الوضع المظلم
الخميس ١٠ / أكتوبر / ٢٠٢٤
Logo
موعدُنا في شهرِ آب
نزار غالب فليحان

"غابرييل غارثيا ماركيث" الذي يكاد يتمنى على القراء ألا ينتظروا منه المعجزات، إنه ببساطة يقول: "إن الكتابة شيء صعب تقريباً مثل صنع طاولة، يحتاج القليل من السحر والكثير من العمل الشاق".كان،  وكما تظهر الصفحة الأولى من النسخة الخامسة من "موعدنا في شهر آب"، كتب بخط يده في الخامس من شهر تموز عام 2004: "موافقة نهائية، مؤكدة" وفق زعم سكرتيرته "مونيكا ألونسو"، ثم راح يراجعها ويعدل فيها حتى العام 2011 كأي كاتب حريص على نصه.


عن "آنا مجدولينا باخ" المرأة التي أحست أنها اقتربت من حافة عقدها الخمسين بقلق واضطراب عاطفيين، الزوجة التي يعشقها زوجها وتعشقه حدَّ الغيرة الشديدة عليه ومتابعة تفاصيل حياته خشية أن يجنح بعواطفه عنها نحو نساء أخريات.


"آنا مجدولينا باخ" الأم التي تحيا في كنف أسرتها الصغيرة الهادئة المستقرة، عصفت بها رياح المغامرات العاطفية بعد أن قضت ليلة دافئة للمرة الأولى مع رجل ليس زوجها، رجل لا يعرفها ولا تعرفه ظن أنها مومس فترك لها ورقة العشرين دولار داخل كتابها ورحل، حدث ذلك بعد أن تعتعتها كؤوس الجِن رفقة ذلك الرجل العابر، شاركها الشراب في مقهى الفندق الذي أقامت فيه آبَ إحدى السنين التي اعتادت خلالها زيارة قبر أمها في الجزيرة التي طلبت الأخيرة أن تدفن فيها لسبب لم تعرفه العائلة.


وضعت "آنا مجدولينا باخ" زنابقها على القبر ظهيرة آب التالي وعادت أدراجها لتبدأ -بعد مغامرتها الأولى التي أثارت حنقها ورغبتها في العثور على الرجل الذي شاطرها تلك الليلة كي ترمي في وجهه ورقة العشرين دولار- مرحلة جديدة من حياتها، مرحلة مختلفة راحت خلالها تقضي آبَ كل عام بين زنابق قبر أمها وليلة ساخنة مع رجل غريب لا تعرفه عَلَّها تلقى رجلها حياتها، إلى أن جاء آبٌ جمعت فيه رفات أمها داخل كيس عادت به إلى المدينة واضعة حداً لمغامراتها التي اتضح لها خلال زيارتها الأخيرة أنها ذات مغامرات أمها قبلها بعد أن اكتشفت أن رجلاً كان يشاركها زيارة القبر ويُغرقه بالورود الفاخرة، كانت أمها قد دأبت على زيارة الجزيرة مرتين أو ثلاث مرات كل عام.


هذه هي كل الحكاية، الحكاية الأقرب إلى القصة، القصة التي لم تنمُ حدَّ بلوغها تخوم الرواية، سيما وأنها عمل لـ "غابو" "غابرييل غارثيا ماركيث" الذي عوَّد قراءه على نمط مختلف متفرد من هذا الجنس الإبداعي الجميل.


"غابو" الذي تنكرت له ذاكرته آخر سنوات عمره والذي صَرَّح بذلك لأبنائه: "إن الذاكرة مادتي الأولية وعدة عملي في الوقت عينه، ومن دونها لا وجود لأي شيء" والذي كان قد بدأ هذا النص في العام 2004، لم يكن مقتنعاً به حتى أنه ظل يراجعه حتى العام 2011 إلى أن أطلق حكمه عليه: "هذا الكتاب لا نفع منه أبداً ولا بد من تمزيقه".


لكن أبناء "غابو" ارتأوا نشر العمل مخالفين بذلك رغبة والدهم، متذرعين بأن مقدراته لم تكن كافية للحكم على النص وإدراك مدى جودته، سيما أنه، وتحت وطأة عدم كفاية مقدراته -حسب زعمهم-، لم يتمكن من إنهائه ووضع خاتمة له، لكن محرر "موعدنا في شهر آب" "كريستوبال بيرا" الذي أعجبه النص، صَرَّحَ أن ثمة خاتمة مدهشة للنص، وأن "غابو" أسرَّ له -مبتسماً- "أن بطلة النص لا تعثر على رجل حياتها أثناء زياراتها إلى الجزيرة، بل على عشيق جديد كل مرة تقصدها".


وهذا ما باحت به خاتمة النص، "آنا مجدولينا باخ" ولأنها لم تعثر على رجل حياتها الوحيد والأخير، ارتأت أن تضع نهاية لفشلها، فأخذت رفات أمها داخل كيس، كي تقلع عن عادة زيارة الجزيرة آبَ كل عام، أمها التي نجحت في تحقيق غايتها في العثور على رجل حياتها الوحيد والأخير الذي ظل يغمر قبرها بالورود الفاخرة.


ليفانت : نزار غالب فليحان

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!