-
من كيسنجر لدو مونتكروتشي طواغيت نهاية العالم
إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم ....ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية ... فكن قاسيا معهم أو أخرج، هكذا غرس بذور الأصولية وحصد الغرب من ورائه مرارة الكراهية، ومن مثلهُ وقد سبقهُ رجل حرك اللعبة السياسية في العالم لعقود عدة، المُنظّر الأميركي الشهير، هنري كيسنجر عراب الحروب والانقلابات، من حرب فيتنام وكمبوديا وتيمور الشرقية وبنغلاديش.
والحروب الأهلية في جنوب القارة الأفريقية، وفرق الموت في جميع أنحاء أميركا اللاتينية وباكستان وصولاً لما ألت إليه الأمور في حرب غزة الآن. وفقا لكاتب سيرته الذاتية غريغ غراندين. الذي قال: "لقد ترك تلك المنطقة في حالة من الفوضى، مما مهد الطريق لأزمات لا تزال تعاني منها البشرية"، فماذا لو كان على قيد الحياة الآن؟ وبماذا كان سينصح ساكني البيت الأبيض، وإسرائيل في التعامل مع هذه الحروب؟، لكن بوفاته، كُتبت الأسطُر الأخيرة للصور المشوشة والرؤية الأمريكية المرتبكة، والحيرة في التعامل مع فكرة إنهاء هذه الحروب لاسيما حرب غزة القائمة، وكُشف خلالها أسراء ونوايا العالم لمغلف بالرحمة ومن عاونهم من دول ومنظمات ماتت ضمائرها وشركات أفلست لمقاطعتها.
ليكون برنارد لويس... بطريرك الاستشراق، مرأة لتلك الأعمال كسلفه كيسنجر.. مؤملاً أن يصل ذات يوم إلى رقي أفكار أستاذه المستشرق الفرنسي الكبير "لويس ماسينيون"، فهو منذ أن وضع رسالته العلمية الأولى عن "الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشاشين"، ليكون سببا رئيسيًا في تنامي التيارات الأصولية اليمينية في الداخل الأميركي.
بدت طلعاته كيهودي - اشكينازي من الطبقة الوسطى، تاركاً أكثر من 30 كتابا ومئات المقالات والدراسات التي ترجمت الى أكثر من 20 لغة، وليكتب سفهاً مؤلفات عن منطقة الشرق الأوسط والدين الإسلامي "العرب في التاريخ"، "الإسلام والغرب"، فكان صاحب فكرة أسلمة أوروبا، وكتاب "تشكيل الشرق الأوسط الحديث"، "الإسلام في التاريخ"، بحتمية زائفة عنوانها عداوة الإسلام للمسيحية واليهودية، ورفض الإسلام لغيره من الأديان والثقافات، ومنها فكرة عداء المسلمين للسامية، تهيئة لفكرة العداء التاريخي من قبل المسلمين لكل ما هو غربي يهودي أو مسيحي، بل يرجع إليه تعبير "كفاح المسلمين الألفي"، حتى قالت صحيفة وول ستريت جورنال عن نظرية لويس بـ "زرع الديمقراطية في دول الشرق الأوسط الفاشلة للقضاء على الإرهاب".. عبر مرحلتين استعماريتين أولاها بقوة السلاح في القرن 19 وحتى منتصف ق 20، والمرحلة الثانية للآن مستمرة لكن بوسائل غير التي تم كشفها منها الإعلامي والاقتصادي، لتحقيق رغبات فئة ضالة مًضلة بالظلم التاريخي فضحها بمنهجية علمية وعقلانية الراحل الدكتور إدوارد سعيد في مقال عنوانه: "الإسلام من خلال عيون غربية". وكتاب "يهود الإسلام"، "مستقبل الشرق الأوسط"، "ما الخطأ"، "أزمة الإسلام". حتى صار لأكثر من سبعة عقود مثل الإله الروماني "جانوس" الذي يحمل وجهين... إنسانا وإلها، فهل كان الرجل مفكرا ومؤرخا، أم منظرا لسياسات إمبريالية غربية بعينها؟،
