-
أربعة أعوام من الانقلاب التركيّ على شرعيّة صناديق الاقتراع!
أقرّت محكمة تركيّة في التّاسع من مارس، حكماً بالسجن تسع سنوات على الرئيس السابق لبلديّة مدينة كبيرة واقعة في جنوب شرق البلاد، ذات الغالبيّة الكُرديّة، كانت قد تمّت إقالته من منصبه بطريقة مثيرة للجدل بعد انتخابه العام الماضي، وأشارت وسائل إعلام تركيّة إلى أنّ عدنان سلجوق مزركلي حُكم عليه غيابيّاً بالسجن تسع سنوات وأربعة أشهر لانتمائه إلى منظمة إرهابيّة مسلّحة (على حدّ تعبيرها)، حيث كان قد جرى انتخابه في آذار/مارس 2019، رئيساً لبلديّة ديار بكر "العاصمة الكُرديّة" لجنوب شرق تركيا، قبل أن تُقدم على عزله، عقب اتّهامه بأنّ لديه صلات مع "حزب العمّال الكردستانيّ". الانقلاب التركيّ
ولكنّ الفعل التركيّ لم يعد مستغرباً، عقب أن حاولت الاقتراب من ديمقراطيّة صناديق الاقتراع، عندما كانت تسعى للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبيّ، حيث لجأت إلى الانقلاب على القيم التي حاولت تطبيقها بما يكفل لها الدخول في التكتّل الأوروبيّ، فوِفق مصدر "حزب الشّعوب الديمقراطيّة"، عيّنت الحكومة المركزيّة التركية، أمناء لـ32 مجلس بلديّة كانت من نصيب الحزب في الانتخابات المحليّة التي أُجريت في مارس/آذار 2019، كما يوجد أكثر من 20 رئيس بلدية إما في السّجن على ذمّة المحاكمة أو صدرت عليهم أحكام بالسّجن لاتهامهم بجرائم تتصل بالإرهاب. الانقلاب التركيّ
وعزلت السّلطات التركيّة العشرات من رؤساء مجالس البلديات، بتهم مماثلة ضمن حملة تطهير واسعة أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، كان من بينهم الرّئيس السّابق لـ "حزب الشّعوب الديمقراطيّ" صلاح الدّين دميرتاش، الذي رُشّح سابقاً للانتخابات الرئاسيّة ضدّ أردوغان، إذ تمّ سجن الرجل منذ العام 2016 في إطار محاكمات عدّة. الانقلاب التركيّ
- الانقلاب على دميرتاش
في بداية نوفمبر العام 2016، اعتقلت القوّات الأمنيّة التركيّة كل من الرئيسين المشتركين لـ "حزب الشّعوب الديمقراطيّة"، وهما "صلاح الدين دميرتاش" وڤيكن يكسكداغ"، إلى جانب البرلمانيين محمّد علي أرسلان، زيا پير، فرات آنسو، ليلی كيڤن، سري سريا أوندر، ليلی بيرليك، گارو پايلن .
ووذلك عقب أنّ وافق البرلمان التركي في الـ٢٠ من مايو/تموز من ذات العام، على مشروع قانون لإسقاط الحصانة عن نوّاب البرلمان التركيّ، وقد نال مشروع القرار آنذاك على تأييد 376 نائباً من أصل 550، أي ما يعادل ثلثي الأعضاء مما سمح بتبنّيه مباشرة، وهو القرار الذي قضى فيما يبدو على نسبة الديمقراطيّة التي كانت قد وصلت لها تركيا، بغضّ النّظر عن اختلاف التقييم حولها. الانقلاب التركيّ
وفي سياق الانقلاب التركي على صناديق الاقتراع، أسقط البرلمان التركي في الثّامن والعشرين من يوليو 2017، عضويّة نائبين عن أبرز نوّاب حزب الشّعوب الديمقراطيّة، بذريعة "الغياب المتكرّر"، وفق ما أعلن الحزب الذي سبق أن أوقف أكثر من عشرة من نوّابه، إذ أقالت غالبيّة كبيرة في البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتّنمية الحاكم، كلً من النائب "فيصل ساري يلدز" والنائبة "توغبا هزر أوزتورك"، وأدرجت الداخليّة التركيّة كلاً من "أوزتورك وساري يلدز"، على قائمة نشرتها في حزيران/يونيو، تتضمّن أسماء 130 مواطناً تركيّاً موجودين في الخارج، متوعّدة بتجريدهم من الجنسيّة إذا لم يعودوا إلى تركيا خلال ثلاثة أشهر، فيما قال ساري يلدز: «إنّ الديكتاتوريّة الأكثر إثارة للضحك والبكاء في التاريخ لن تفلت من العدالة».
