الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الأزمة الليبية بين فرص الحل ومسار الدولة.. الحركة الآمنة فوق رمال متحركة

الأزمة الليبية بين فرص الحل ومسار الدولة.. الحركة الآمنة فوق رمال متحركة
 رامي شفيق

أرتال مسلحة، قطعت الطريق من مدينة مصراته قاصدة الوصول بعتادها نحو العاصمة الليبية، لجهة تأمين دخول رئيس الحكومة المكلف، فتحي باشاغا، طرابلس، وممارسة أعماله كرئيس للحكومة على حساب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. بيد أن حقيقة الأمر وواقعه أن الأرتال التي تحركت بالفعل على الطريق كانت تقصد رسم مشهد القوة والقدرة بخصوص اقتحام العاصمة، وفرض حضور الحكومة المكلفة بالأمر الواقع.

السيد فتحي باشاغا، في كلمته، خلال فيديو مصوّر، شرح وضع حكومته بينما ألقى مسؤولية تموضع حكومته حيز التنفيذ في قبضة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وكذا خريطة جهود الوساطة الإقليمية والدولية لتمكينه من أداء مهامه وسبيل رضوخ رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة لذلك، خاصة أن أغلب المواقف السياسية للدول الفاعلة اتسمت بالرمادية في ظل توتر الأوضاع الدولية واندلاع الأعمال المسلحة في عمق أوكرانيا وارتباك الجميع من تداعيات ذلك.

خطوة تحرّك الأرتال المسلحة هدفت في المقام الأول نحو تبيان القوة والقدرة على إشعال مسرح الأحداث للفت الانتباه نحو تأزّم الموقف في ليبيا. وعلى جانب آخر كان بياناً عملياً على واقعة خطف بعض وزراء الحكومة المكلفة أثناء سفرهم لأداء القسم الدستوري أمام مجلس النواب، وكذا قيام حكومة الوحدة الوطنية بفرض حصار على العاصمة من خلال قرار غلق المحال الجوي في البلاد، الأمر الذي يعتبر خرقاً لوقف إطلاق النار.

إلى ذلك يتحرّك باشاغا والدبيبة بحماس حول الاستحقاق الانتخابي ومسؤولية كل منهما عن تنفيذه في أقرب الآجال. غير أن الملفت في الأمر أن الأخير يحرص بشدة على إجراء الانتخابات البرلمانية دون الإشارة الى الرئاسية كتعبير واضح عن صراعه مع التشكيل الحالي لمجلس النواب وتأويله للقادم بأن يعبر من خلاله نحو كرسي رئيس الحكومة المعين، وضمان حقه في الترشح لمقعد الرئيس في الانتخابات الرئاسية.

حكومتان متصارعتان في الفضاء الليبي، كل منهما ترى أن حضورها ممتد بنصّ قانوني وتمتلك مجموعات أمنية مسلحة تلوح بها في وجه الآخرى، إذ يندفع سيناريو الانفجار المسلّح نحو الترجيح في لحظة يتراكم فيها اليأس والإحباط من سلبية الدول الفاعلة نحو فضّ الاشتباكات والارتباكات بين الأجسام المتصارعة.

مصادر مطلعة تحدّثت لكاتب هذه السطور عن مساعٍ أمريكية من خلال أنقرة لعقد جلسة تجمع الدبيية وباشاغا، على هامش منتدى أنطاليا جنوب تركيا، وذلك في محاولة للتفاهم فيما بينهما، ثم بحث سياق تسليم الحكومة ومباشرة مهامها من خلال العاصمة طرابلس. وإلى ذلك أشار السيد رئيس الحكومة المكلف بترحيبه بكافة الجهود السياسية من دول إقليمية لم يسمها في تسوية النزاع القائم، حيث قال في كلمة متلفزة بثّها عبر حسابه الشخصي الموثق على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: "نحن مستعدون لأي حوار، ونحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب. وهذا ليس من موقف ضعف، فمن يملك القوة هو الحليم والحكيم، ولا يستخدمها أبداً". كما شدد على أن أهم مهمة للحكومة الجديدة، إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأن حكومة الدبيبة "منتهية الولاية، ونزعت عنها الشرعية من مجلس النواب، وأصبحت محصورة في طرابلس، ولن تستطيع إجراء الانتخابات". وأردف: "لن تكون هناك أي حكومة موازية أخرى في أي مكان بليبيا".

