الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أمين عبدو لـ "ليفانت نيوز": عندما أقف أمام اللوحة أفكر كالفيلسوف وأرسم كالأطفال وأتصرّف كالمجانين

أمين عبدو لـ
أمين عبدو

  • الإنسان بطبيعته يفضّل حاسة البصر أكثر من الحواس الأخرى.

    •الإحساس واللاشعور مهم في إنجاز العمل الفني والتفاعل مع سطح اللوحة.

    •بعد انتهاء إدارة المرأة والدخول العصر البطرياركي فما زالت الآلهة عشتار تعبر عن نفسها.

    •اللوحة الفنية لا تحتاج إلى ترجمة فهي بمثابة رسالة مفتوحة نقرأها من خلال حاسة البصر.

    •الرسم لغة نتذوقها عن طريق حاسة البصر يتحقق من خلالها التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا للمتلقي.

    •قد تكون المرأة موضوعاً جدلياً عند أغلب الفنانين التشكيليين.  

    •تجدّد الروح والزمن بأشكال مختلفة نكتشفها عبر ملامح المرأة بكل تفاصيلها وإسقاطاتها على الواقع.


أمين عبدو من مواليد 1958 قامشلي، حاصل على إجازة من كلية الفنون الجميلة - قسم التصوير، من جامعة دمشق عام 1985، يعمل مدرساً لمادة التربية الفنية في جامعة روج أفاي كردستان، لقد شارك في أغلب المعارض المحلية والخارجية وحائز على شهادات تقديرية لجهوده في النشاط الفني. التقت صحيفة ليفانت نيوز في مكتبها بقامشلي، وتناولت معه من خلال هذا اللقاء حياته الفنية ورؤيته حول مواضيع تتعلق بالفن والرسم وخاصة المشهد التشكيلي في الجزيرة وعموم سوريا.


- أستاذ أمين لا شك فيه أنّ للبيئة دور كبير في تكوين شخصية الإنسان وخاصة في مرحلة الطفولة، ولذلك من هنا كيف يعبّر لنا أمين عبدو عن بداياته بلغة فنية؟  


**من خلال فصول السنة، وتقلبات المناخ وألوانها، كانت بمثابة لغز، ونحن نحاول فك رموزها، ونستمتع بكل تفاصيلها كانطباع في الذاكرة، كأبجدية أولية للدخول إلى عالم الرسم، واللون، فكل ما هو في الطبيعة من الألوان حسب الفصول، فالأخضر اللون الطاغي في فصل الربيع، والأحمر، والبرتقالي، في فصل الصيف، والأصفر في الخريف، ودرجات الأزرق في فصل الشتاء، فعموماً كانت بيئتنا قبل 50 عاماً بيئة ربيعية، نشارك الكبار في العمل، وخاصة الحصاد، كنا نشعر بقيمتها الجمالية مما دفعنا أن نرسم الصورة لتلك اللحظات بمثابة انطباع أولي، لنحتفظ بها خوفاً من الضياع، لأهمية اكتشافها بالنسبة لنا، والرسم واللون كان خير وسيلة للتعبير عندي لهذه الحالة التي عشتها في طفولتي، فعندما كنت أتأمل وجه فلاح وتقاسيم وجهه وما يقدمه من جهد أثناء العمل باكتشاف "كولومبوس" لقارة أمريكا بالنسبة لي، فالرسم لغة نتذوقها عن طريق حاسة البصر، يتحقق من خلالها التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا للمتلقي، قد تختزل فيها المعاني، والصورة بدون ترجمة، هنا قد أشعر بالفرح حين تصل رسالتي بكل أمانة.


- إنّ ملامسة الفنان للواقع ربما تختلف من شخص إلى آخر، وذلك كان واضحاً في تعابيرك عن المرأة، كيف تنقل ذلك في خطوطك؟


**حضور المرأة واضح في أعمالي، حيث هي الأم الحنونة، وهي الأخت وهي الزوجة، وتختزل فيها جميع قضايانا، منذ زمن بعيد، ومن خلال الأساطير، بعد انتهاء إدارة المرأة ودخول عصر البطرياركي، فما زالت الآلهة عشتار تعبر عن نفسها، مع تجدّد الروح والزمن، بأشكال مختلفة، نكتشف من خلالها ملامح المرأة، بكل تفاصيلها وإسقاطاتها على الواقع. 


