الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
إضاءات في الدستور السوري
محمد علي باشا

بداية وللدخول في أي حوار دستوري حول مستقبل سوريا، لابد لنا من التأكيد على عدة نقاط أراها مهمة _من وجهة نظري الشخصية_ قد تبدو بديهية للبعض وقد تكون عكس ذلك للبعض الآخر. الدستور السوري


1. يجب أن لا تغيب عن أذهاننا حقيقة مفادها، أن الثقة المتبادلة والنوايا الصادقة بين كافة المكونات هما من ينجحان أي عمل وطني أو يفشلانه، إضافة إلى العوامل الأخرى المحيطة بهذا العمل، وبالتالي لابد لأي مجموعة أن تسعى قدر إمكانها إلى ضم العناصر الفاعلة، ذات النوايا الصادقة، قبل البدء بأي نقاش أو حوار وطني.


2. لا مبرر لقلق البعض من شكل النظام السياسي للدولة أو هويتها /علمانية/، فشكل النظام السياسي للدولة ليس معيارا لضمان نجاحها أو فشلها، فلا يمكن القول إن النظام المركزي أصلح للدولة من النظام اللامركزي، فهناك دول ذات نظام لامركزي فاشل _كالعراق مثلا حتى تاريخه على الأقل_ ودول ذات نظام لامركزي ناجح، كالإمارات العربية المتحدة، وهناك دول ذات نظام مركزي شديد ناجح _كفرنسا على سبيل المثال لا الحصر_ ودول ذات نظام مركزي فاشل، كسوريا، وأغلب الدول العربية ودول العالم الثالث، وبالتالي فإن شكل النظام السياسي المختار للدولة ليس مهما، بقدر توافر عوامل النجاح الأخرى، التي تضمن نجاحه، فقد يختار السوريون البقاء على النظام المركزي وينجحون في تأسيس دولة عصرية، وقد يختارون النظام اللامركزي الإداري أو السياسي ويفشلون في تأسيس دولة عصرية، على غرار العراق.


الدستور السوري


3.: منصة التأسيس الدستورية:


لا بد أن تأتى مسودة الدستور كنتاج لعملية حوار مستمر تستقطب المكونات الفاعلة فى المجتمع، للتوصل إلى إطار مقبول لإدارة الصراع السياسى بينها، وبالتالي لابد من السعي إلى آلية تضمن مشاركة جميع السوريين _بكافة مكوناتهم_ مشاركة فعلية وحقيقية في مناقشاتهم الدستورية ومؤتمراتهم العامة، دونما تغييب أو إقصاء أو تهميش، تحت أي ذريعة كانت، ومحاربة كافة محاولات القوى المسيطرة على المشهد السوري العام _العسكرية منها والسياسية مهما علا شأنها، بما فيها النظام السوري_ لاختطاف العملية الدستورية لأجندات وغايات خاصة بها، وذلك كله لضمان إنتاج عقد اجتماعي صحيح. لذلك فإن إشراك الجميع فى صناعة الدستور ومنحهم الزمن الكافى للحوار لا يساعد فقط على التوصل لتبني الشكل الديمقراطي للدستور، بل أيضاً على استدامته. حتى تتم صياغة دستور يجمع عليه الفرقاء.
مثال: كانت الجمعية التأسيسية في جنوب أفريقيا قد عقدت جلسات سماع متعددة، وطلبت من الجمهور التعليق على المسودات المختلفة، وقد تلقت ما يزيد على 2 مليون رأي وتعليق قبل إصدار المسودة النهائية.


4. المبادئ فوق الدستورية هي في الحقيقة مبادئ دستورية.


تسمى أحياناً “فوق دستورية” للتشديد على أهميتها الجوهرية لبناء هيكل الدستور، وتسمى أحياناً “المبادئ الأساسية” للدستور، وأحياناً المواد الأساسية لوثيقة الدستور، وأحياناً تسمى كذلك بالمواد المحصنة أو الوديعة الدستورية. فالتسمية تعتمد على السياق وهي مهمة للغاية _من وجهة نظري الشخصية_ وصمام الأمان المناسب، لطمأنة كافة مكونات الشعب السوري على حقوقهم الدستورية واتفاق السوريين على تلك المبادئ مهم للغاية، قبل الانتقال إلى أية عملية سياسية، فاتفاقهم على مبادئ فوق دستورية غير قابلة للتعديل أو الإلغاء مستقبلاً، سيسهل عملية الانتقال السياسي وتحديد شكل الدولة ولتوضيح وجهة نظري سأستعين بالمثال التالي:


مجموعة من الأشخاص من مختلف المنابت والمكونات /السوريون/ يمتلكون أرضاً كبيرة للبناء /الجغرافيا السورية/ يريدون إشادة بناء عليها /شكل النظام السياسي للدولة/ فقرروا الاجتماع من أجل الحوار، للاتفاق على تفاصيل البناء المشترك /المؤتمر الوطني/ مستعينين بمكتب هندسي /الخبراء الدستوريين/ للوصول إلى أفضل مشروع ممكن فتم تحديد المكان والزمان.
اجتمع الملاك جميعاً وبعد مداولات ونقاشات واستشارات هندسية اتفقوا على أن بناء الأبراج في أرضهم هو المشروع الأمثل، كما سيكون مجدياً أكثر من بناء الوحدات السكنية المستقلة أو الفلل أو المراكز التجارية. وطلبوا من المكتب الهندسي رسم المخططات المطلوبة /مشروع الدستور/ وعرضها عليهم، وهذا ما تم فعلاً، وقد وافق جميع الملاك على المخطط الذي نص على أن البناء سيكون بناء برجي من 40 طبقة مع كافة الملحقات الأخرى، وبدأ المكتب الهندسي بالتنفيذ والبناء بناء على رغبة الملاك الذي صادقوا على المخططات /الدستور/.


