الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أفغانستان ووهم الاستراتيجية البريطانية
أفغانستان - بريطانيا (أرشيف)
بعد هجمات 11 سبتمبر، وعد رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، توني بلير، بأنّ المملكة المتحدة تقف جنباً إلى جنب مع أمريكا، كان هذا يعني أن القوات البريطانية قد تقاسمت تكلفة عقدين من الحرب في أفغانستان، وأنّ المملكة المتحدة أيضاً تتعامل مع النهاية الفوضوية لتلك الحرب بعد قرار الرئيس بايدن بسحب جميع القوات الأمريكية.

وصل عديد القوات البريطانية في أفغانستان، ذروته إلى 9500 جندي بريطاني في مقاطعة هلمند وحدها. يذكر أنّ القوة الدولية (إيساف) في أفغانستان، بقيادة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تتألف من حوالي 130 ألف جندي من 50 دولة حليفة. يذكر أنه لقي ما يقرب من 460 جندياً وامرأة مصرعهم من بريطانيا في أفغانستان، بالإضافة إلى إصابة 2000 آخرين.

انتقادات بريطانيا لإدارة بايدن

انتقد وزير الدفاع البريطاني قرار الولايات المتحدة مغادرة أفغانستان، ووصفه بأنه "خطأ"، وأعطى حركة طالبان "الزخم"، وحذر بن والاس من أن "المجتمع الدولي على الأرجح سيدفع العواقب"، وقال إنه قلق من أن القاعدة ستستعيد قاعدتها في أفغانستان. وأكد أن المملكة المتحدة نشرت 600 جندي في أفغانستان لمساعدة 3000 شخص، بما في ذلك المترجمون الفوريون وحاملو جوازات السفر البريطانية، على المغادرة. وقال والاس إن اتفاقية الانسحاب التي تم التفاوض عليها في الدوحة، عاصمة قطر، من قبل إدارة ترامب كانت "صفقة فاسدة" حاولت المملكة المتحدة مقاومتها. وكان والاس على وشك البكاء في إحدى مقابلاته. ما حصل هو أمر نادر الحدوث بالنسبة لأقرب حليف أوروبي لواشنطن، والتي وقفت إلى جانب الولايات المتحدة في كل صراع رئيسي تقريباً منذ الحرب العالمية الثانية.

أفغانستان

وفي هذا السياق، قال الجنرال نيك كارتر، رئيس هيئة الأركان العامة، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، إنه بينما يحترم وجهة النظر التي اتخذتها إدارة بايدن، فإنّه "لم يكن قراراً نتمناه".

وقال رئيس الوزراء السابق، توني بلير، إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان خطأ و"غير صائب"، ووصف قرار سحب القوات من البلاد بأنه "مأساوي وخطير وغير ضروري". وقال بلير، الذي أرسل قوات إلى أفغانستان قبل 20 عاماً، إن تورّط المملكة المتحدة في أفغانستان لم يكن قراراً خاطئاً، على الرغم من استيلاء طالبان على السلطة. وأضاف أن التضحية التي قدمتها القوات البريطانية "لم تذهب سدى".

ويقول بيتر غالبريث، النائب السابق للممثل الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان: "إن جميع شركاء التحالف يتحملون المسؤولية عن الفوضى"، وأضاف: "كانت الاستراتيجية التي اتبعت لمدة 20 عاماً، تتمثل في محاولة بناء دولة شديدة المركزية في بلد متنوع، جغرافياً وعرقياً، مثل أفغانستان، والانخراط في استراتيجية مكافحة التمرد بشريك محلي فاسد وغير فعال".

أفغانستان تقوّض مكانة الغرب في العالم

جادل بايدن مراراً وتكراراً بأن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان لم يكن ليغير الوضع بشكل كبير ما لم يتمكن الجيش الأفغاني من السيطرة على بلاده، لكن دبلوماسيين بريطانيين قالوا إن كارثة أفغانستان ستقوّض مكانة الغرب في العالم وستحشد "الجهاديين" في كل مكان وتعزّز حجج روسيا والصين بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يفتقرون إلى القوة والقدرة على البقاء. وقال مارك سيدويل، الذي كان أكبر موظف حكومي ومستشار للأمن القومي في عهد رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي: "يجب أن نكون واضحين بشأن هذا: هذه لحظة مذلة للغرب". وشكك بعض قدامى المحاربين البريطانيين في تضحياتهم وتحدث البعض عن شعوره بالخيانة.