ذات المصادر هي من ألمحت لكون اللقاء الذي جمع ببن رئيس الحكومة المكلف، مؤخراً، بالمبعوث الأمريكي إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، في العاصمة تونس، كان بغرض ترتيب كافة الأوراق اللازمة للجلسة المرتقبة مع عبد الحميد الدبيية في تركيا. بينما الأخير يتواجد فعلياً برفقة عدد من المسؤولين الليبيين في منتدى أنطاليا، منهم رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الحميد المشري.

من جهته أيضاً، واستباقاً لهذه المحادثات، اجتمع الدبيبة على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن، ورئيس هيئة الحكماء في منظمة الدول التركية بن علي يلدريم لنفس الهدف. ورغم الترتيبات السريعة التي تبتغي الابتعاد بالملف الليبي عن سخونة الأحداث خشية الانفجار، إلا أن تسوية ذلك النزاع لن يكون بالأمر اليسير الذي يبدو لامعاً في أعين المتفائلين؛ إذ إن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يتعلق حضوره في الفضاء الليبي عبر محفظة اقتصادية ومالية عميقة تبدو أصل الأشياء ومادتها الأولية، بينما يبدو الجانب السياسي مساهماً فيها ومعززاً لتأصيله ونفاذه في أركان الدولة ومشروعاتها.

ولذلك إرضاء الدبيبة وتعويضه بعيداً عن منصب رئيس الحكومة سيضحى أمراً مكلفاً وباهظاً لكافة الأطراف، فضلاً عن موقع الجهات الفاعلة الأخرى داخل معادلة التسويات، سيما المجلس الأعلى للدولة الذي نكص تكتيكياً اتفاقه مع مجلس النواب بخصوص التعديل الثاني عشر وتكليف باشاغا رئيساً للحكومة.

القاهرة والرياض تحركتا أيضاً في إطار الأزمة الليبية، بينما أصدرتا بياناً مشتركاً على خلفية الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة السعودية، وقد أكد البيان على ضرورة الحفاظ على أمن ليبيا، ووحدة وسلامة أراضيه، ودعم كافة الجهود نحو الوصول لحل سياسي، من خلال الأطراف الليبية دون تدخل أي جهات خارجية. كما ثمّن البيان أيضاً إجراءات مجلس النواب اللببي كونه الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن إرادة الشعب الليبي والمنوط بها منح الشرعية للسلطة التنفيذية وممارسة سلطة الرقابة عليها. كما أكد البيان المشترك على ضرورة إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة ودعم عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5 +5.

تركيا التي تتحرك منذ فترة تجاه التقارب مع الشرق الليبي ومراكز القوة هناك حيث مجلس النواب والجيش، وسعت حثيثاً نحو تطبيع علاقاتها مع القاهرة، لن تكون في موقف إيجابي وداعم للدبيبة الذي يختصم بالكلية مع المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، والمشير خليفة حفتر؛ حيث ترى أنقرة أنها تحركت قدماً نحو الأمام في سياق علاقاتها مع الأطراف الفاعلة في الشرق الليبي، وينبغي أن يكون الطرف الحائز على سلطة الحكومة يمتلك أيضاً التواصل مع كافة الأطراف في ليبيا، شرقاً وغرباَ. وذلك ما يبدو ماثلاً عند رئيس الحكومة المكلف فتحي باشاغا الذي تحرّك نحو هذا الهدف بزيارته لبنغازي، ولقاء المشير خليفة حفتر برفقة عدد من المرشحين المحتملين لمنصب الرئيس.

دور الوساطة الذي تضطلع به أنقرة بعيداً عن الاصطفاف نحو عبد الحميد الدبيبة ليس انحيازاً لرئيس الحكومة المكلف، بل هو السياق الذي تراه واشنطن يحقق مصالحها بعيداً عن مفاعيل الحركة الخاصة بموسكو، وفصل كافة الأطراف المرتبطة بالأخيرة في الشرق وعزلها عنهم، بحيث تضحى الأجسام السياسية الليبية، سواء في الشرق أو الغرب، على كلمة الولايات المتحدة، تتحرك من خلالهم بثبات بعيداً عن الارتدادات الروسية ومصالحها في هذه النقطة الاستراتيجية الهامة من الشرق الأوسط.

كل خطوة تمضي فيها الأزمة الليبية نحو فضّ الصراع والارتباك إلى الحلّ ومسار الدولة هو في بعض من جوانبه غوص صوب بحر من الرمال المتحركة، ولا سبيل للحركة الآمنة سوى بالتفاف القيادات الليبية والأطراف الفاعلة نحو تحقيق مستقبل آمن لبلادهم واحترام إرادة المواطن الليبي في إجراء وتنظيم انتخابات نزيهة وشفافة في أقرب وقت بعيداً عن أجواء المصالح وتقسيم المنافع.

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!