الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أوروبا واستراتيجية الدفاع البعيد FDI
كمال اللبواني

لا تستطيع أوروبا الاحتماء وراء حدودها من المخاطر الجديدة المحتملة التي تهدّدها من الخارج، فليست جيوش الدول هي التي تهدّدها بالغزو فقط (كروسيا مثلاً في تهديدها لدول البلطيق والبحر الأسود)، بل وبسبب العولمة، فإنّ مخاطر من نوع جديد بدأت تغزو أوربا وتضرب وجودها في عقر دارها، منها الإرهاب، ومنها المخدرات، ومنها الهجرات التي وصلت حد تفجير الاستقرار السياسي في بلدانها، وصارت روسيا تستخدمها كسلاح في ضرب أوروبا (نلحظ هنا ما حصل على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا)، وأيضاً خطر الغزو الاقتصادي الشرقي، وعلى رأسه الصين، التي تحوّلت لوحش اقتصادي شمولي مدار مركزياً، وبشكل احتكاري، لا يخضع لقانون التنافس الحر داخل حدودها.

لذلك صار من الواجب تطوير مؤسسة الدفاع الخارجي لتشمل إدارات وأقسام تهتم بدراسة تلك المخاطر، ووضع الخطط لمواجهتها، ثم اختيار السياسات والآليات، فبات من الضروري إضافة مؤسسة دفاعية جديدة تهتم بالدفاع البعيد، لها أقسام مختصة بالهجرات، والإرهاب، والمخدرات، وبعد ذلك الغزو الاقتصادي، تضاف لمؤسسات الدفاع الوطني ووكالات الاستخبارات الخارجية، فالحيلولة دون حصول موجات هجرة جديدة لا يمكنها حصر نشاطها في مراقبة الحدود، بل يجب أن تتجاوز ذلك إلى البلدان المصدرة للهجرات لتجنّب حدوث الكوارث التي تدفع بموجات هجرة مستمرة ومتتالية، لا يمكن لأوروبا أن تتجاهل ما يحصل في دول الجنوب والشرق في حوض المتوسط، ولا بد من تدخلها لإيجاد نوع من الاستقرار ومن فرص البقاء على شعوب تلك الدول، هذه استراتيجية أصبح لا بد منها، باعتبارها شأناً داخلياً وأمناً قومياً، فالفساد والاستبداد والصراعات وفشل الدول والحروب الأهلية ليست شأناً خارجياً، بل أصبحت شأناً داخلياً أيضاً يضرب استقرار الحياة الداخلية ويهدّد أوروبا وجودياً.

إن تغاضي السياسات الخارجية عن التدخل الفاعل لمساعدة شعوب حوض المتوسط ضمن برامج الشراكة الأورو متوسطية، لم يعد مقبولاً، ولا بد من تفعيل برامج الشراكة لكي تؤمن فرص الاستقرار والنمو لشعوب الجنوب والشرق، لضمان عدم حصول انزياحات سكانية كبيرة تهدّد أوروبا العجوز، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى لا يمكن لأوروبا الدفاع عن نفسها اقتصادياً أمام طغيان الصين، من دون تحالفات عالمية تحقق التوازن معها، وهذا يشمل حتماً دول المتوسط والعالم الإسلامي، فالانسحاب من الشرق الأوسط للتفرّغ لمواجهة الصين هو من يجعل إيران وروسيا تهيمنان عليه فاتحين الطريق للتمدد الصيني الذي يقف خلفهم ويدفعهم أمامه، كما أن تقليص حجم التهديد الروسي يتطلب تحالفاً أكبر لأوروبا مع العالم الإسلامي.. وهكذا يجب أن تتحوّل سياسات أوروبا من اعتبار الإسلام عدواً تاريخياً، لاعتباره شريكاً استراتيجياً، وهذا يعني الكثير من التغيير في عقلية واستراتيجية الغرب من دعم نظم الفساد والقمع وقهر الشعوب وإفشال الدول ودعم الأقليات وتعزيز الصراعات في بلدان تعتبر من حيث المبدأ عدوة، إلى العكس، أي التعاون مع تلك الشعوب على تطوير وحدتها واستقرارها واقتصاداتها لتصبح شريكاً وحليفاً في تحالف الحضارة الديمقراطية بمواجهة المد الشمولي الصيني، وهذا يعني دعم التحوّل الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان في دول جنوب وشرق المتوسط، أي شيء مختلف عن السياسات الحالية التي تتجاهل ذلك بل تدعم نظم الفساد، أو سياسات غض الطرف عما يجري، حتى لا نقول دعم الصراعات والتوترات في المنطقة بتشجيع إيران على احتلال الدول وتخريب الاستقرار فيها.

لقد حان الوقت لتشكيل وكالة الدفاع البعيد FDI Far Defense Intelligence لتكون البداية في هذا الطريق.
 

كمال اللبواني

ليفانت - كمال اللبواني

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!