أذهل الخروج الفوضوي للقوات العسكرية الغربية من أفغانستان، واستيلاء طالبان السريع على البلاد، المسؤولين في بريطانيا، وتسبب في توتر "العلاقة الخاصة" للمملكة المتحدة مع أهم حليف لها، الولايات المتحدة.

عجز لندن عن تغيير مسار واشنطن

إن عجز لندن عن تغيير مسار واشنطن بوقف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يعد بمثابة ضربة لآمال المملكة المتحدة في أن تكون "بريطانيا العظمى" الحازمة لاعباً عالمياً رئيساً في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي، ويعترف المسؤولون البريطانيون بحدود نفوذهم.

أدّت الحرب الكلامية الغاضبة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشأن الانسحاب الفوضوي للقوات من أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، تجاهل الرئيس الأمريكي دعوات رئيس الوزراء البريطاني، جونسون. وهذا يكشف التصدّع في "العلاقة الخاصة" بين البلدين، رغم أن كلا البلدين لديهما ذات المخاطر، الإسلام الراديكالي ونفوذ الصين وموسكو. وتعهد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، في أعقاب الانسحاب الأمريكي، بأن بريطانيا لن تتخلى عن أفغانستان، رغم تأكيده الانسحاب الوشيك لمعظم موظفي السفارة في مواجهة هجوم سريع لطالبان.

منذ أن كان ونستون تشرشل، يتباهى رؤساء الوزراء البريطانيون بعلاقتهم الخاصة مع الرؤساء الأمريكيين. لقد أضعفت كارثة أفغانستان العلاقات بين بريطانيا وأمريكا. إنه يعزز موقف حكومة بوريس جونسون للعمل بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي. الحقيقة هي أن الحكومة البريطانية كانت تتظاهر بوضع استراتيجية وطنية لأفغانستان، لكن في الواقع كانت لا تقوم بأكثر من دور ضمن استراتيجية أمريكية لم يكن لديهم أي تأثير عليها.

النتائج

نتيجة للكارثة في أفغانستان لعام 2021، ستتعرض الديمقراطيات الغربية لضربة كبيرة في مصداقيتها في أعين الأنظمة الاستبدادية في العالم. قد يؤدي ذلك إلى مزيد من التحديات للوضع الراهن، حيث يختبر أعداء الغرب عزم الولايات المتحدة في الحفاظ على "قيمها". ليس من الصعب ظهور مناطق نزاع جديدة في جنوب شرق أوروبا أو البحر الأبيض المتوسط أو شرق أفريقيا أو بحر الصين الجنوبي.

اقرأ المزيد: شمال اللاذقية.. ضباط للنظام يمنعون عودة الأهالي إلى قراهم

يشير التاريخ الحديث في العراق وسوريا وليبيا، والآن أفغانستان، إلى أنّ المضي قدماً يزداد صعوبة بالنسبة للديمقراطيات الغربية في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على الوضع الديمقراطي الليبرالي الراهن. لقد شاركت المملكة المتحدة في كل هذه "النزاعات"، لكن لم يكن لديها القدرة الحقيقية على إحداث تغيير استراتيجي في تلك النزاعات.

اقرأ المزيد: دولة الإمارات في قلب عملية الإخلاء الكبير من أفغانستان

إن الانسحاب الأمريكي السريع وغير المنظم من أفغانستان، من شأنه أن يضرب بتداعياته العلاقة ما بين واشنطن وحلفائها، خاصة بريطانيا، وهذا يعني أن بريطانيا ودول أوروبا سوف تعيد أو تراجع مواقفها بأي مشاركة عسكرية مستقبلاً مع الولايات المتحدة في مناطق النزاع.

ليفانت - جاسم محمد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!