الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أميرات الحكاية السوريّة الدموية
عبير نصر

"إذا أردتم وضعَ حدٍّ للحروب، دعوا النساء يحكمن العالم". تلك هي خلاصة مقال الكاتبة "كاثلين باركر" بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، التي لم تجد بدّاً من الاستشهاد بتصريحٍ أدلى به الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حين قال: "إنّ النساءَ يستطعن حلَّ العديد من مشكلاتِ العالم، التي تسبّب الرجالُ في معظمها، وإذا تولّى المزيدُ من السيداتِ مراكز قيادية ستقلّ الحروبُ، وسيحصل الأطفالُ على رعايةٍ أفضل. كذلك سنشهد تحسناً عاماً في مستوى المعيشة والدخل". الحكاية 


ويبدو أنّ الواقعَ السوري لا ينتمي إلى هذا النوع من الرؤى الوردية. فعندما غصّ القصرُ الرئاسي بنساءٍ تحكمن بالقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، تمخّض ذلك عن ملايين المشردين والنازحين واللاجئين ومئات الآلاف من الضحايا. كذلك انهيارٍ اقتصادي مريع، لدرجةٍ بات فيها مجرّدُ الحصولِ على الخبز اليومي، هو منتهى ما يتمناه المواطن السوري. بالإضافة إلى تفشّي الغلاء، والبطالة، وتوقف عجلة الإنتاج، وانهيار قيمة العملة الوطنية. وسط مراوحة البلاد لجهةِ البحث عن مخارج سلمية وسياسية، تحقن دماءَ السوريين وتوقف المذبحة المفتوحة. على التوازي ما تزال تشهد مساراتُ السلام الدولية حالةً من الركود، إلى جانب تخبّطٍ في سياسات الدول الكبرى تجاه الأزمة السورية، وعدم وجود استراتيجياتٍ واضحة لكل الفاعلين الدوليين.


بطبيعة الحال لعبت العديدُ من الشخصياتِ النسائية دوراً مباشراً في صنع القرار في سوريا، أبرزهنّ "أسماء الأخرس" التي طالتها اتهاماتٌ مباشرة بالتحكّم في المشهد الاقتصادي، تتعلّق بكونها المحرّك الأساسي للحجزِ على أموال رامي مخلوف، وبقيّة رجال الأعمال، الذين يصنفون على قوائم أثرياء الحرب. كما برزت تكهناتٌ عديدة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حول الطموحاتِ السياسية التي تضمرها، ورغبتها في الصعود إلى القمة، في حال أصبح الزوجُ المحاصر في موقفٍ لا يمكن الدفاع عنه من خلاله. في سياقٍ متصل كانت "بثينة شعبان" من الأسماء الحاضرة في صدارة المشهد السياسي في سوريا، والتي تعتبر من الحرس القديم لحافظ الأسد، عندما كانت مترجمته الخاصة، قبل أن تصبحَ المستشارة الإعلامية للأسد الابن. لكنها غابت عن الواجهة السياسية مؤخراً. قد يرجع ذلك إلى تقدّمها في العمر، أو ربما لتفوّق أخريات في الاستحواذ على الأضواء والمهام معاً. في وقتٍ تعرضت فيه لهجمةِ تسريباتٍ وشائعات، فضحت حجم ثروتها الهائلة، والمزايا الاستثنائية التي يتمتع بها أبناؤها، كما واجهت انتقادات حادة، بسبب تصريحاتٍ تحدثت فيها عن الوضع الاقتصادي في البلاد، حيث قلّلت من حجم الأزمة المعيشية التي تعصف بالسوريين.


على التوازي هناك بعض النساء اللاتي لعبن أدواراً أقلّ أهمية. بعضهنّ غاب اسمها نهائياً عن التداول، لأسباب غير معروفة. أشهر تلك الأسماء: "هديل العلي" التي صعد نجمها بسبب رسائل الإيميل المسربة بينها وبين بشار الأسد، وما تنطوي عليه هذه المراسلات من لغة حميمية. هي التي رفضت عرضاً من جامعةٍ في وارسو لتختار مؤازرته. حيث تظهر رسائلها مدى التزامها السياسي بنهجِ الأسد، وشخصه، وحرصها على استمراريته من خلال تقديمِ الدعم والمشورة. وتأتي العلي ضمن عددٍ من الفتيات اللاتي يعشن في الغرب ويدعمن الأسد، أسوةً بياسمين سعادات الأسد، وريمي صقر، وهما عنصران فاعلان في حركة "ارفعوا أيديكم عن سوريا"، التي تهتم بتلميعِ صورةِ النظام حول العالم، عبر تنظيمِ المسيرات المؤيدة له في أستراليا. هناك أيضاً "شهرزاد الجعفري" التي أشيع عنها نشوء علاقةٍ حميمية مع الرئيس السوري بمعرفة زوجته. لم تُعرف مدى صحتها. ومن مواقفها الشهيرة محاولتها مع "لونا الشبل" تضخيم خطر الجماعات المسلحة المعارضة للنظام، لوضع حدّ لها حسب ادعائهما، معلّلة ذلك أنّ النفسيةَ الأمريكية يمكن التلاعب بها، حين تسمع بوجود مثل هذه الجماعات الإرهابية. لكن فجأة، ودون سابق إنذار، ترسل شهرزاد الى لونا رسالة جاء فيها: (الله يلعنك، وسأوزع لحماً في أنحاء سوريا، حين اسمع نبأ وفاتك). لماذا؟ هذه هي أسرار الصندوق الأسود الذي سيبقى مغلقاً حتى حين.