كما أسقط البرلمان التركي، في الـ 19 نيسان، 2018، عضوية نائبين عن حزب الشّعوب الديمقراطيّة، هما "عثمان بايدمير" و"سلمى أرماك"، حيث أصدرت محكمة تركية بحقّ بايدمير النائب عن مدينة (شانلي أورفا)، حكماً بالسجن لمدّة عام ونصف العام تقريباً، لإهانته مسؤولاً بالشّرطة، في حين قضت المحكمة بسجن أرماك النائبة عن مدينة هكاري، لمدّة عشرة أعوام لإدانتها بـ "الانتماء لمنظّمة إرهابيّة مسلّحة والترويج للإرهاب".
وجاء قرار إسقاط عضويّة بايدمير وأرماك ليخفّض عدد نوّاب الحزب إلى 48 نائباً، حيث كان البرلمان التركيّ قد أسقط في وقت سابق، عضويّة تسعة نوّاب عن الحزب، بمن فيهم الرئيس المشترك السّابق فيجين يوكسيكداغ بعد صدور حكم قضائيّ بحقّهم بتهمة دعم "الإرهاب" والغياب عن الكثير من الجلسات التشريعيّة. الانقلاب التركيّ
- الشّعوب الديمقراطيّة يفوز بالانتخابات البرلمانيّة
وفي يونيو عام 2018، عاد "حزب الشّعوب الديمقراطيّة" ليتجاوز حاجز الـ10 بالمائة المطلوب لدخول البرلمان التركيّ، وذلك على الرّغم من حالة الطوارئ التي تمّ فرضها بعد محاولة الانقلاب المزعومة الّتي جرت في يوليو من عام 2016، فيما شكّك صلاح الّدين دميرتاش، المرشّح الرئاسيّ المعتقل، في شرعيّة نتائج الانتخابات التي جرت في السادس والعشرين من يونيو، إلّا أنّه هنّأ حزب الشّعوب الديمقراطيّة ممثّل الأكراد في الحياة السياسيّة التركيّة، على دخول البرلمان في ظلّ بيئةٍ صعبة.
وقال دميرتاش: "أهنِّئ حزب الشّعوب الديمقراطيّة الذي تجاوز الحد الأدنى، على الرّغم من حالة الطوارئ والضّغط والظّروف غير المتكافئة، إنّه نجاح كبير أن يدخل حزب الشّعوب البرلمان في ظلّ هذه الظّروف"، وقال المرشّح الرئاسيّ البالغ من العمر 45 عاماً: "أكبر ظلم في الانتخابات هو أنّني أُجبرت على قيادة الحملة الانتخابيّة في ظلّ ظروف الاحتجاز. على أيّ حال، ستتمّ مناقشة شرعيّة النتائج".
لكنّ الفوز بالانتخابات البرلمانيّة التركيّة وتخطّي الحاجز القانوني المطلوب، لم يكن رادعاً للسّلطات الأمنيّة التركيّة لإعادة النّظر في تعاملها مع الحزب الكُردي الذي يمثّل ويضمّ مكوّنات عرقيّة ودينيّة عديدة في تركيا، لا تقتصر على الكُرد وحدهم، وفي السّياق، بدأت تظهر حالات وفاة بين المعتقلين السياسيين، ففي الثّامن من نوفمبر العام 2018، أفادت مصادر حقوقيّة بأنّ المعتقل السياسيّ الكردي برهان كاراتاي توفّي في أحد السجون التركيّة، وفي الوقت نفسه، أعلنت النائبة الكُردية عن حزب الشّعوب الديمقراطيّ، ليلى غوفن، المعتقلة، عن إضرابها عن الطعام.
