الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مُشكلة أنقرة في إدلب.. (خسارتها) دون كسب كوباني
مُشكلة أنقرة في إدلب خسارتها دون كسب كوباني

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


بدون نتائج حقيقة وبوفد روسي أدنى من مستوى الوفد التركي، انتهى أمس السبت، اجتماع مسؤولين أتراك وروس في أنقرة للتباحث حول إدلب شمال سوريا، التي تتقدم فيها قوات النظام السوري بشكل متسارع، حيث خُتم الاجتماع ببيان قال فيه وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو، بأنه قد تم “التركيز على الخطوات الواجب اتخاذها لضمان التهدئة”، متطرقاً إلى أن المفاوضات ستستأنف مع الجانب الروسي الأسبوع المقبل، وهي إشارة يُفهم منها بان الاجتماع الحالي لم يثمر عن نتائج، ما يستوجب الاجتماع لاحقاً بغية محاولة الجانب التركي استحواذ ما يريده من موسكو، وهو ما يُعتقد بأن إدلب ذاتها ليست ضمن بنوده، أكثر من كونها منطقة نفوذ تركية لا مشكلة في خسارتها لو كان هناك مقابل لها، وهي في الحالة السورية تتجسد في المناطق الخاضعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" شمال شرق البلاد، إذ تريد أنقرة تسليم إدلب مقابل ثمن، كإستلام مناطق كـ كوباني وعين عيسى شرق الفرات، وهي مُقايضة يبدو أن موسكو لا تزال غير مقتنعة بجدواها، حتى الآن على الأقل.


"تجنب صراع جديد"


يدرك الكُرد وشركائهم في "قسد" تلك المخططات التركية، ويبدون عاجزين عن مواجهة الحملات العسكرية التي توالت عليهم من قبل الجيش التركي المدعوم بمسلحين من مليشيات "الجيش الوطني السوري"، إذ لا يمكن بأي حال مقارنة القوة العسكرية التركية مع قوة تشكيل عسكري محلي شكله أبناء المنطقة بمختلف مكوناتها لمواجهة إرهاب داعش، فإذ بهم يجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها من شركاء للتحالف الدولي في محاربة الإرهاب، إلى قوة يتوجب عليها خوض غمار الحرب مع جيش جرار، ولعب السياسة مع قوى عالمية متمثلة بموسكو وواشنطن، وهي مُقاربة تبدو صعبة بالتأكيد عليهم، فدولة مثل اليونان تتجنب في كثير من الحالات التصعيد مع تركيا، إلى جانب قبرص التي استولت تركيا على جزئها الشمالي وأعلنته منطقة حكم تابعة لها أمام مرآى العالم ومسمعه، دون أن يحرك العالم ساكناً وما يزال.


إقرأ أيضاً: ذريعة “الأمن القومي التركي” تتمدد من شمال سوريا إلى ليبيا!


وفي هذا السياق، ينصب الجهد الكُردي السوري على محاولة تقويض جهود أنقرة بالسيطرة على مناطقهم، وهي سيطرة قد لا يكون لها فترة صلاحية، فيما لو لم يتقنوا اللعب على جميع الحبال، سواء الأمريكية أو الروسية أو الأوروبية، وعليه تعمل الواجهة الإدارية في مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" والتي تمثلها "الإدارة الذاتية"، على عقد لقاءات مع مختلف الأطراف الدولية، علها تنجح في إنقاذ ما تبقى من مناطق سيطرتها، التي بات جزءاً منها خاضعاً للسطوة التركية في عفرين، وجزءاً آخر خاضعاً للروس والنظام والأمريكيين وقوات التحالف الدولي شرق الفرات.


وحول ذلك، قالت صحيفة الشرق الأوسط في الثامن من فبراير، أن الإدارة الذاتية أجتمعت مع مسؤولين روسيين، لبحث التفاوض مع النظام السوري، حيث بحث وفد "قسد" ورقة تفاهمات لتحديد أطر التفاوض مع النظام، ونقلت الصحيفة عن مصادر كردية سورية لم تسمها، أن الوفد زار قبل أيام قاعدة "حميميم" الروسية الواقعة في ريف اللاذقية غربي البلاد، وأضافت أن الوفد بحث بدء تفاهمات في دمشق بهدف إقناع النظام للبدء بمفاوضات مباشرة بينهما، مشيرة إلى أن النقاشات تمحورت حول بحث مصير سبع إدارات محلية بمثابة هياكل حكم مدنية تدير ثلاث محافظات سورية، إضافة لخصوصية قوات سوريا الديمقراطية، و"الأسايش"، ومناطق انتشارها، والدور الذي ستلعبه مستقبلاً، وإمكانية مشاركتها في حروب خارج حدودها.