ولا يمكن الإشارة إلى نساءٍ امتلكن الامتيازات ومفاتيح الأبواب المغلقة، دون الإشارة إلى المذيعة السورية ذات الأصل الدرزي، التي تحمل شهادة ماجستير في الإعلام من جامعة دمشق، "لونا الشبل"، التي تحتل اليوم صدارة قائمة النساء الأكثر تأثيراً على بشار الأسد. برز اسمها بعد استقالتها من قناة الجزيرة وعودتها البلاد، لتعمل بمنصب مديرة المكتب الإعلامي في القصر الرئاسي. في البداية، اقتصر دورها على تقديم النصائح الخاصة بالظهور الإعلامي لبشار الأسد، وتطور بعد عام 2011 حتى تجاوز كلّ الصلاحيات والنفوذ، فأصبحت تؤثر على كلّ مجرياتِ الأزمة السورية. يتضمن ذلك تحركات سياسية ودبلوماسية حيوية، بالإضافة لدورٍ رئيسي في تحديد مجريات الأمور المتعلقة بمحادثات السلام، ومشاريع إعادة الإعمار. حيث شاركت في "مؤتمر جنيف" في مدينة مونترو السويسرية، وفي ترشيح بعض الأسماء لمؤتمرات سوتشي وأستانا. تدخلت كذلك لإقناع شباب الدروز بالالتحاق بجيش النظام، ووصل بها الأمر إلى تهديد أهالي السويداء بداعش في حال أحجموا عن دعم الرئيس الأسد.


وبعدما انتشرت أخبارٌ متضاربة، خلال السنوات الماضية، -منها متعلقة بعلاقتها الخلافية مع أسماء الأسد، وطردها من القصر الجمهوري عام 2017، كذلك علاقتها القوية مع الروس، الأمر الذي زاد من سلطتها داخل القصر، أُصدر قرارٌ  جمهوريّ، يقضي بتعيين لونا الشبل بمنصب مستشارةٍ خاصة في رئاسة الجمهورية، ليتصاعد نجمها بشكلٍ كبير. وآخر ظهور لها بعد سنواتٍ من الغياب، كان في مقابلةٍ إعلامية مع قناة الإخبارية السورية لتفسير الخطاب الذي ألقاه الأسد خلال مراسم أدائه اليمين الدستورية لولايةٍ رئاسيةٍ رابعة، ما أثار انتقاداتٍ تجاوزت الشبل نحو الرئيس نفسه، في مشهدٍ نادر لم يحدث منذ عقود خمسة. حيث بدتِ المستشارةُ منفصلةً عن الواقع، تكرّرُ مقولة رئيس النظام عن عدم امتلاك "العصا السحرية"، وتدعو السوريين لـما أسمته "الصمود الإيجابي" وليس "السلبي"، لتستقيضَ في التفريق بينهما.


ورداً على تساؤل الكثيرين عن سبب غياب الوعود في خطاب بشار الأسد، قالت الشبل: "إنّ رئيسَ النظام لا يقدم وعوداً، بل يقدم الرؤية"، وأضافت: "الحلّ لن يهبط من السماء، فالحلّ القاسي يحتاج لثمنٍ قاس، وهو أن يصمدَ الشعبُ كما صمد الجيش، وهنا أتحدث عن الواقع المعاشي والاقتصادي". وسرعان ما ردّ السوريون على تصريحاتِ الشبل اللامبالية بشكلٍ مستفزّ، مؤكدين أنها صامدة بماركاتٍ عالمية. حيث ظهرت في خطابِ القسم ترتدي ساعةً من نوع "رولكس" كما ارتدت فستاناً من ماركة غوتشي. لتثير سخطاً شديداً حتّى في أوساط المغالين في ولائهم للنظام السوري. على رأسهم كاتب السيناريو قمر الزمان علّوش، الذي كتب في منشور عبر صفحته الشخصيّة على فيسبوك: " إنّ الرسالة التي حاولت لونا الشبل إيصالها للسوريين كانت: "لا خيار أمامك إلا أن تكون أحد رجالي، لم أطلب منك الصمود أنت دافعت عن نفسك". ليختم منشوره: "كنت خائفاً على الرئيس، ولكنني الآن بت خائفاً منه حقاً". بدورها الإعلامية فاطمة علي سلمان دوّنت: "هيك شعب صامد بهيك ظروف قاهرة لازم ينحط بمحمية خوفاً عليه من الانقراض. وإنتو يا مسؤولينا عيشو حياتكم الهوليودية على حساب همنا، وغمنا، وفقرنا، وفرحة أطفالنا.. خونة".


ليفانت: عبير نصر ليفانت

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!