بعد انتهاء البناء /شكل الدولة، الدستور/ هناك أمور يستطيع الملاك تعديلها في المشروع المشترك، وهناك أمور لن يستطيعوا تعديلها ابدأ، لأن ذلك يعني الهدم فقط، فمثلا لا تملك غالبية الملاك /الأغلبية العرقية أو الدينية أو السياسية... إلخ/ العدول عن الأبراج السكنية إلى الفلل لأن ذلك يعني هدم البناء بالكامل وخسارة كل شيء، ولكن يمكنهم كأغلبية الاتفاق والتصويت على تعديل بعض المواصفات رغماً عن إرادة الأقلية /الدينية، العرقية، والسياسية/ كلون البرج، على سبيل المثال، أو على مواصفات المصاعد، أو عدد الشقق في الطابق الواحد، أو تحويل الطبقات الخمس الأولى إلى فندق، أو تحويل الطوابق الأخيرة إلى صالة رياضة ومسبح... إلخ، أما هدم ما تم الاتفاق عليه وتنفيذه بالكامل فلا يجوز _تحت أية ذريعة_ وإن أصرّت الأكثرية عليه فهي ستتحمل تكاليف الهدم لوحدها. بمعنى إن اتفاق السوريين على مبادئ فوق دستورية، سيمكنهم من إشادة بناء قوي، سيتردد الكثير عن محاولات هدمه مستقبلاً، مكتفين بالتغييرات البسيطة، التي لن تؤثر على أساس وصلابة البنيان.


5. هناك سوابق تاريخية ناجحة، لشعوب كتبت دساتيرها بطريقة صحيحة وضمنتها مواد فوق دستورية، رغم أنها كانت تمر بظروف صعبة وحروب، قد تفوق بضراوتها الظروف والحروب التي تمر بها سوريا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تجربة كتابة دستور الولايات المتحدة الأمريكية، فقد عمل المؤتمر القاري منذ 5 سبتمبر 1774 حتى 1 مارس 1781، بوصفه حكومة مؤقتة للولايات المتحدة، واختير مندوبو الكونغرس القاري الأول (1774) ثم الثاني (1775-1781) إلى حد كبير من خلال أعمال لجان المراسلات في مختلف المستعمرات، وليس من خلال المجالس التشريعية الاستعمارية أو اللاحقة للولايات، كما أن تمثيل المجتمع للحكومات الاستعمارية الموجودة لم يكن بشكل رسمي، إذ مثّلته العناصر غير الراضية من الشعب، هؤلاء الأشخاص الذين كانوا مهتمين بما فيه الكفاية للعمل، على الرغم من المعارضة الشديدة من المواليين وعرقلة أو استياء الحكام الاستعماريين. كما أكدت عملية اختيار المندوبين للمؤتمر القاري الأول والثاني على الدور الثوري للشعب في المستعمرات في إنشاء مجلس حكم مركزي بإجماع الشعب، حيث امتلك المؤتمر القاري وحده خصائص السيادة الخارجية التي تجعل من الممكن أن يطلق عليها اسم دولة بالمفهوم الدولي، في حين أن الدول المنفصلة التي تمارس سياسة محدودة أو داخلية يمكن أن تعتبر من صنع المؤتمر القاري الذي سبقها ومهّد لوجودها، والدراسة التي قدمها الأستاذ نادر جبلي حول المبادئ فوق الدستورية كافية ووافية ويمكن الركون إليها كبوصلة نحو صياغة دستور جديد يليق بسوريا والسوريين.


6. لابد من توعية السوريين ورفع مستوى ثقافتهم الحقوقية، بشكل عام، والدستورية، بشكل خاص، على نحو يضمن المسار المتوازي بين ماسبق ذكره وأية مؤتمرات أو مداولات ونقاشات دستورية مستقبلية.


7. إن سلطة الأغلبية لا يجوز أن تكون مطلقة وإلا قادت للطغيان، والطغيان مرفوض حتى ولو مارسته الأغلبية، السلطة المطلقة هي عنصر غريب عن الديمقراطية، حتي لو كانت سلطة غالبية الشعب، ولا يجوز اختزال الديمقراطية في صندوق الانتخابات. فليس من حق أي حكومة في نظام ديمقراطي، حتى لو كانت انتخبت بغالبية 99، أن تمارس الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي في حق الأقليات، أو أن تحرمها حقوقها الأساسية.


ليفانت - محمد علي باشا ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!