربي، لكن النصرة كانت الأقوى والأهم، وهنا عندما استوعبت معظم المجاهدين في الغرب، جرى قسمها لقسمين، الأول غالبيته من غير السوريين، وهو ما عرف بدولة الشام والعراق، داعش، والآخر غالبيته من السوريين الذي احتفظ بالاسم، وهنا أنكر الجولاني تبعتيه لدولة الخلافة التي شكلها رفيقه البغدادي، المجند أيضاً من قبل المخابرات الإيرانية وذلك في 10 أبريل 2013.

واستطاعت الدولة بما قدمه لها المالكي من عتاد وأموال أن تجتاح سوريا وتحتل معظم المناطق قليلة السكان في الشرق والشمال والجنوب والوسط، واعتمدت الرقة التي سلمت لها تسليماً من قبل أحرار الشام، بعد فرار النظام منها بطريقة منسقة أيضاً، بحسب ضباط أمن منشقين كانوا عاملين فيها، تركهم النظام ليقعوا أسرى، وأصبحت عاصمة الخلافة، رفض الجولاني مبايعة البغدادي وبايع الظواهري، الموجود في إيران الذي أعطى بركته للجولاني الذي يطبق نظريته بالخروج على الحاكم أولاً، وليس مهاجمة الأجانب أولاً، بعكس البغدادي الذي تعمد اختطاف وذبح الأجانب وشن العمليات في عموم المنطقة وأوروبا.

توسعت داعش أساساً على حساب الجيش الحر الذي كان قد حرر ٧٥ ٪ من سوريا، ولم تقاتل النظام إلا نادراً وبشكل مسرحي لتسلم مخازن أسلحة يتركها له جيش النظام، الذي يعود لاستعادتها مرة أخرى، كما جرى في تدمر مرتين، احتدمت المعارك الطاحنة بين داعش وبين الجيش الحر، الذي وقع بين فكي كماشة، فسقط لقمة سائغة بيد شقيقتها جبهة النصرة، عدو داعش المعلن، التي ابتلعت وقضت على كل من لم يستطع النظام وداعش القضاء عليه.

قدم الجولاني خدمات جلى للنظام عندما أعلن انتماءه للقاعدة عشية مؤتمر كان يناقش رفع حظر توريد السلاح مزمع عقده في بروكسل الاثنين 27/ 5/ 2013، فأعلن قبل ذلك بشهر واحد أي في 10/4/2013، مما دفع بالاتحاد الأوروبي للاستمرار في الحظر.

ثم قدم الخدمة الثانية عندما خاض معارك ضد الجيش الحر في إدلب وجبل الزاوية، ثم ضد أحرار الشام، حليفه السابق، ومرة بعدها في حصار حلب، حيث أصر على فك الحصار بعملية منسقة مع النظام عبر النقطة الأصعب وهي مدرسة المدفعية، وأدخل مئات العناصر لحلب، لتصبح مبرراً لقصفها من قبل الروس، وتهجير أهلها، وانتهت للتسليم بالرغم من نصيحة ديمستورا للمعارضة بسحب النصرة تجنباً للهمجية الروسية.

وبعد ذلك فتح قطاعه في جبهة خان شيخون للنظام بعد أن أصر على المشاركة في الرباط، وتسبب بهزيمة ريف حماة، ومرة ثانية كرر العملية عندما اقتحم النظام المعرة وسراقب، وهكذا حتى فتح معابر مع النظام وصارت البضائع الإيرانية والمخدرات تنتشر في المحرر ومن ثم في تركيا. قدم للأمريكان المعلومات عن البغدادي ثم خليفته والذين استهدفا بعمليات إنزال أمريكي ضمن مناطق سيطرته.

وما يزال ينتظر المهمة التالية عندما سيفتح الطريق للحشود الإيرانية لاجتياح إدلب بعد ترتيب فراره لمكان آمن يعيش فيه بقية حياته متنعماً بثرواته التي جمعها من الجهاد، هذا إذا لم تبادر أحد الدول للتخلص منه لدفن أسرارها المخزية معه.

ليفانت – كمال اللبواني  

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!