لقد كان "مذهب لويس" Lewis Doctrine. ربيب الاستخبارات البريطانية عنصرية قريبة جدا من السلم البشري، ولعبه تأجيج نيران الكراهية التي ولدت وأشعلت بعدها ظاهرة الإسلاموفوبيا منذ ستينات القرن الماضي، ومناداته بحتمية تفكيك الشرق الأوسط ودوله بصورتها الحالية عام 1983وإعادة خلق واقع جيوسياسي مغاير، أسماه البعض "سايكس بيكو 2"،. وهو من هدد الأوروبيين بأن قارتهم العجوز سوف تضحى قارة مسلمة مُستخدماً الجماعات الإرهابية أي "جماعات الإسلام السياسي" وداعش والقاعدة والاخوان المسلمين كمخلب قط لإسقاط دول المنطقة، التي خرج منه الإنسان الفلسطيني بوصف اليهود لهم بالحيوانات البشرية، ليقف العالم ضدهم حتى بني جنسهم، وليدخل منهم الإسلام قانعاً، بل ووضع هتلر ذات مرة القرود في درجة مرتفعة عن الهنود، رغم أنهم كانوا سبباً في أشد النكبات الإنسانية التي ارتكبها الغرب بعنوان "المسيحي" ضد اليهود في اوشفيتز، تلك المحرقة التي أدانها العالم الإسلامي قديما وحديثا، بعد الحرب العالمية الثانية، لتستمر في غزو شعوبنا العربية بحجة أسلمتها
وهو ما جعل حالة القلق النظري تنتقل في لحظة زمنية معينة إلى حروب وأخبار حروب، أثرت فيها صداقته وقربه أيديولوجيا من السياسي الامريكي وعضو مجلس الشيوخ هنري جاكسون، أحد صقور الحرب الباردة، ليدخل عالم صناع القرار في البيت الأبيض والبنتاغون خاصة مرحلة ما قبل الغزو العراقي عام 2003. وتأييد سياسات صارمة إزاء الشرق الأوسط، بمقولته الشهيرة "كن قاسيا أو أخرج" التي عرفت تحت اسم مبدأ لويس في "القسوة أو الخروج" باحثين عن "كبش فداء"، هنا وهناك، لتبرير فشلهم وتعويض الدونية والقصور الذي يعيشونه في حاضراتهم الواهية أمام "جينة الإسلام" وسلمية المسلمين، دون غيرهم من شعوب العالم. فهل كان مثلاً تأميم قناة السويس بسبب كراهية المسلمين للغرب؟ أم كانت الانتفاضات الفلسطينية ضد الاحتلال سببها لتلك الكراهية؟ ومقاومة احتلال الأمريكان للعراق سببها الحقد الأخلاقي أو الآيديولوجي؟
لقد كان لويس الأب الروحي لـ"صموئيل هنتنغتون" صاحب رؤية صدام الحضارات، وكلاهما سبباً في حروب العرب كلها حتى كوسوفا وأفغانستان وغيرها من مناطق العالم غير العربية، ليكون مرآة لكسينجر في وصف غراندين لموقع إنترسبت إن سياساته مهدت الطريق للمذبحة المدنية في الحرب الأميركية على الإرهاب من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى الصومال، وما بعدها.
لقد رحل لويس وكسينجر وغيرهما بعد أن زرعوا بذور الشقاق والفتن الأصولية، في وقت يحتاج العالم فيه للراحة والتقاط الأنفاس بدلاً من التقاتل ولاسباق الذي يأكل الأخضر واليابس معاً بالكراهية وإحياء الخصومات، وكأننا أما بعث "دو مونتكروتشي" ثانية من القرون الوسطى في إطار عمدي وممنهج؟.
ليفانت: إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!