الوضع المظلم
السبت ٢٣ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الأزمة الليبية بين القاهرة وأنقرة والدوحة.. انفتاح تكتيكي ومتغيرات في معادلات التسوية

الأزمة الليبية بين القاهرة وأنقرة والدوحة.. انفتاح تكتيكي ومتغيرات في معادلات التسوية
 رامي شفيق

ليس ثمة شك أن حالة الاستنفار العسكري بين الميلشيات المسلحة في الغرب الليبي وتنازع الولاءات بين السلطات ميدانياً، تعكس حالة الانسداد السياسي، من ناحية، ومن ناحية أخرى تعبر عن تعدد الأهداف الدولية ومدى انخراط الفاعلين الإقليميين على مسرح الأحداث، لا سيما فيما يتعلق بوضع الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب، وسعي رئيسها فتحي باشاغا للوصول إلى درجة من التوافق مع كافة الأطراف لتنصيبه رئيساً فعلياً على أرض الواقع. ومن داخل العاصمة الليبية طرابلس، على حساب حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، ورئيسها عبد الحميد الدبيبة.

على هذا النحو ينبغي قراءة كافة ما جرى خلال الأزمة الليبية منذ نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، وخلال هذا الشهر سبتمبر (أيلول) الجاري، من استخدام الأسلحة الثقيلة في الطرقات والأحياء السكنية بين الميلشيات وكذا زيارات قام بها الأول والثاني للعاصمة التركية، أنقرة، فضلاً عن الأنباء المتطابقة التي أشارت إلى الاجتماع الذي ضم عقيلة صالح وخالد المشري لحسم الخلافات حول القاعدة الدستورية بعد زيارتهما للعاصمة التركية، نهاية شهر تموز (يوليو) الفائت. الأمر الذي يمهد الطريق للإعلان عن موعد حاسم للاستحقاق الانتخابي والمؤجل منذ نهاية العام الماضي.

 فضلاً عن زيارة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى العاصمة القطرية، الدوحة، في لقاء يعبر عن مدى منسوب التغيرات الذي طرأ على الملف الليبي خلال الشهور الأخيرة، والانفتاح التكتيكي لكافة الفاعلين على مختلف القوى الوازنة في الداخل الليبي، سواء في الشرق أو الغرب.

يتزامن ذلك مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة، إذ تمثل القاهرة أحد أهم الأطراف الفاعلة في الملف الليبي. ومن خلال ذلك نستطيع القول إن الأوضاع في ليبيا والصراع بين القوى الميدانية والتمظهر المسلح لمعظم الميلشيات هو أحد أهم الملفات الساخنة التي سيتم مناقشتها في العاصمة القطرية، خاصة أن الأخيرة تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانب التركي الذي يتمتع بحضور عسكري ميداني في الغرب الليبي، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار ما جرى تداوله من معلومات متطابقة بأن المسيّرات التركية لعبت دوراً في الصراع الأخير بين الميلشيات، بغية تأجيل حسم دخول باشاغا نحو العاصمة الليبية طرابلس.

يبدو جلياً أن أغلب المحددات التي من خلالها تنطلق رؤى ومرتكزات القوى السياسية الفاعلة في الشرق الأوسط، عموماً، اعتراها بعض المرونة التكتيكية إزاء الأزمة الليبية، وتعقد الموقف السياسي وأهداف الأطراف الدولية والتناقضات فيما بينها والتقاطعات بين الفاعلين الإقليميين، القاهرة وأنقرة، من ناحية، وبعض الدول الخليجية، من ناحية أخرى. 

لا نستطيع بحسم أن نقبض على موقف ثابت من قبل كافة الأطراف الدولية والإقليمية صوب الصراع بين الحكومتين المتنازعتين في الغرب. فليس ثمة توجه حاد نحو قطع الصلة بحكومة الوحدة الوطنية والإقرار بكونها منتهية الولاية. وفي نفس الوقت ليس ثمة تأييد كامل لحكومة باشاغا. وعلى هذا النحو يبدو أن الجميع يرهن موقفه القاطع بجملة من الأهداف والمصالح الاستراتيجية التي تواجه تقاطعات لأهداف أخريات. وعبر ذلك كله تبدو حالة الإنسداد السياسي في الداخل تواجه سيولة في تحركات السياسة الخارجية لكثير من الأطراف الدولية والإقليمية التي ترتكز على مقاربة الأحداث وسخونة ملفاتها على محاور عديدة، لا سيما فيما يجري من الحرب الروسية الأوكرانية ومدى تداعيات ذلك على كافة البؤر الملتهبة.