  


وهذا يشدني أن أبحث من خلال الرسم واللون هذه المعادلة، بحسّ إنساني فريد من نوعه، قد نجد أحياناً ملامح الجمال والحنان والدفء، وهي البوصلة التي نصل من خلالها إلى واقع مؤلم، وكثير من الفنانين عصر النهضة رسموا المرأة بأشكال مختلفة، وأيضاً لكل فنان أسلوبه في التعبير عنها، من خلال إحساسه لحالات مختلفة قد تكون المرأة موضوعاً جدلياً عند أغلب الفنانين، فعامل البيئة أفصح طريقة للتعبير بصدق عنها، ولوحاتي تحمل هذا الانعكاس، كالمرآة لهذا الواقع التي تجسد تفاصيل حياتنا وشعورنا، انطلاقاً من المرأة، وخاصة نحن في الشرق، هي العامل والسر للاستمرار في حبنا للحياة، وتبقى التجربة في الرسم واللون، كفيلة للتعبير، والوصول إلى نتيجة نحقق من خلالها الهدف السامي، ألا وهي المرأة، الجزء المكمل للرجل في جميع تفاصيل الحياة.


كيف تقرأ الأداء الفني على المستوى المحلي والعالمي.. وأين تقف من ذلك؟


**الجميل في الفن أنّك لا تقف عند محطة معينة وتجدّد دوماً عبر الزمن، ولكل بيئة فنونها التي تنسجم معها، وأيضاً اللوحة الفنية لا تحتاج إلى ترجمة، فهي بمثابة رسالة مفتوحة تُقرأ من خلال حاسة البصر، وهنا تكمن قيمة الفن التشكيلي وخصوصيته، فالإنسان بطبيعته يفضل حاسة البصر أكثر من الحواس الأخرى، فلا فرق بين فنان محلي أو عالمي، فاللغة الفنية التشكيلية موحدة بين الشعوب، وقد تكون أفضل عامل للتواصل بين البشر.


ومع تطور المجتمعات، نجد الفنون أيضاً في المقدمة، حيث لكل فنان أسلوبه وتجربته بالحرية في التعبير، خاصة بعد مرحلة المدارس الفنية، فالفنون مرت بمراحل مختلفة حسب الزمن، وقد يتّسم الفن الحديث أو المعاصر بالحرية المطلقة عند الفنان في أدائه، من الناحية الفكرية والتكنيكية، لذا نحن أمام كمّ من التنوّع في الأساليب والأداء، وهنا لا بد من إيجاد معايير حقيقية للإنتاج الفني، وهنا لا أقدم نفسي ناقداً، فالنقد الفني له قواعده وأصوله، ويحتاج إلى متخصص، وبشكل عام، لا بد من مواكبة التطور الفني، محلياً وعالمياً، باختلاف أدائه وأنماطه، ومن خلال قراءتي للفن الحديث يمتاز بالنمطية في الأداء لكل فنان على الأغلب، بالرغم من التنوع في الأساليب.



- اللوحة عند أمين عبدو هي جدل فيزيائي بين الظاهر والجوهر، ويبدو أنّه يبحث عن البدائل في هذه الحياة الغنيّة بالبشر.. ماذا بعد إتمام اللوحة لمن يقدّم وأي نوع من المتابع؟


**لا بد من التحقيق بين الشكل والمضمون، وهذا مرهون بالتحلّي بالثقافة العامة عند الفنان، والتجربة الطويلة، وتفاعله مع المحيط، وقراءة الواقع، ومراعاة الزمان والمكان، فاللوحة الفنيّة وليدة المخاض للعوامل التي يتفاعل الفنان بها بحسه المرهف وإنجاز ما هو يراه وليس كما هي في الواقع، أي أنّ الفنان يعكس الصورة مثل المرآة، كما يحسّ، بها وغالباً لا تشبه الواقع أو يضيف بلمساته الجوهر المفقود عند المتلقي العادي، وهنا يبدو الجدل ما بين اللوحة الفنية والملتقّي، قد تكون الصورة العادية مألوفة للجميع، وتأتي اللوحة والبصمة عند الفنان أكثر من ذلك، وتبقى لكل فنان خصوصيته بطرح الفكرة كما هو يرى، وإذا ما كلفنا على سبيل المثال ثلاثة فنانين برسم موضوع ما أو عنصر، مثل رسم تفاحة، فستأتي النتائج مختلفة تماماً، لكل فنان حسب تفاعله حتى ولو كان عنصراً بسيطاً، وقيمة اللوحة تأتي بمدى تفاعل المتلقي مع الإنتاج الفني، ألا وهي اللوحة الفنية. 