"مناكفات تركية مع النظام وروسيا"


تلك المشاورات لن تروق لأنقرة بكل تأكيد أياً كانت نتائجها، ومع عدم وصول تركيا إلى هدفها الذي لطالما أعلنت عنه، وهو السيطرة على كامل الشريط الحدودي السوري بعمق 30كم، وهو العمق الذي توجد عليه أغلب المدن الكُردية الرئيسية، دخلت أنقرة في مرحلة تناكف مع موسكو ودمشق، لإجبارهما على الامتثال لمطالبها، ففي الثالث من فبراير، أعلن رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، اللواء يوري بورينكوف، أن الجانب التركي لم يصل للمشاركة في دورية مشتركة مع روسيا في سوريا، وتصرفت الشرطة العسكرية الروسية بمفردها.


إقرأ أيضاً: كيف تعمل القاهرة على إفشال مساعي التوسع التركي؟


فيما صرّح المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إن أنقرة ستعتبر قوات النظام السوري "أهدافاً" حول مواقع المراقبة التركية في إدلب، وذلك بعد أن قالت إن قرابة 8 من جنودها قتلوا في قصف سوري، حيث قال المتحدث عمر جيليك بأن: "النظام السوري سيكون من الآن وصاعداً هدفاً لنا في المنطقة بعد هذا الهجوم. نتوقع ألا تدافع روسيا عن النظام أو تحميه لأنه بعد الهجوم على قواتنا المسلحة أصبحت قوات النظام حول مواقعنا أهدافاً"، وأردف أن النظام السوري "يتصرف كمنظمة إرهابية".


وعلى صعيد مناكفة روسيا، صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده لم ولن تعترف بـ"ضم" روسيا لشبه جزيرة القرم، مشيراً إلى أن أنقرة تتابع عن كثب أوضاع أتراك القرم، وتابع أن "روسيا ضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية بطريقة غير شرعية، وتركيا لم ولن تعترف بذلك".


فيما رد مركز المصالحة الروسي في سوريا حول عملية قصف قوات أنقرة في إدلب، أن الجيش التركي لم يبلغ روسيا بتحركاته في منطقة إدلب عندما تعرض لنيران قوات النظام السوري، وقال بيان لمركز المصالحة: “قامت وحدات الجيش التركي في ليل الثاني من شهر شباط/ فبراير بالتحرك داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب دون إبلاغ الجانب الروسي، ووقعت تحت قصف القوات الحكومية لمواقع الإرهابيين في غرب منطقة سراقب”، مشيراً في الوقت عينه إلى أن الجيشين الروسي والتركي على اتصال دائم وتم تنظيم إجراءات لإجلاء الجرحى إلى تركيا.


وفي الرابع من فبراير، قال وزير خارجية تركيا: "تقع على عاتق روسيا مهمة كبيرة لإيقاف وقاحة نظام الأسد التي زادت في الآونة الأخيرة"، وأضاف تشاويش أوغلو، أن تركيا لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي حيال الهجمات التي تستهدف قواتها في إدلب.


لكن الشدة التي أبداها تشاويش أوغلو، قابلها إرخاء من قبل أردوغان، الذي أشار أنه لا توجد حاجة "لخلاف خطير" مع موسكو بخصوص التطورات في سوريا في الوقت الراهن، مضيفاً أن بلاده ستتحدث مع روسيا بهذا الشأن "دون غضب" (على حد وصفه)، وأردف قائلاً إنه ربما يتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.


"دمشق ترد وموسكو تؤيدها"


الوقاحة التي تحدثت عنها أنقرة، رد عليها نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، قائلاً أن “ممارسات تركيا تشكل تناقضاً صارخاً مع مسار أستانا ومع اتفاقات سوتشي، ومع كل ما اتفقت عليه الدول فيما يتعلق بإنهاء الأزمة السورية”، وأضاف: “القانون الدولي لا يتيح لأي دولة الاعتداء على دولة أخرى، ولا احتلالها والقيام بممارسات استعمارية استيطانية عليها بما في ذلك نقل الأهالي، ورفع العلم التركي وفتح مدارس تركية”، لافتاً إلى أن “هذا يتناقض مع الأهداف المعلنة للنظام التركي”.


إقرأ أيضاً: دمشق تُفضّل صفقة سهلة مع تُركيا على حساب الكُرد!


وبيّن المقداد أن “ما تقوم به المجموعات المرتزقة هو بتنسيق مع النظام التركي”، لافتاً إلى أنه “على هذا النظام، أن يتوقف عن تلك الممارسات لأنها ستنعكس سلبياً على تركيا”، وشدد على أن “سوريا اليوم ليست سوريا الأمس”، مشيراً إلى أن “الجيش السوري سيستمر في زحفه لتحرير تراب الوطن من الإرهاب والاحتلال الأجنبي”.


موقفٌ أيده وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي تطرق إلى نقل “مئات المقاتلين من منطقة خفض التصعيد بإدلب السورية ينتقلون إلى ليبيا للمشاركة في الأعمال القتالية”، مؤكداً أن تركيا غير قادرة على الوفاء بالعديد من الالتزامات الرئيسية لحل المشاكل المحيطة بإدلب السورية.


