الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أبو ظبي تتلقى رسائل إيرانية.. كيف سيكون الرد؟
درويش خليفة

الأكثر وضوحاً بالنسبة لحادثة منطقة "المصفح" واستهداف ناقلتي نفط، وقتل مقيم باكستاني وشخصين هنديين جرّاء استهداف المنطقة بعشرين طائرة مسيرّة Drones، هو الدور العسكري الإماراتي في شبوة مع حلفائها "المجلس الانتقالي الجنوبي" وألوية العمالقة.

إذ لا يمكن فصل انفجار "المصفح" بالقرب من مطار العاصمة الإماراتية عن مسار المعارك في اليمن، وتحديداً في شبوة ومأرب، وزيارة المتحدّث باسم الحوثيين "محمد عبد السلام"، إلى إيران، قبل يوم من استهداف جماعته مطار أبو ظبي ولقائه برئيس وأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانيين، وفي اليوم نفسه، الأحد الفائت، وصل "إسماعيل قاآني"، قائد فيلق القدس الإيراني إلى النجف، وهو ما يشي بطلب الحرس الثوي الإيراني من أذرعه في المنطقة للقيام بعمليات تصعيدية، سواء باستهداف المصالح الأمريكية في الإقليم أو ضرب منشآت حيوية في دول التحالف العربي الذين آلموا حلفاء إيران خلال الأسابيع الأخيرة في مناطق يمنية عديدة، مثل: بيحان وعسيلان وحريب إضافة إلى شبوة ومأرب.

وفي غضون أسبوعين، تعرضت مصالح الإمارات لهجومين إرهابيين، الاستهداف الأخير في العمق الإماراتي بالقرب من عاصمتها، وقرصنة مليشيا الحوثيين الباخرة المدنية "روابي" قبالة ميناء الحديدة، وهو تصعيد خطير للملاحة الدولية في البحر الأحمر.

ونظراً لأن شبوة تتمتع بموقع جيواستراتيجي، كأهم محافظات الجنوب، وثروات نفطية كبيرة، فهي ترتبط بمحافظتي أبين وحضرموت، ولها حدود مع الشمال في مأرب والبيضاء، مما يجعل السيطرة عليها؛ كمن يضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية يُفشل مشروع الإخوان المسلمين في اليمن، ومن جهة أخرى يضرب مليشيا الحوثيين في منطقة تعتبر استراتيجية لمطامع إيران في الإقليم، ولا شك أن الانتصارات الأخيرة شكلت تلاحماً سعودياً إماراتياً، بعد أن شككت تحليلات عديدة في تماسكه.

اليوم، تمثل معركة اليمن تحدياً كبيراً لجميع الأطراف المنخرطة فيها، وهي بمثابة مفاوضات متعددة الأغراض، إلا أنّها بأدوات عسكرية. هذا إذا حصرنا العملية داخل الحدود اليمنية، وارتداداتها على السعودية والإمارات، وتغاضينا عمّا يدور داخل الأروقة السياسية في العراق، سيما وأنّ أبو ظبي تدعم هناك رئيس مجلس النواب "محمد الحلبوسي"، في وقت تضغط فيه إيران على مواليها العراقيين لرفض نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، رغم إعلان المفوضية العليا عن سلامتها.

وما لا ينبغي إخفاؤه، هو أن التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، استطاع خلال فترة وجيزة من إعادة صنع تحولات استراتيجية مهمة للغاية، خاصة بعد القمة الخليجية الأخيرة، الأمر الذي يعزز أوراق القوة لدى الدول الخمسة زائد واحد في مفاوضاتها مع إيران على الملف النووي في فيينا.

وغير ذلك، يدرك قادة ميليشيا "أنصار الله" الحوثيين، أنّه بمجرد انتهاء المفاوضات ستتخلى إيران عنهم وتتركهم لمصيرهم بمواجهة القوى الوطنية اليمنية.

كما أنَّ المعارك الأخيرة في اليمن، تومئ بانتهاء مرحلة "الاستكشاف" بين السعودية وإيران، فإنَّ القضايا الخلافية بين الطرفين عميقة ومتجذّرة، ويصعب حلّها في بضع جولات أو في لقاءات جانبية على هامش اجتماعات إقليمية، كالتي عُقدت في قمة بغداد، أو تلك الاجتماعات التي جرّت في الصين، في 14 من الشهر الجاري، بحضور وزراء خارجية أربع دول خليجية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، ووصول وزير خارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، في اليوم الأخير إلى بكين.

وعلى الرغم من الجلسات السابقة التي جمعت استخبارات البلدين، إلا أنّ التصريحات السعودية لا تعبر عن تفاؤل أو نيّة لإضاعة المزيد من الوقت، على حساب استمرار النظام الإيراني بسلوكه المزعزع لأمن المنطقة، واستثمار المباحثات بين الجانبين في المفاوضات المتواترة في فيينا.

وتجدر الإشارة إلى أنّ حزب الله اللبناني، والنظام السوري، المدعومان من إيران، يشاركان في المعارك اليمنية بصفة استشاريين، فضلاً عن تسليم رأس النظام السفارة اليمنية في دمشق لمليشيا الحوثي، وتهريب حبوب الكبتاغون إلى دول الخليج العربي، وبشكل خاص المملكة السعودية، واستضافة الضاحية الجنوبية لبيروت ما يسمى بـ"لقاء المعارضة في الجزيرة العربية" في محاولة لاستفزاز الرياض، والتصعيد ضد المملكة.

في الحقيقة، إن الميكافيلية التي تتبعها إيران لتمرير الاتفاق النووي، عقب وصول الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض، لا تنطلي على دول المنطقة، لاسيما باتباعها خطاباً ثنائياً؛ أحدهما على لسان الدبلوماسية وفريق المفاوضات، وهو خطاب ناعم يراعي توجهات القوى العالمية، والآخر عبر قادة الحرس الثوري وفيلق القدس، لمواصلة سياساتهم التوسعية، وهو خطاب قائم على الطائفية ودوي الرصاص الذي يتردد صداه في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

وتفسيراً لذلك، قال مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، السفير "عبد الله المُعَلِّمِي"، منتصف الشهر الماضي: "يجب إعطاء الأولوية لإعادة إعمار النفوس والقلوب التي في الصدور"، وأضاف: "لا تصدقوهم إن قالوا إنَّهم يحاربون الإرهاب في المنطقة، وهم أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب، عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله، زعيم الإرهاب في المنطقة، وغيره من التنظيمات الإرهابية القادمة من الشرق"، في إشارة واضحة للدور الإيراني.

خلاصة القول، إنَّ دول التحالف العربي ستصم آذانها وتغمض أعينها عن أي مطلب دولي بوقف العملية العسكرية في اليمن، بعد تطاول مليشيا الحوثي على جواره، السعودي والإماراتي، والتصريحات المتواترة عن متزعمي حزب الله اللبناني التي تتهم المملكة بتصدير الإرهاب من خلال الفكر الوهابي، وتهريب النظام السوري المخدرات إلى دول الخليج العربي، وتقديمه تدريبات واستشارات عسكرية للحوثيين، ودعوة بشار الأسد لتوسيع محور المقاومة تحت لواء إيران، في البيان الذي قرأته مستشارته بثينة شعبان، في الذكرى الثانية لمقتل زعيم الإرهاب الإقليمي والدولي "قاسم سليماني".

ليفانت - درويش خليفة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!