-
أستانا 17.. المتحوّر الجديد
منذ بداية الأزمة السورية والكم الهائل من القتل والبطش الذي جابهت به سلطة نظام القتل في دمشق الحراك السلمي للشعب السوري والتدخل السافر للميليشيات الإيرانية الطائفية والحرس الثوري الإيراني لدعم النظام في وجه ثورة الشعب السوري. هذا التدخل الذي أعقبه تدخل حليف آخر للنظام السوري، أي روسيا الاتحادية، فأمعن الحليفان قتلاً وتدميراً وتنكيلاً بالشعب السوري ونهباً لمقدراته وثرواته والسيطرة على مؤسسات الدولة السورية بالتواطؤ مع الوريث القاصر ونظام العائلة المجرم.
ومن خلال هذا الكابوس من الجرائم وعبر إدانة دولية واسعة لما حدث في سوريا، ومن خلال الشعور بأدنى درجات الالتزام الأخلاقي تجاه كارثة الشعب السوري، أتى استصدار مجلس الأمن للقرار 2254 بعد مفاوضات وجلسات كثيرة بين الدول المعنية، والذي أتى في مجمله ليعبر عن حالة لا تلبي معظم تطلعات الشعب السوري، وإن كان بصيغته الحالية أفضل ما قدم للشعب السوري من حل في وجه غطرسة الإجرام والبطش والقوة التي يتعرّض لها من نظام العائلة الأسدية ومن حلفائها في طهران وسوريا.
وكان من البديهي أن يتمسك جميع أطياف المعارضة السورية بتنفيذ هذا القرار وعدم السماح لأي جهة أو حزب أو مكون أو تشكيل سياسي أو حزبي بالخروج عن هذا القرار والمطالبة في تنفيذه، من خلال مجلس الأمن، وجوبه هذا التمسك بالميول المنحرفة لدى بعض أطياف المعارضة السورية من أصحاب المصالح الشخصية والحزبية الضيقة، الذين جعلوا نصب أعينهم تحقيق هذه المصالح على حساب المصلحة الوطنية للشعب السوري، وعلى حساب دماء الشعب السوري، فقدموا أنفسهم كدمية جاهزة لأن يلهو بها من يرغب مقابل محافظتهم على هذه المنافع والمصالح، وكان من أبرز تلك الكوارث والمصائب التي قامت بها بعض مرتزقة المعارضة السورية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، الخوض في مسارات لحرف القضية السورية عن مسا رها.
هذه المسارات التي أصبحت كفيروس يفتك بجسد القضية السورية، والذي يزداد سوءاً وقسوة، ويزداد المرض تفشياً في هذا الجسد، ومن أسوئها مسار أستانا، الذي فرّط بحقوق الشعب السوري وبنسخه المتعاقبة من أجل حرف مسار الحل الدولي عن القرار ٢٣٥٤، وتفريخ أوبئة أخرى، كاللجنة الدستورية وغيرها، فكلما زاد القتل والإجرام الذي تمارسه عصابة الإجرام في دمشق، وكلما زاد الضغط على حليفها الإيراني في الإجرام، كانت جولات أستانا عبارة عن المنشط والمقوي والجرعة التي تنقذ المجرم والمشروع الإيراني الصفوي في سوريا، وتمكّنهم من الإفلات من استحقاقات القرار 2254.
وبنظرة سريعة وقصيرة لواقع الحال في متحورات أستانا المتعاقبة، ما الذي جناه السوريون؟ وما الذي حققته ثورة الشعب السوري من خلال تنازل بعض مرتزقة المعارضة السورية والإخوان المسلمين في أستانا؟ لا شيء، ما زال القتل وسفك دماء الشعب السوري مستمراً، وما زالت عمليات التغيير الديمغرافي التي تمارسها آلة القتل الإيرانية في سوريا، وما زال التمدد الإيراني في سوريا، وما زال الأخطبوط الإيراني الذي يجلس كحمل وديع في أحضان مرتزقة المعارضة في أستانا يفتك بالشعب السوري، وما زال عشرات الآلاف من المعتقلين يقبعون في غياهب سجون النظام المجرم، يقتل منهم العشرات بدون أي رادع وأي عقاب. كيف لا وهناك من يواظب على الحضور في أستانا، كممثل وشاهد زور عن الشعب السوري وعن ثورته. كيف لا وما تزال مرتزقة الإخوان المسلمين يتربعون على مؤسسات المعارضة السورية ويوجهونها لصالح حليفها القديم مع نظام المرشد والمراقب.
