الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل هي حرب على الإسلام.. أم مجرد أوهام؟
عبد الناصر الحسين

يقع فريق من النخب بالتعميم الخاطئ في تشخيص السجال بين ما يسمونه: «المشرق الإسلامي والغرب المسيحي», فيبني هذا الفريق أحكاما خاطئة، مفوِّتاً على نفسه وحاضنته فرصة الاستفادة والاستثمار من مبدأ «حوار الحضارات» والقبول بالآخرين والتبادل المعرفي معهم, بدلا من الصدام والإنكار.


 وهذا حاصل لدى الفريق الذي يعتقد بنظرية «الصدام الحتمي بين الحضارات», على أساس «إديلوجي». فيرى أن العالم بأسره يتآمر على الإسلام ويستهدف المسلمين, فيعكف على هذه النظرية, ويجادل بها, ويعيش تفاصيل صراع وهمي موجود- فقط- في تجاويف ذهنه العتيقة, وكأنه حقيقة, مستشعرا أنه محارب ومنبوذ أينما ذهب, وفي الحقيقة هذه عقد نفسية ونفايات فكرية، أوجدتها عصور الصراع الغابرة, حيث يختلط ما هو إسلامي أحيانا بما هو حزبوي على صورة تنظيم يتسمّى بالإسلام.


ولو اجتهد هذا الفريق بتوسيع «حدقة عينه» لرأى في العالم صراعات كثيرة المسلمون ليسوا طرفاً فيها، فليس بعيداً عنا الأحداث الدامية في الحربين العالميتين الأولى والثانية... ثم وقائع «الحرب الباردة» بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، التي امتدت لعقود. 


وهنا تحضر قصة «تنظيم القاعدة» مع العالم الغربي, فلا يمكن اعتبار الصدام بين القاعدة وأمريكا صراعا بين الغرب والإسلام, فالقاعدة تنظيم إسلاموي، لا يمكن نسبة أعماله إلى الإسلام, ففي ذلك ظلم للإسلام، وهدف القاعدة في الأساس هو ضرب المصالح الأمريكية أينما وجدت, وقد أنجزوا كثيرا من ذلك، باستهدافهم برجي التجارة العالميين والسفارة الأمريكية في كينيا ومترو الأنفاق في لندن، ومثل ذلك في اليمن, فما كان من أمريكا إلا أن أعلنتها حربا كونية  على الإرهاب, والمقصود هنا بالإرهاب تنظيم القاعدة حصريا, وليس الإسلام عموما. فالإسلام يرفض القتل بالطريقة القاعدية بل يحرم قتل نفس واحدة، معتبرا ذلك قتلا للإنسانية جمعاء, والإسلام أكبر من القاعدة وهو حجة عليها, وللإسلام حق على القاعدة التي زجت بهذا الاسم العظيم في زوايا التطرف الضيقة, ونسبت إليه الجريمة وهو منها براء.


وهنا يسأل سائل فيقول:


لماذا لا تهتم أمريكا والغرب عموماً بإرهاب الأسد وداعميه بقدر ما تهتم بإرهاب القاعدة، علماً بأن الإرهاب الأول ظاهر لا تخطئه العين؟.


للجواب على هذا السؤال سنحاول تفهم السلوك الدولي حيال الإرهاب، لا تبريره، وذلك بتثبيت الحقائق التالية:



  • الإرهاب عدو لأهله قبل أن يكون عدوا للآخرين. فلا معنى للغضب من إدانة المجتمع الدولي له، ومحاربته.

  • لا مصلحة لأحد بالإرهاب والتطرف بل إن كامل المصلحة بغياب هذه الظاهرة.

  • المعيار الأمريكي في تصنيف الإرهاب يراعي مصالحهم ولا يهتم بمصالح الآخرين. والإرهابي- بالمفهوم الغربي- هو الذي يهدد مصالحهم ويستهدف أمنهم.

  • لو أراد الغرب أن يدرج كل مجرم على لائحة الإرهاب وفقا للمعايير الإنسانية لازدحمت «قوائم الإرهاب» لديهم، لكنهم حريصون جدا على تضييق هذه القائمة ليستفردوا بجهات محدودة ومحددة.

  • لماذا تشفق يا صديقي من إدراج «تنظيم القاعدة» على لائحة الإرهاب الأمريكية؟. أليس الهدف المعلن للقاعدة هو استهداف المصالح الأمريكية في كل مكان؟. هل تنتظر من أمريكا أن تدعمهم لنيل «جائزة نوبل للسلام»؟.

  • قبل أن تسأل: لماذا لم يصنف العالم «نظام الأسد» إرهابياً؟. عليك أن نطرح السؤال الأهم: ماذا فعلت إعلامياً لتسويق النظام وداعميه كإرهابيين، وماذا فعلت على صعيد استنكار ظاهرة الإرهاب القريب منك؟.

  • الخطأ الجسيم يكمن في الاعتقاد بأن حربهم على الإرهاب هي حرب على الإسلام، ففي ذلك إقرار بأن القاعدة تعبر عن الإسلام الحقيقي!.. في حين أن أنشطة القاعدة في العالم هي وبال على القيم الإسلامية.


ما يقال عن القاعدة ينطبق أيضا على «جماعة الإخوان المسلمين» لكن على نطاق أضيق, فللإخوان تجارب خاصة في بعض المنطقة العربية جعلتهم منبوذين من هنا وهناك, والمؤكد أن تنظيم الإخوان لا يمكن أن يكون ممثلا للإسلام, فهو يعكس فهمه الخاص للدين, ويجسده في ممارسات سياسية حزبية، نجحت أحيانا وأخفقت في أغلب الأحيان, وهو حزب قائم على إثارة الفتن وتفخيخ العقول وشحن النفوس لينافسوا على السلطة والحكم، فأصبحوا محاربين من الحاكم العربي.


ومن هنا يمكن القول: إن تنظيم القاعدة زج بنفسه في المشهد العسكري الخاطىء, وجماعة الإخوان المسلمين زجوا أنفسهم في المشهد السياسي الخاطىء, وكلاهما يقحم الإسلام بمعاركه الخاطئة, ليبدو العالم وكأنه يحارب الإسلام عندما يحارب الإرهاب القاعدي, وليبدو الحاكم العربي وكأنه يحارب الإسلام، عندما يحارب «مشاغبة الإخوان المسلمين».


خلاصة القول: لا يمكن اعتبار العالم الغاضب على فريق إسلامي إرهابي محدد بأنه يحارب الإسلام. كما لا يمكن اعتبار الحاكم العربي الغاضب من سلوكيات الإخوان بأنه يحارب الإسلام، حتى لو بدا أنه يتمسك بالسلطة، ويقاتل من نافسه عليها. لكن هذا التلخيص يستثني بالضرورة «المجموعة الإيرانية» التي تضم النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة بعد احتساب تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان جزءاً من تلك المجموعة.


عبد الناصر الحسين.


 


 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!