وجاء الخبر عن وفاة النائب الكُردي بالتّزامن مع تقارير حقوقيّة عبّرت عن خشيتها من أوضاع المعتقلين في السجون التركيّة، حيث أشارت إلى تزايد ارتفاع حالات الوفيّات بين المعتقلين والسّجناء، وإلى تردّي الأوضاع الصحيّة عموماً، فيما ترفض إدارات السّجون طلبات العلاج للعديد من السّجناء والمعتقلين الذين يعانون من الأمراض، وفي السّياق، أفاد تقرير لمركز ستوكهولم للحريّات، بأنّ السّلطات التركيّة اعتقلت نحو 6000 عضو من حزب الشّعوب الديمقراطيّة، من بينهم 43 عضو مجلس بلدي، و101 عضو مجلس مقاطعة، في حين مازال 53 رئيس بلديّة قيد الاعتقال.
ونوّهت التقارير آنذاك، إلى أنّه من المحاولة الانقلابيّة المزعومة في يوليو 2016، جرى تسجيل ما لا يقلّ عن 58 حالة وفاة مشبوهة في السّجون التركيّة، وفقاً لما نقله المركز عن منظّمة "بيرج تيركي" المعنيّة بمتابعة حقوق الإنسان في تركيّا، ووفقاً لتقارير دوليّة أخرى، ساءت أوضاع السّجون التركيّة خلال فترة إعلان حالة الطوارئ في البلاد بعد فشل المحاولة الانقلابيّة، بينما حذّر ناشطون ومنظّمات حقوقيّة من تردّي الأوضاع الصحيّة للسجناء في عدد من السّجون التركيّة المكتظّة منذ تلك الفترة، وذكر المركز في دراسةٍ له بعنوان: "وفيّات وحالة انتحار مشبوهة في تركيا"، إنّ هناك زيادة في عدد حالات الوفاة المشبوهة في تركيا وغالبيتها في السّجون ومراكز الاعتقال، حيث تتمّ ممارسة التّعذيب وسوء المعاملة بصورة شبه ممنهجة، وفي أغلب الحالات، تخلص السّلطات التركيّة إلى أنّ سبب الوفاة هو الانتحار، وذلك من دون إجراء تحقيقات مستقلّة وفعّالة، وأشار المركز إلى وقوع 123 حالة وفاة مشبوهة في تركيا حتّى سبتمبر 2018. الانقلاب التركيّ
- رفض تركي للعودة إلى صناديق الاقتراع
وقد أثارت تلك التقارير حفيظة الهيئات الدوليّة، خاصّة أنّ عين الاتحاد الأوروبي لا تحيد عن مراقبة الديمقراطيّة في تركيا، كونها كانت تسعى للانضمام له، لكن لا يبدو أنّ الرئيس التركيّ مستعدّ تماماً لوفاء التزامات الديمقراطية التي ربما أوصلت يوماً إلى سدّة الحكم، فعلّق أردوغان في نهاية نوفمبر 2018، على قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة الذي أقرّ بضرورة الإفراج عن رئيس حزب الشّعوب الديمقراطيّة، الكرديّ السّابق صلاح الدين دميرتاش، قائلاً: "قراركم غير ملزم لنا"، وأردف أردوغان عن حكم محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة: "قراركم غير ملزم لنا، سنقوم بشنّ حملتنا المضادّة، وسننهي الأمر".
ووجاء تعقيب أردوغان بعد أنّ أقرّت محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة في قرارٍ لها بإجماع الأصوات، إنّ السلطات التركيّة انتهكت حقّ السياسيّ الكرديّ المعتقل في المثول أمام القاضي وحقّ الانتخاب الحرّ، كذلك رأت بأغلبيّة الأصوات بأنّه يتمّ تقييد الحقوق والحريات في تركيا، مطالبة أنقرة باتّخاذ التدابير اللازمة من أجل إنهاء اعتقال صلاح الدين دميرتاش، فيما علّق المتحدّث الرسميّ باسم الأمين العام للمجلس الأوروبيّ ومنسّق الاتصالات في المجلس دانيال هولتجين، على تصريحات أردوغان مؤكداً إنّ قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة ملزم لتركيا.