قطر وهي تستقبل رئيس مجلس النواب الليبي ونجل المشير خليفة حفتر تدرك يقيناً أنها بذلك تعود مرة أخرى إلى واجهة الأحداث عبر ملف هام وحيوي في السياسة الدولية. كما أنه مؤثر في استقرار الأمن الإقليمي العربي ولافت في تأثيث التصورات التأسيسية لشكل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وحسابات القوة بين أطرافه على الميدان وأطرافه في المخيال السياسي المنظور. وذلك عبر الأزمة الليبية وما تمثله من قيمة نسبية في ملف الطاقة وسعر برميل البترول، وكذا أهمية الجغرافيا الليبية بالنسبة لأوروبا ومدى أهمية تحقق الاستقرار السياسي.

من هنا تبدو زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة القطرية تحمل جانباً كبيراً من الأهمية. إذ تضع القاهرة في بؤرة المتغير المرحلي الذي يضع الدوحة مرة جديدة في نقطة الضوء داخل نفق الأزمة الليبية، وفي حضور قوى الشرق الليبي الذي يحمل على كتفه مهمة تمرير حكومته المكلفة نحو العاصمة بموافقة دولية ورضا إقليمي. ولذلك قد يبدو من اليقين أن الوضع في ليبيا سيكون من بين أهم الملفات المطروحة على القمة المصرية القطرية ومدى الحاجة نحو الاستقرار في موقف إقليمي بشأن التنازع بين الحكومتين، خاصة وأن القاهرة طرحت موقفاً علنياً صوب حكومة الدبيبة -منتهية الولاية- غير مرة، بينما جاء آخرها حين انسحب وزير الخارجية المصري سامح شكري من اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير في القاهرة اعتراضاً على مشاركة المنقوش.

إلى ذلك، ثمة متغيرات في معادلات التسوية وطرح يسعى للتوافق بين الأطراف الفاعلة وجهود لسحب الأزمة الليبية من الاستقطاب الدولي نحو القوى الإقليمية. وقد يبدو ذلك منطقياً ومريحاً في الأذهان، خاصة وأن التحولات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية نحو الشرق الليبي لافتة في مسار الأحداث. الأمر الذي يمكنك من خلاله تصور أن تلك الأطراف الإقليمية يمكنها تمرير ذلك بيسر متى ما وقع بينهم التوافق على كافة الملفات العالقة والتي تتقاطع جميعها في آن واحد.

كل الاحتمالات قائمة وكافة السيناريوهات تحمل جانباً من الواقعية. بيد أن التحديات ضاربة في أعماق الأزمة تمسك بكافة تلابيبها ومن الصعوبة بمكان أن تحسم بقلب سليم إمكانية قبول الأتراك برئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا على حساب الدبيبة الذي يقدم كافة الترتيبات لاستقرار الثقل التركي في الغرب الليبي على كافة المستويات، عسكرياً سياسياً واقتصادياً. في المقابل قد يبدو من الواقعية السياسية سلامة موقف القاهرة وهي تدعم حكومة من اختيار مجلس النواب الذي يمثل الشرق الليبي المتاخم للحدود المصرية الليبية المشتركة.

ثمة مسار توافقي يمكنك أن تخط حروفه وتترقب أثره على الورق بأن تشهد الفترة القادمة مقاربات بين أطراف إقليمية ودولية وتوافقات بينية حول كيفية الخروج من ضيق التقاطعات نحو صياغة جديدة لسلطة تنفيذية تجمع كافة الأهداف المشتركة بين الأطراف الفاعلة، إقليمياً ودولياً، مما يسمح بالوصول إلى إخماد صوت السلاح والانتقال بسلاسة صوب الاستحقاق الانتخابي. بيد أن ذلك كله يرتهن بمماثلة الواقع وتطوراته للتصورات النظرية.

 

ليفانت – رامي شفيق

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!