تسقط أقنعة هذا المسار القبيح تباعاً، وبعد كل جولة يسقط أحد الأقنعة التي تغطي قبح من شارك بها من مرتزقة المعارضة السورية، ولعل القبح الأكثر بشاعة هو ما جرى في أستانا بنسختها المتحورة رقم 17، حيث وصف المتحدّث باسم وفد المعارضة والإخوان الجولة بأنها حاسمة كنوع من الحديث الإيجابي، وتخلله شكر لأحد قتلة الشعب السوري وأحد مغتصبي مقدرات الشعب السوري.
وخلال عرض هذه النتائج المخزية، ترددت كلمات سيذكرها التاريخ والسوريون كثيراً، وهي إدانة المسار لاستهداف المليشيات الشيعية في سوريا وشجب القصف على قتلة الشعب السوري، وكأنّ من يمثل وفد المعارضة السوري، هو وفد يمثّل محور ما يسمى المقاومة التابع لملالي طهران الذي فتك قتلاً ودماراً بالشعب السوري، وكان الأجدر أن يتم إدانة جرائم ملالي طهران في سوريا، وأن يتوجه وفد المعارضة لجميع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة لاتخاذ أشدّ الإجراءات فاعلية لكف يد السفاح الإيراني المجرم عن الشعب السوري.
هذا العار الذي يعتبر لطخة سوداء في تاريخ سوريا، حيث يسجل التاريخ جلوس وفد يدّعي تمثيل الثورة السورية للدفاع عن قتلة الشعب والثورة، كل هذا يتزامن مع حراك إقليمي فاعل تقود زمامه المملكة العربية السعودية ودول أخرى لتحجيم الدور الإيراني، ليس في سوريا فحسب، وإنما في المنطقة، وجهد كبير تبذله السياسة السعودية وقيادتها الشابة للوقوف في وجه أعتى إجرام شهده التاريخ، وأعظم خطر يواجه الأمه العربية، وهو الخطر الإيراني ومشروع القتل والظلام والحقد والدمار الذي ينشرونه في المنطقة. فهل كان مؤتمر أستانا بنسخته الـ17 إلا أحد العثرات في وجه هذا الحراك الذي بدأت تتضح ملامحه وأصبح هناك ما يشبه التحالف غير المعلن لاجتثاث هذا الخطر؟ أما كان المؤتمر والمسار الخديعة هو حبل إنقاذ يمدّه الإخوان المسلمون لأسيادهم في طهران؟ أما كان خدمة يقدمها نهج المراقب لسيده المرشد؟
يعي الشعب السوري بشكل جيد ما يحدث في أستانا، ويعي المجتمع الدولي والإقليمي أن لإيران أذرعاً ليست بالضرورة أن تكون كميليشيات عسكرية، وإنما أحزاب وقوى تحسب نفسها ظلماً وزوراً أنها في المعارضة السورية، بيد أنها لا تعدو بيادق تحركها عصابة المرشد، وهذا ما حدا بهذه العصابة بالطلب أن يكون المؤتمر القادم في طهران، وبالتالي ما كان من جلسات بين المراقب المرشد في السر سيظهر للعلن، كجريمة مفضوحة، وحلف لا تنفك بالتأكيد القوى الوطنية في سوريا التي رفضت أستانا منذ البداية ورفضت مفرزاتها وقيحها المتمثل باللجنة الدستورية، تعي جيداً أنه لابد من توحيد الصفوف وتكثيف التواصل مع الجهات الإقليمية الفاعلة التي تسعى لإنهاء خطر ملالي طهران على المنطقة، وستقوم هذه القوى بتنظيف ساحة المعارضة السورية من مرتزقة الإخوان المسلمين وتعريتهم أمام الشعب السوري ودحض أكاذيبهم وشعاراتهم التي لا تجاوز بارتفاعها أعناقهم القصيرة التي تعودت أن تكون تابعة للمشروع الإيراني وأحد أذرعه الأساسية في المنطقة.
ليفانت - عبد العزيز مطر
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!