- حينما يرسم أمين عبدو ألا يشدّه أعمال الآخرين من الفنانين سواء أكانوا محليين أو عالميين؟


لابد من متابعة النشاط الفني وأعمال الفنانين، محلياً وعالمياً، بمختلف انتماءاتهم، نؤثر ونتأثر بها بالرغم من المسافات البعيدة ودراسة تاريخ الفن وتجارب الفنانين السابقين، وخاصة المراحل التي مر بها الفن متعددة، وما زالت في تجدّد مستمر، فالحياة المعاصرة التي تعيشها المجتمعات، بالرغم من تطور التكنولوجيا، أفرزت بالمقابل جملة من القضايا المعقدة من الصعب على الفنان أن يفك رموزها بسهولة، حتى أغلب النقاد، في المجال الفني، في صراع حول الحداثة في الفن والعمل، واتفاق على المعايير التي تناسب الواقع الحالي، في كسر قواعد العمل الفني، لذا نجد كم من الأساليب يوميا، تطفو على السطح وتختفي مع اختفاء أصحابها أو اختفاء مزاجه، فالمنتوج الفني الحالي أكثره يحمل صفة استهلاكية بسبب التعقيدات في الحياة، ولا بد من مخرج لهذه الحالة، وهذا يتعلق باستقرار المجتمعات، على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ونحن أيضاً في هذه الدوامة، كدوامة الثقب الأسود التي تبتلع جميع الأجسام مهما كان حجمها وقوتها، بالرغم من الواقع المفروض بسبب تفشي مرض كورونا، أو ما يسمى بكوفيد-19، الذي قلل من نشاط البشر في جميع النواحي، ويبقى التواصل الاجتماعي هو الطريقة المفضلة حالياً.



- كونك عازف للطنبورة أيضاً كيف تنظر إلى الموسيقى بالإضافة إلى تجربتك الفنية.. وما نوع الموسيقى وأنت تستمع إليه عندما تقف أمام اللوحة؟


**كنت أشعر بالملل في الرسم أحياناً، قد أقضي معظم أوقاتي فيها، فلا بد من الموسيقى لقتل الملل، والموسيقى غذاء الروح، وتتجدّد فيها روحنا لتنسجم مع المحيط، وخاصة أثناء الرسم، فالفنون مكملة لبعضها بالرغم من الاختلاف في مظاهرها، ومع مرور الزمن أصبحت الموسيقى جزءاً من أعمالي أثناء الرسم، فالعزف على آلة الطنبورة أو البزق، بمثابة فاصل منشط للتأمل من خلاله تفاصيل عناصر اللون والخط والتعبير، فاللوحة الفنية تحمل أيضاً نوعاً من الإيقاع حسب الموضوع والمعالجة والدرجات اللونية، أيضاً، يقابلها في الموسيقى اختلاف في العلاقات.



وهنا نصل إلى نتيجة، أنّه أثناء الرسم أو العمل نستخدام حاسة السمع والبصر، في آن واحد، وهنا الإحساس واللاشعور مهم في إنجاز العمل الفني، والتفاعل مع سطح اللوحة، انطلاقاً من العامل العصامي أو الفطري لدى الإنسان للوصول إلى أقصى درجات التعبير، وهي سمات الفنان الذي لا يتقيّد بالأصول الأكاديمية، وأحياناً قد نجد العامل الثاني ألا وهو الفنان الأكاديمي الذي يمتاز بالمهارة في الأداء للوصول إلى أقصى درجات التعبير عن الجمال، فالفنان الأكاديمي يستطيع إنجاز الجمال والتعبير معاً على الأغلب، أما العصامي أو الفنان بالفطرة غير الأكاديمي قد يكون عنده التعبير أفضل، ولكن لا يستطيع الوصول إلى الجمال، وقد يكون التعبير المبالغ لديه على حساب الجمال، ولكل قاعدة شواذ.


إعداد: مكتب ليفانت في قامشلي/ شمال سوريا

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!