وقال لافروف في مقابلة مع صحيفة “روسيسكايا غازيتا”: “تركيا لم تستطيع الوفاء بعدد من الالتزامات الأساسية لحل مشاكل إدلب وكذلك فصل المعارضة عن الإرهابيين، ونحن نتلقى معلومات حول نشر تركيا لقواتها في إدلب”، وأضاف: “وفقًا لبياناتنا، التي سبق وأبلغت عنها هيئة الأركان العامة، فقد تقدم الجيش التركي إلى مواقع معينة داخل منطقة خفض التصعيد بإدلب دون سابق إنذار بشأن هذه التحركات، لذلك لم نتمكن من إبلاغ الجيش السوري بذلك، وتم توجيه ضربات، والجانب التركي يهدد باتخاذ تدابير انتقامية، هذا كله محزن للغاية، ونحث على الامتثال الصارم لاتفاق سوتشي لعامي 2018 و2019”.


وفي تحميل روسي لتركيا مسؤولية تصعيد العمليات العسكرية في إدلب، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية “دميتري بيسكوف” في السادس من فبراير، إن هجمات المتشددين المستمرة ضد المنشآت الروسية في سوريا تنطلق من "مناطق سيطرة تركيا وتستهدف الجيش السوري والمنشآت العسكرية الروسية"، وأضاف: “إن آخر اتصال بين الرئيسين الروسي والتركي أكد أن لكل جانب مجموعة من المخاوف الخاصة به فيما يتعلق بالوضع في إدلب”.


إقرأ أيضاً: تركيا لا تتعظ من سليماني.. وترسل مرتزقة إلى ليبيا


وتابع بيسكوف قائلاّ: “ما يقلق موسكو هو الأنشطة العدوانية لهذه الجماعات الإرهابية في إدلب، والتي تقع في نقطة تابعة لتركيا، فضلاً عن استمرار وتواصل هذه الأنشطة العدوانية لهذه الجماعات الإرهابية، والموجهة ضد القوات المسلحة السورية، وكذلك المنشآت العسكرية الروسية في سوريا”، لافتاً إلى أنه لا توجد حالياً خطط لاجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لكن من الممكن ترتيب مثل هذا الاجتماع سريعاً إذا لزم الأمر.


"ماذا لو حصلت تركيا على مرادها؟"


وبالرغم من حالة المواجهة التي تبديها موسكو في ظل التعنت التركي الرامي إلى توسيع مناطق نفوذه لتمتد من عفرين أقصى شمال غرب سوريا إلى المالكية في أقصى شمال شرقها، يبدو أن المخاوف مهيمنة على السكان المحليين في تلك المناطق، وخاصة في كوباني وعين عيسى وتل تمر، خاصة في ظل هجمات يشنّها المسلحون التابعون لأنقرة، والتي تبدو رسائل تركية لروسيا، بأن المنطق المقبول لها قائم على قاعدة "سلم وإستلم".. ولا تبدو الثقة عالية في هذا السياق بموسكو، التي سبق وتنازلت عن عفرين التي كانت ضمن مناطق نفوذها، مقابل إخلاء تركيا مسلحيها من مناطق في أرياف دمشق وحمص وغيرها، وبالتالي فإن للروس في سوريا تجارب في المقايضة، وهو ما ينطبق على واشنطن التي تنازل عن مناطق رأس العين وتل أبيض لتركيا.


إقرأ أيضاً: انتهاكات “نبع السلام” تُلعثم المُتحدث باسم أردوغان


ولكن في المقابل، فإن دخول تركيا في شرق الفرات مجدداً، سيعني تمديد أمد الصراع والحرب في سوريا، وتقليص مناطق النفوذ الروسية لصالح أنقرة، وهو ما قد لا يبدو منطقياً، خاصة أن موسكو قادرة على إيصال الكُرد السوريين إلى نقطة إلتقاء مع دمشق، كونها تملك من عوامل القوة والضغط على الجانبين ما يكيفيها لذلك، كما أن المزاعم الروسية القائمة على إعادة جميع الأراضي السورية لـ "كنف الدولة"، تفرض عليها الالتزام بمنع تسلسل السطوة التركية إلى مناطق سورية جديدة، بل تستوجب بحث موسكو عن سبل إخلاء تركيا للمواقع التي تشغلها شمال البلاد من عفرين إلى رأس العين، مروراً بـ جرابلس وتل أبيض وغيرهما.. لتبقى الأيام القليلة القادمة برهاناً على ما ستؤول إليه الحال بين موسكو أنقرة، سواءاً أكانت صفقة مُقايضة جديدة بينهما، أو إقتراباً روسياً لقطع دابر تركيا من الحرب السورية وتشعباتها.


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!