الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
أن تكون سورياً
أن تكون سورياً

ثائر الزعزوع - صحفي سوري



في كلمته الأخيرة التي وجهها للفرنسيين، رداً على مطالب حركة السترات الصفراء، كرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبارة “ فن أن تكون فرنسياً” أربع مرات، وقد أثارت هذه العبارة نوعاً من اللغط في الأوساط الثقافية الفرنسية، وطرحت لنقاش أكاديمي واسع، فماذا يعني أن تكون فرنسياً، الآراء كلها صبت في مصلحة الفن والثقافة، واللغة أيضاً باعتبارها الحوامل الأبرز للأمة الفرنسية، و لم يتطرق أي من المفكرين الذين تمت استضافتهم في أحد البرامج التلفزيونية إلى شخصية سياسية أو عسكرية. بل حضر وبقوة الشعراء والرسامون والمغنون. و كان الكاتب الفرنسي الشهير جان كوكتو يقول: “وطنيتي هي لغتي الفرنسية”.


وقد شاركتُ منذ فترة في نقاش مفتوح، ضم عدداً من المثقفين والكتاب والسياسيين، لمناقشة فكرة الهوية الوطنية السورية، اصطدمنا كالعادة في عدم وجود تعريف واضح ومباشر لماهية الهوية السورية، و رغم اجتهادنا في نحت مفهوم خاص لتلك الهوية، إلا أننا عدنا إلى نقطة البداية في كل مرة، ما الهوية السورية حقاً؟ وهل يكفي كونك ولدت وترعرعت في سوريا أن تكون سورياً، أم أن ثمة مواصفات ما ينبغي أن يتمتع بهذا ذلك الكائن كي يكون سورياً؟


منذ سنتين و خلال كلمة ألقاها أمام مؤيديه قال رأس النظام السوري: إن الجنسية السورية حق لمن يدافع عن سوريا فقط، وإن الأزمة أفرزت بشكل جيد من هم السوريون ومن هم غير السوريين. ويبدو أن هذا الرأي، وقبل أن يقوله رأس النظام، بدأ بالصعود باكراً في معسكر مؤيدي نظام دمشق، فهم طالبوا على سبيل المثال، وفي مرات كثيرة، بسحب الجنسية من بعض المعارضين، وتجريدهم من كونهم سوريين. وفي ردودنا الانفعالية على ذلك الطرح نذهب نحن أيضاً، من نصنف أنفسنا معارضين للنظام، إلى اعتبار كل من يقف مع ذلك النظام ليس سورياً، بل إن ثمة من يسعى جاهداً لإثبات أن عائلة الأسد التي ينتمي لها رأس النظام، ليست سورية وأنها إنما حلت في سوريا وافدة من مكان ما، طبعاً هذا الكلام لن يقدم أو يؤخر في واقع الأمر شيئاً فرأس النظام هو سوري ولادة و نشأة و أبوه الديكتاتور السابق كان كذلك، إذاً كيف يمكن أن يكون المرء سورياً؟


فإذا كان جان كوكتو اعتبر أن وطنيته هي لغته الفرنسية، و قياساً على ذلك فإن كاتباً من أصول لبنانية مثل أمين معلوف الذي انضم إلى الأكاديمية الفرنسية يمكن أن يكون فرنسياً، فهو يكتب باللغة الفرنسية، بل وهو يصنف من بين أكثر عشرة كتاب قراءة في فرنسا، كما يعتبر اللاعب، الجزائري الأصل، زين الدين زيدان، أحد الرموز الفرنسية. لكن أي سوري لا يستطيع قول ذلك، إذ لا لغة جامعة لنا، بل إن بعض السوريين لا يفهمون ما يقوله البعض الآخر نظراً للاختلاف الكبير في اللهجات، ولا أغنية سورية نتوافق عليها، وقد اعتبرنا على مدى عقود أن فيروز تميّزنا، رغم أن فيروز، مثلاً، هي فنانة لبنانية وليست سورية، ولم تولد أو تعش معنا في تلك المساحة الجغرافية، التي تشكلت في أعقاب اتفاقية سايكس بيكو، وأخذت شكلها الحالي الذي طرأت عليه بعض التعديلات في مراحل لاحقة.


تعرف سوريا باسمها الرسمي الجمهورية العربية السورية، وهذا يجعلها جزءاً من الوطن العربي، الذي تشكّل اللغة العربية جامعاً رئيساً فيه، لكن اتقان العربية لا يعني أبداً هوية سورية، فهناك واحد وعشرون قطراً تتحدث اللغة نفسها وبلهجات مختلفة، و الدولة أيضاً هي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، لكن الإسلام أو أي دين آخر لا يمكن أن يشكل هوية وطنية. وقد ظل هذا التنازع يحكم الانتماء السوري طيلة عقود، واستمر ربما إلى ما بعد اندلاع الثورة بسنتين أو ثلاث سنوات، وربما أكثر، قبل أن يبدأ طرح التساؤل المؤرق عن مفهوم الدولة التي يرغب السوريون في قيامها بعد إسقاط النظام. فهل يكفي الحصول على الجنسية السورية كي يكون المرء سورياً مثلاً؟ طبعاً لا، لأن هناك عشرات الآلاف من السوريين الذي كانوا وما زالوا محرومين من الجنسية، كما قام النظام بمنح الجنسية للكثيرين من عناصر الميلشيات الطائفية التي استقدمها.


و أمام هذا التشظي، غير المسبوق، الذي تعرضت له سوريا خلال السنوات الفارطات، تبدو مؤسسات فكرية أو مراكز أبحاث عالقة في مساحة ضيقة لا تريد الخروج منها أبداً، فهي ما زالت تطرح أسئلة غير مجدية عن طبيعة نظام الحكم الديكتاتوري، و كيفية تشخيصه ووضع توصيف له، مع أن الأمر تجاوز كثيراً ذلك النظام، وصار يتعلق بماهية سوريا نفسها، وبما ستؤول إليه أحوالها، اجتماعياً، حتى بعد سقوط النظام، أياً تكن الطريقة التي سوف يسقط فيها. شخصياً، أتوقع أن يؤدي سقوط النظام، وبعد هذا الحقن والشحن الطائفي المتواصل، والذي كان النظام سبّاقاً فيه، ثم سار على خطاه الجميع، أن تندلع حرب أهلية تكمل تدمير ما لم تستطع سلسلة الحروب المستمرة تدميره. لذلك لا يمكن اعتبار الجناة غير سوريين ويجب طردهم، أو إبادتهم، بل يجب الوصول إلى تعريف للسوري، ثم تجريم من يستحق التجريم ومحاسبته على جريمته.


بالمناسبة هناك الآلاف ممن يعرفون بالمجاهدين ليسوا سوريين، وهم إنما جاؤوا “لنصرة هذا الدين” مع أن الثورة السورية، كانت مشروعاً وطنياً سورياً، ولم تكن أبداً مشروعاً دينياً.


السؤال المؤرق الذي ينبغي أن نطرحه، ما الذي يجمعنا، كسوريين، سوى الجغرافيا؟ و كيف يمكن أن نكون سوريين؟

ليفانت

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!