وقال هولتجين: "وفقًا للمادة 46 من اتفاقيّة حقوق الإنسان الأوروبيّة، فإنّ جميع قرارات المحكمة ملزمة لجميع الدوّل الموقّعة على الاتفاق"، وجاء ذلك في ردّه على سؤال أحد المغردّين على تويتر قال فيه: "قال أردوغان إنّ قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة غير ملزم لتركيا، هل هذا صحيح؟"، أمّا دميرتاش فقد علّق على القرار من خلال بيان نشره عبر محاميه، قائلاً: "من خلال هذا القرار الصادر عن محكمة حقوق الإنسان الأوروبيّة، تمّ تسجيل وضعي السياسي قانونيّاً على أنّني رهينة، وكما قلنا منذ اليوم الأوّل، فإنّ الحملة المنظّمة على حزب الشّعوب الديمقراطي، واعتقالنا ومحاكمتنا غير قانونيّة. ولكنّها تجري بحجج سياسيّة. وهكذا تسقط جميع الدّعاوى والاتّهامات ضدّنا".
- الشّعوب الديمقراطيّة يستحوذ على مجموعة بلديّات
تلك التجاوزات التركيّة، من اعتقال النوّاب وعزلهم، إضافة إلى ظروف السّجن السيّئة، وفرض حالة الطوارئ وغيرها، لم تثني الكرد في تركيا عن تأييد حزب الشّعوب الديمقراطيّة، الذي بقي محافظاً على مكانته بين أنصاره، رغم حملات التّنكيل بحقّ أعضائه ومناصريهم، ففي الرّابع من فبراير، أوضحت شركةRAWEST للدّراسات، إنّ نتائج استطلاع الرأي كشفت حصول حزب الشعوب الديمقراطيّة الكردي في مدينة ديار بكر على 62.3% في انتخابات البلديّات المحليّة، كان من المقرّر عقدها في 31 مارس/ آذار 2019.
فقد أجرت الشّركة استطلاعاً للرأي مع عدد من المواطنين في المدن ذات الأغلبيّة الكرديّة الواقعة في جنوب شرق تركيا من بينها ديار بكر وماردين ووان، ونشرت نتائج استطلاع الرأي عبر حسابها على موقع التّواصل الاجتماعي "تويتر"، وبحسب نتائج الدراسة حصل حزب الشّعوب الديمقراطيّة الكردي على 62.3% في انتخابات البلديّات المقرّرة عقدها، بعد أن حصل الحزب نفسه على 55.1% في انتخابات البلديّات التي أُجريت في عام 2014، بينما أوضحت الشركة إنّ استطلاع الرأي كشف تراجع نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية من 35% إلى 32.8% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وبالفعل، حقّق حزب الشّعوب الديمقراطيّة الفوز في الأول من نيسان، عقب صدور نتائج انتخابات الإدارة المحلية، ضمن 8 مدن و45 ناحية، وبحسب المعلومات التي نشرتها وكالة الأناضول التركيّة فإنّ حزب الشّعوب الديمقراطيّة فاز في انتخابات الإدارة المحليّة في 3 مدن كبيرة، 3 مدن و45 ناحية، وهي ذات الانتخابات التي خسر فيها العدالة والتنمية بلدية إسطنبول لصالح مرشّح حزب الشّعب الجمهوري.
