-
اعترافات الأسد بعد عشر سنوات من الحرب
هذه المرة لم يصفق له أحد ولم يرفع أحد من الوزراء الحاضرين –الجدد منهم والقدماء– شعاراً كالذي رفعه أحد أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) قبل عشر سنوات عندما قال له: (قليل عليك أن تقود الوطن العربي وعليك أن تقود العالم يا سيادة الرئيس)، حينها ضحك الرئيس وضحك معه القوم وكانت هذه المقولة المستندة لعقلية الحكم لعقود من الزمن، هي بمثابة شرارة البداية التي أحرقت سوريا كدولة وشعب. الأسد
في الرابع عشر من آب/ أغسطس الجاري، ترأس الرئيس السوري بشار الأسد جلسة الحكومة السورية في دمشق التي أُعلن عنها حديثاً و ألقى كلمة تم نشر 33 دقيقة منها من قبل الإعلام السوري الرسمي.
في هذه الجلسة، وبعد عشر سنوات من الحرب، يعترف الأسد بعدة أخطاء ونواقص تم ارتكابها من قبل نظامه الحاكم، لأول مرة منذ تولي عائلة الأسد السلطة يتم استخدام مصطلح (الانتقال من المركزية إلى اللامركزية)، وذلك بعد فشل استراتيجية المصالحات التي كانت محافظة درعا المثال الأكثر وضوحاً في تطبيق هذه الاستراتيجية التي لم تؤتِ بالثمار التي كان يشتهيها الأسد. فباتت الأوضاع الحالية في درعا والسويداء أيضاً تشير إلى رغبة سكان تلك المناطق، بإدارة مناطقهم بأنفسهم بعيداً عن تسلط المركز عليهم.
كما إن تجربة (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) التي تحميها قوات سوريا الديمقراطية، باتت إنموذجاً لقدرة السكان المحليين على إدارة مناطقهم من دون الاعتماد على حكام دمشق، فهذه المنطقة حالياً لديها حكومتها المحلية التي تدير شؤون المواطنين ولديها جيشها المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك لديها جهازها الأمني والقضائي ونظامها التعليمي الخاص. وعلى الرغم من التهديدات والمخاطر التي تعرضت لها شمال وشرق سوريا، الا أنها أثبتت بأنها تجربة تستطيع الاستمرار والبقاء وتقديم ما يمكن تقديمه للمواطنين في ظل الحرب والحصار.
اعتاد المواطن السوري على أن منصب رئيس مجلس الوزراء غير مهم، حتى إن عدداً كبيراً من المواطنين السوريين كانوا وما يزالون يجهلون اسم رئيس الوزراء. الوزراء أيضاً ليسوا بأكثر حظاً من رئيس مجلسهم، فالوزراء في الدولة السورية مهمون فقط لأفراد عائلاتهم والحاشية التي تحيط بهم.
يعترف الأسد بالحقائق كما يقول من دون الغرق في التشاؤم والتفاؤل، فيقول لن يعود الوضع كما كان عليه في السابق ويستعمل عبارة (الظروف لن تسمح لنا) وهذه العبارة كانت غائبة تماماً عن خطابات الرئيس السوري فيما مضى.
عدم وجود شفافية في تعامل الحكومة مع المواطن وتغييبه بشكل كامل عن اتخاذ القرار، وتهميش الأرياف والأطراف لصالح المدن الكبيرة والمركز، الفوضى في عمل الوزراء والمسؤولين والعمل من دون منهجية، انعدام الاستراتيجية في العمل الحكومي، تهرب التجار الكبار من دفع الضرائب، وجود شبكات منظمة للتهريب وعدم قدرة الدولة على مواجهة التهريب، استشراء الفساد، وضعف أداء المؤسسات الإعلامية الرسمية وعدم نشرها ما يهم المواطن، كل هذه النقاط جاءت في كلمة الرابع عشر من آب.
(أصبح من غير الممكن للسلطة المركزية أن تدير البلد بشكل مركزي)، هكذا يقول الأسد، ويقرّ بانعدام القدرة على تطبيق القوانين التي صدرت من قبله كقانون الادارة المحلية وقانون الاستثمار.
منذ عقود من الزمن وبعد عشر سنوات من الحرب، تأتي اعترافات بشار الأسد على شكل كلمة في جلسة مجلس الوزراء، ليكون بالتالي أول رئيس سوري يعترف بجملة من الأخطاء الكبيرة، صحيح أنها جاءت متأخرة، ولكن كما يقول المثل، أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، ولكن قد يكون هناك من يقول أن تأتي متأخراً عليك أن لا تأتي أبداً.
الأمر الواقع يقول بأن سوريا أصبحت دولة لا مركزية من دون وجود أي نص دستوري أو مرسوم رئاسي أو قرار مركزي ينص على الانتقال إلى اللامركزية، لذلك فإن التحدي الأكبر الذي سيواجه الأسد في الأيام القادمة هو تطبيق ما قاله في الرابع عشر من آب.
قبل أن ينهي كلمته، يتوجه بنظره إلى الوزراء الجدد والقدامى ويقول الأسد: يجب على كل فاسد أن يشعر بالقلق في كل لحظة. وبحسب ملامح وجهه ونظراته، فهو يهدد الوزراء. وتهديد الرئيس للوزير في بلد مثل سوريا يعني أنه لا مفر، وهو بحد ذاته يعود بالجميع إلى المربع الأول وما جاء في بداية المقال بأن عدداً كبيراً من المواطنين السوريين يجهلون أسماء الوزراء ورئيس مجلس الوزراء كون هذه المناصب غير مهمة في عملية إدارة البلد التي يقود دفتها لحد الآن رجال الأمن المقربين جداً من الأسد.
ليفانت - محمد محمود بشار ليفانت
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!