الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل تختلف حكومة السوداني عن سابقاتها؟
 صبحي ساله يي

مهما حاولنا أن نثق ونتفاءل بحكومة السيد محمد شياع السوداني، وأن نبتعد عن الظنون واستباق الأحداث ومآلاتها، ونبعد عن أذهاننا أفكاراً توحي إلى وجود رغبات ونوايا ونزعات للتسويف والمماطلة في الالتزام بالمسؤولية، ونبذل جهوداً حثيثةً ومنطقيةً لفك طلاسم المشهد المتعلق بعدم تنفيذ أي فقرة من فقرات الاتفاق الموقع مع الكورد وتداعياته، رغم مرور أشهر عديدة. نرى أن المشهد، هذه المرة أيضاً، ودلائله وعلاماته وترك الأمور كلها للمجهول، يدفعنا إلى تقديم اليقين على الشك، وإلى الإيمان بأن المشهد الحالي لا يختلف عن المشاهد السابقة التي شاهدناها بعد تشكيل كل الحكومات في بغداد منذ قيام الجمهورية، حيث كانت هناك مراحل لتبادل الرسائل وعقد الحوارات والاجتماعات وإصدار البيانات الإيجابية من جهة، والعمل الجاد في سبيل تثبيت الأقدام في السلطة وتصفية الخصوم والاستقواء والاستعداد والتسلح للرد على المطالب الكوردية بالعنف والسلاح وإعلان الحرب.

فحكومة تموز 1958 التي اعتبرت الكورد شركاء في الوطن بموجب الدستور 1958، وبعد أشهر من الوئام والاستقرار النسبي في علاقاتها مع الكورد، ردت على المطالب الكوردية بأغلاق جريدة (خبات) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني وسحب إجازته وغلق مكاتبه وفروعه بالعراق وملاحقة كوادره وزجهم في السجون والمعتقلات وقصف قرى بارزان، ومن هناك انطلقت ثورة أيلول المجيدة في كوردستان بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني. أما الحكومة التي جاءت بعد الانقلاب على الزعيم قاسم في شباط 1963، أي حكومة عبد السلام عارف، وفي الأيام الأولى من عمرها أعلنت اعترافها بالحقوق القومية للشعب الكـوردي في الحكم الذاتي، ولكن في حزيران من ذات السنة استأنفت عملياتها العسكرية في كوردستان. وبعد 18/ تشرين الثاني 1963 وتدبير انقلاب عسكري أطاح بالحكومة البعثية من قبل مجموعة من الضباط القوميين العرب بدعم من عبد السلام عارف، أمر رئيس الوزراء العراقي (الفريق طاهر يحيى) إيقاف العمليات العسكرية وفتح باب المفاوضات مع القيادة الكوردية. وفي  شباط 1964 أصدر الرئيس عارف وثورة أيلول، في آن واحد، بيانين يعلنان فيه وقف إطلاق النار.

وبدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين الجانبين، وبعد هدنة لعدة أشهر تجددت العمليات الحربية بين القوات الحكومية وثورة أيلول، وفي يوم 13 نيسان 1966 بعد وفاة عبد السلام عارف، في 13 نيسان 1966 إثر تحطم طائرتة العسكرية، وتنصيب شقيقه الفريق عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية، أكد الرئيس الجديد أنه يقر بالحكم الذاتي الذي يضمن هوية الكورد القومية، واستناداً إلى ذلك أمر البارزاني الخالد بإيقاف القتال بين الجانبين وبدأت المفاوضات على أساس إقرار الحقوق الذاتية الكاملة للشعب الكوردستاني، وفي يوم 26 حزيران 1966 أعلن  رئيس الوزراء العراقي (عبد الرحمن البزاز) بياناً أكد فيه اعتراف الحكومة العراقية بالحقوق القومية الكوردية.

وفي 17 تمــوز 1968 تمت الإطاحة بحكومة الرئيس عارف وتشكيل حكومة برئاسة المقدم عبد الرزاق النايف اشترك فيها أربعة وزراء من الكورد، وفي 30 تمــوز 1968 قام حزب البعث بانقلاب ثان على رئيس الوزراء وأطاح به، واشترك الوزراء الكورد الأربعة السابقين في الحكومة الجديدة ولكن بعد أسبوع واحد استقالوا وذلك لتأكدهم من عدم جدية الحكومة بحل القضية الكوردية. وفي 22 تشرين الأول 1968 تجدد القتال مرة أخرى في جبال كوردستان، وفي أيـار 1969 أبدت الحكومة العـراقية رغبتها في إيجاد حـل عادل للقضية الكوردية. واتخذت عدة إجراءات لإثبات حسن نياتها تجاه الكورد.

وبعد زيارات متبادلة وحوارات ومفاوضات اتفق الجانبان في 1970 على إعلان اتفاقية آذار. وفي آذار 1974 تجدد القتال بين الحكومة العراقية والثورة الكوردستانية. أما بخصوص رؤساء حكومات ما بعد 2003 فقد أعلن الرئيس الذي لم يكن يعرف من أين ينبع نهري دجلة والفرات وسمى الجارة الشرقية بالأرجنتين، فقد أعلن عداءه الفاضح للكورد وتم عزله، وبعدها جاء المالكي الذي حرك القوات ضد الكورد ولكن الظروف لم تسمح له باستعمالها، بعدها لجأ إلى خوض حرب اقتصادية ضد الإقليم وقطع رواتب ومستحقات الموظفين والمتقاعدين الكورد، وبعده جاء سيئ الصيت الذي استلم المحاصيل الزراعية من الفلاحين الكورد وامتنع عن دفع أثمانها، وحرك الجيش والحشد بالتعاون مع الباسدار الإيراني وحزب الله اللبناني ضد الإقليم، ولو كان يملك الأسلحة الكيمياوية لكان يستعملها ضد الكورد كما استعملها على الكيمياوي. وبشأن ما يقال عن أن عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي كانا صديقين للكورد فإنهما مارسا التجاهل والتسويف والتماطل والتهرب من الالتزامات الدستورية والقانونية بشكل لافت.

واليوم جاء دور حكومة محمد السوداني، التي ربما تظهر وفق طريقة ما بعض المقاربات للأمور التي توحي إلى الانطلاق نحو تسوية متكاملة بين أربيل وبغداد تشمل الملفات العالقة منذ سنوات، ولكن الكثيرين على يقين بأنها لا تختلف عن الحكومات العراقية السابقة، لذلك فإنها إما تمارس سياسات حكومتي عبد المهدي والكاظمي، أو تقلد حكومتي العبادي والمالكي أو تتجاوزهما لتقلد الحكومات التي تولت زمام الأمور قبل 2003.
 

ليفانت - صبحي ساله يي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!