وقد كتب زعيم حزب الشّعوب الديمقراطيّة المعتقل بمدينة أدرنة، صلاح الدين دميرتاش، مقالاً لجريدة واشنطن بوست الأمريكية، للتعليق على انتخابات البلديات، وقال دميرتاش في مقاله: «لقد تعرّض أردوغان لهزيمة مهينة، وأكّدت نتائج الانتخابات أنّ الشعب التركي يصرّ على مطالبه بالعيش بشكل ديمقراطي وفي سلام فيما بين أبنائه»، وأكّد في رسالته لجريدة واشنطن بوست على أنّ انتخابات المحليّات التي أجريت، تحتوي على العديد من الرّسائل المهمّة لأردوغان ولكلّ الطّبقة الحاكمة، مشيراً إلى أنّ الرئيس التركي كان يرى بأنّ تلك الانتخابات هي بمثابة استفتاء، إلّا أنّه تعرّض لهزيمة موجعة، إذ خسر حزبه المدينة التي بدأ فيها رحلته السياسيّة، بل وخسر معها أكبر 5 مدن كبرى.
وأوضح دميرتاش أنّ حزب العدالة والتنميّة في السّنوات الأخيرة ابتعد عن قيم الإسلام والأخلاق، كما ابتعد عن الديمقراطيّة، مؤكّداً أنّ الهزيمة التي تعرّض لها الحزب نتيجة التكبّر وصمّ الآذان عن الانتقادات الموجّهة إليه بسبب الفساد والظّلم الذي يقوم به، وشدّد على أنّ السياسات التي يتّبعها حزب العدالة والتّنمية ضدّ معارضيه، وبشكل خاصّ ضدّ الشّعب الكردي، تزيد من حالة الاستقطاب داخل المجتمع، قائلاً: "الجزء الأكبر من الأكراد يريدون العيش في سلام مع باقي الشعوب والمواطنين، فقد سئموا الحروب والعنف، إنّ الأكراد يحتاجون إلى الديمقراطيّة، والإصلاحات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ونحن قدّمنا وعوداً بالعمل من أجل تنفيذ وتحقيق تلك الأهداف، ولكنّ رئيس الجمهوريّة هو المسؤول الأوّل والرئيسيّ عن عدم تحقيق ذلك هو وحزبه".
وشدّد على أنّ أعضاء حزبه، بما في ذلك المعتقلون داخل سجون أردوغان، مصرّون على التمسّك بخيار المقاومة السلميّة والديمقراطيّة، قائلاً: "نحن نؤمن بمستقبل ديمقراطي ومضيء لتركيا، ونرى أنّ هذه الانتخابات كانت مرشداً للطريق، فإذا استمرّت الحكومة في استبدادها، سيكون هناك المزيد من الأزمات السياسية والاقتصاديّة". الانقلاب التركيّ
- 16 ألف معتقل من أعضاء وأنصار حزب الشّعوب الديمقراطيّة
وفي الثّاني عشر من ديسمبر العام 2019، أعدّ حزب الشّعوب الديمقراطيّة تقريراً حول انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرّض لها أعضاؤه في تركيا، خاصّة عزل رؤساء البلديّات المنتخبين من صفوفه، وتعيين وصاة بدلاً منهم، هم في غالبهم من حزب العدالة والتّنمية الحاكم، وجاء تقرير الحزب تحت عنوان "انتهاكات حقوق الإنسان لعام 2019″، حيث سلّط فيها الضوء على اعتقال السّلطات التركيّة لنحو 16 ألفاً من أعضائه وناخبيه، منذ عام 2015 وحتى الآن.
وحسب البيانات التي ذكرها التقرير، فقد شملت عمليّات الاحتجاز 15 ألفاً و530 من التّابعين للحزب، وصدرت مذكرات اعتقال في حقّ 6 آلاف، من بينهم 750 من الأعضاء بالحزب والقيادات، موضّحاً أنّ تركيا تستقبل عام 2020، وسط تجاهل تام لحقوق الإنسان، من خلال الانتهاكات التي بدأت في عام 2015 وتزداد حدّةً يوماً بعد يوم، وأشار التقرير إلى أنّ عام 2019 قد شهد إلقاء القبض على ألف و674 عضواً وقياديّاً في الحزب على الأقلّ، وصدرت مذكّرات اعتقال في حقّ 200 منهم. الانقلاب التركيّ
وفي الصّدد، قال في الثاني عشر من يناير العام 2020 رئيس بلديّة ماردين المنتخب، المقال من منصبه، وهو أحمد ترك، ، إنّ حزب العدالة والتنمية الحاكم يستهدف القضاء على مكتسبات الأكراد في تركيا، معتبراً أنّ الفترة الحاليّة هي الأكثر قسوة على الأكراد في تاريخ تركيا، حيث قال: "عايشنا أحداث انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول وأحداث عام 1994، ولم يسبق أن شاهدت أبداً ما يعاني منه الأكراد حاليّاً، نحن نواجه وضعاً يهدف للقضاء تماماً على مكتسبات الأكراد وإنهائها فعليّاً".
