-
هذا الشرق يقتلنا..!
لم تحصل النساء يوماً على مكانتهن المتساوية مع الرجال كبشر أولاً، وكمواطنات ثانياً، في شرقنا المعتل بقيم مشوّهة ورجولة معيبة تربط مكانة الرجل بمدى سيطرته على النساء ومدى قدرته على التحكم بأفعالهن وتقييد حريتهن، وهو عملياً ما يعرف بالعنف الاسري، والذي يتجذر ويعرف بالرغبة بالسيطرة أو بفعل السيطرة التي يقوم به المسيء ضد الضحية، وهو لا يرتبط فقط بعنف الزوج ضد الزوجه بل يمتد ليشمل العنف ضد الأطفال والمسنين وبالعموم الجهات الضعيفة بالمجتمع.
وفي مجتمعاتنا العربية، النساء والاطفال هم الشريحة الأضعف، وهم الأكثر تعرضاً للعنف، ويشمل هذا العنف، العنف اللفظي والجسدي والعاطفي والاجتماعي والجنسي والاقتصادي وحتى القانوني، وترتكب بسببه الكثير من الجرائم وتشمل أيضاً تلك الجرائم التي يرتكبها ذكور العائلة بحق النساء بذريعة الشرف دون أي رادع، وجريمة قلة الشرف تلك قد ترتكب لأتفه الأسباب وترتبط بخشية ذلك الفحل من أن تهتز صورة فحولته وقدرته على السيطرة على نساء العائلة والقبيلة تلك أمام الأقارب والمجتمع القبلي الذي لم يزل حتى اللحظة يسوّس مجتمعاتنا بالرغم من أنها تحاول الظهور بغير ذلك، وبالتأكيد تحت حماية قوانين مساومة مهادنة تخفف العقوبة للقاتل وتقتل الضحية مرة بعد مرة مع كل تساهل مع تلك الجرائم، والقصة لا ترتبط فقط بالقوانين المخففة للعقوبة بحق القاتل بذريعة الشرف، بل بخلو معظم قوانين شرقنا السقيم من قوانين تحاسب وتنظّم حالات العنف الأسري بعدم وجود مؤسسات اجتماعية تساهم بحماية الضحايا، وتتابع الاطفال المتعرضين للعنف كما يحصل في دول العالم المتحضر.
في شرقنا هذا: تزوّج القاصرات وتنتهك حقوق النساء، وتجبر النساء المغتصبات على الزواج بمن اغتصبهن، في هذا الشرق يحق للرجل أن يضرب ويطلق ويهين ويبتز وينزع الحضانة، ويحق له أيضاً أن يزوّج ويطلّق النساء الذي يعتبر نفسه وصياً عليهن بمباركة قانونية واجتماعية سقيمة.
كل هذا يرتبط جذرياً بقيمة الفرد وكرامته في بلداننا وبمدى تعزيز الشعور الانساني ونمو الاحساس بذاتنا كأفراد أكثر من انقيادنا وراء شعور الجماعة أيأ كانت، وحكمها ورغباتها وقيودها الاجتماعية، سواء كانت عائلة او طائفة أو قبيلة او بيئة، حيث لا تدرك تلك الجماعات أن المجتمعات لا تنمو بكليتها ان لم ينمو أفرادها ويحققوا احساساً عالياً بقيمتهم كأفراد، وكرامتهم كبشر، وحرية اختياراتهم لكل ما يرتبط بحياتهم من مسارات، لكن كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل انعدام قيم الحرية في بلداننا العربية بسبب أنظمة الأستيداد السياسي والديني والثقافي التي تحكم معظم هذه البلاد وتمنع تطورها ونمو الأفراد فيه،او تقييد حرياتهم الشخصية بقوانين جائرة وبوجود أجهزة قمع أمنية أو اجتماعية تتمثل مرة بعنصر المخابرات ومرة بالشخصية الحزبية او المسؤولين، ومرة بالقاضي الجائر المسلّح بقوانين جائرة غارقة في القدم لا تتوافق مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، ومرة برجل الدين الذي يكرّس الخوف والانقياد في المجتمعات، ومرة بشخصيات محلية لديها سطوة ونفوذ في تلك المجتمعات، وكل هؤلاء يجتمعون على قمع النساء والحفاظ على ذكورية المجتمعات وسطوة الجماعة على حساب الفرد ويقفون سداً منيعاً في وجه الحريات الشخصية والحريات العامة.
هذا يقود الى حقيقة مفادها أن كل الانتفاضات الشعبية التي عمت العالم العربي توجب عليها أن تضع الحريات الاجتماعية تلك على رأس الأولويات للتغيير المنشود في تلك البلدان، لأن قضية الحرية لا يمكن تجزئتها ومن يبحث عن حرية الأوطان، والحريات السياسية، دون أن يكترث بالحريات الشخصية والاجتماعية والفردية، لايمكن أن يكون واعياً بشكل حقيقي لما يقوم به من فعل انتفاضي ضد الظلم، فإما أن تكون ضد الظلم كل الظلم عموماً ومع الحرية كل الحرية عموماً بكامل الوعي، وإما أن تكون علقة على تلك الانتفاضات الشعبية تمتص دمها وتسقمها وقد تؤدي لموتها دون وعي.
لم يعد هناك أي مساحة في هذا العصر وهذا العالم لاستيعاب كل تلك الجرائم التي تقع بحق النساء العربيات على مساحة عالمنا العربي، مرة بذريعة الشرف، ومرة بسبب العنف الأسري، ومرة بسبب الظلم الاجتماعي والقانوني، ومرة بسبب التخلف والعادات والأعراف الاجتماعية البالية، وهذا يعني أن كل فعل من تلك الأفعال يجب أن يقابل بضغط إعلامي وعبر شبكات التواصل الاجتماعي بالإضافة لتحرك قانوني وعلى مستوى المجتمع المدني إن كنا نريد بمجتمعاتنا أن تنهض حقاً وان تتقدم الى مرحلة يشعر فيها كل مواطنيها ومواطناتها بالحماية وبقيمتهم كأفراد لا يانسحاقهم أمام القمع والقانون وتسييس الدين والمجتمع، وهو لا يتناقض مع مسار المطالبة بالحريات السياسية بل يدعمه ويعززه.
وما هجرة الشباب من تلك البلدان بفعل اللجوء هرباً الحرب والقمع مرة، والفقر مرة، وانعدام الفرص، وتخلف المجنمعات وعدم تقبلها لمن يخرج على المألوف أو يحاول التغريد خارج السرب مرة أخرى، إلا خير دليل على ضرورة الارتقاء بتلك المجتمعات نحو مساحة أكثر رقياً وحرية ودولاً ديمواقرطية تنموية يسود فيها القانون، وتكون كرامة الموطنين مصونه ومحمية، وإلا فلا تلوموا كل هؤلاء الشباب والشابات الذين يرحلون من هذا الشرق فهذا الشرق يقتلنا..!
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!