وذكر ترك وهو من أعضاء حزب الشّعوب الديمقراطيّة، بأنّه ليس بالإمكان التحدّث عن ديمقراطيّة بدون الإدارات المحليّة، وأنّهم سيتمسّكون بالسياسة الديمقراطيّة في كل الظروف والأوضاع، مؤكّداً أنّ رؤساء البلديّات يخضعون للوصاية الحكومية، وأفاد بأنّ الولاة والمحافظين يواجهون مشاكل عندما يعملون بمعزل عن التعليمات، قائلا: "أصبحت الإدارات المحلّية معطّلة نتيجة للضغوط التي تمارسها عليها الحكومة، يتوجّب علينا توجيه خطاب للرأي العام الدولي حول البلديّات التركية التي تمّ تعيين وصاة عليها، وحزبنا يعمل خلال هذه المرحلة على اتّباع سياسات مُوحّدة للشعب وتحقيق سياسة واقعيّة وتنميتها بخطّ سياسي مستقلّ".
وانتقد ترك سياسات حزب العدالة والتنمية التوسعيّة قائلا: "تطالبون القوى الأجنبيّة بالانسحاب، فما شأنكم في عفرين إذاً؟، ما شأنكم في رأس العين؟، ما شأنكم في أربيل وسليمانيّة؟، ما شأنكم في تلّ أبيض؟، في الواقع يتوجّب إظهار هذه التطلّعات الاستعمارية بشكل واضح وصريح، مهمّتنا هنا ليست توجيه الرسائل للأكراد فقط، بل مهمّتنا تكمن في ضرورة تحقيق سياسة تبعث رسالة لكل أفراد الشّعب في تركيا وليس الأكراد فقط".
وجاء حديث ترك ذلك عقب أن كشف وزير الداخليّة التركيّة سليمان صوليو وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بأنّ أكثر من 40 رئيس بلديّة حكم عليهم بالسجن، وأنّه تم اعتقال 19 من هؤلاء، إذ تمّت عمليات إقالة رؤساء البلديات الكُردية ومحاكمتهم تنفيذاً لما سبق وهدّد به الرئيس رجب أردوغان قبل الانتخابات المحليّة، حين تعهد بأنّه سيقيل من يفوز من مرشّحي حزب الشّعوب الديمقراطيّة الكردي ويعين وصاة في مواقعهم.
ويبدو جليّاً أنّ السّلطات التركيّة عاقدة العزم على إنهاء الأصوات الكرديّة التي كانت السبب في يوم ما بإيصال أردوغان ذاته إلى سدّة الحكم، إذ تمكّن من استقطاب الكُرد في جنوب شرق تركيا، تحت شعارات الأخوّة الدينيّة والإسلام الذي يجمع بين معتنقيه بالحسنة والمساوأة، لكنّ تلك المساواة لا يبدو أنّها باتت مهمة لأردوغان، الذي انقلب على الكُرد ووعوده السّابقة لهم بإحلال السلام معهم، خاصّةً عقب أن تحالف مع حزب الحركة القوميّة بقيادة دولت بهشلي (القومي المتشدّد)، وبالتّالي أضحى إنكار الكُرد والنّيل منهم سبيلاً لاستحواذ أصوات القوميين الأتراك، أو الإسلاميين منهم السّاعين إلى توسّع تركيا عبر شمّاعة الدين، من خلال تنظيمات عديدة كالإخوان المسلمين!
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!