الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الأسد والتطبيع بحكم الأمر الواقع
عبير نصر

إذا كانت مآلات الثورة السورية كذلك، فإن هزيمة النظام السوري حتى الآن تعتبر ضرباً من الخيال، فالجهات الداعمة له تبذل جهوداً حثيثة ومتواصلة لضمان استمراره، والقضاء على أيّ محاولة لتصحيح مسار الحكم.

يعزّز هذه الحقيقة موقع "ستراتفور" (Stratfor) الأميركي، الذي قال إنه مع ازدياد عدد الدول العربية التي تحيي العلاقات مع الحكومة السورية بعد عقد من الحرب الأهلية، والمحاولات الفاشلة للإطاحة بالنظام السوري، وخروج سوريا ببطء من العزلة، فإن نجاح الأسد في التعامل مع الانتفاضة الشعبية ببلاده ربما يتحوّل إلى دليل على أنّ القوة خيار صالح للغاية لقمع التهديدات الشعبية لسيطرة الأنظمة في الشرق الأوسط. مؤكداً أن إذابة عزلة سوريا ليست المرة الأولى التي تكافئ فيها القوة بالمنطقة، بل تضيف إلى الاتجاه الذي سيظل فيه الحكم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحدّ السيف. في المقابل لم يتوقف قطار التطبيع مع نظام بشار الأسد رغم جهود بعض الدول، مثل أمريكا وقطر وتركيا، ودول أوروبية، عرقلته، إذ تواجه هذه الجهود توجهاً مضاداً يحثّ الخطى لإعادة تأهيل بشار الأسد وتعويمه وفق سياسة الأمر الواقع، وتقود هذه التوجهات روسيا بالإضافة إلى عدة دول عربية، منها الأردن والإمارات والجزائر. يأتي هذا في ظل تراخٍ أو عجز من مؤسسات المعارضة السورية الرسمية لمواجهة الموضوع.

مسيرة التطبيع هذه لا شك تمثّل مساراً متعرجاً تحكمه مساومات من وراء الكواليس، وتأذن بقص الشريط الحريري لبدء علاقات سياسية واقتصادية عربية، وربما أوروبية، بصبغة ودية، تمّ الإعداد لها بهدوء في انتظار خطوات تالية، ستنتقل، حكماً، من السرية إلى العلنية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقية والمنافع التي ستحققها هذه الدول من عملية الانفتاح على نظام ما يزال إلى الآن خارج دائرة الاعتراف الدولي، وما يزال غير قادر على الفعل في الساحة الإقليمية؟

ولا يخفى على أحد أنّ عام 2021 كان بمثابة ترويج لفكرة التطبيع مع الأسد، بدأها الأردن وعلى أعلى مستوياته السياسية، إضافة إلى الإمارات التي أوفدت وزير خارجيتها لإجراء مباحثات مع الأسد في العاصمة السورية، عدا عن النقاش بإعادة النظام إلى مقعده في الجامعة العربية ودعوته إلى القمة المقبلة في الجزائر، التي تقود حراكاً حثيثاً من أجل حضور دمشق في القمة المقرر انعقادها على أراضيها، إذ دعا الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إلى رفع التجميد عن عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. أكد هذه المساعي تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الذي قال إن الأشهر المقبلة ستشهد محاولة في اتجاه مشاركة سوريا في القمة العربية المزمع عقدها بالجزائر، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

هذا التطبيع يعزوه مراقبون إلى ضعف أداء المعارضة السياسية السورية خلال عشر سنوات، وإغراقها بتفاصيل عمل اللجنة الدستورية واجتماعات أستانا، دون التفاتها إلى ما يحصل من إعادة تدوير للنظام، وبالطبع يأتي ذلك مع تراجع حاد لموجة الربيع العربي وظهور الثورات المضادة التي تدعو لإعادة تعويم الأنظمة القمعية ودعمها. لكن مسار قطار التطبيع ظل مرتبطاً بالمواقف والتفاهمات الدولية حيال القضية السورية، وبسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصاً بعد قانون قيصر، الذي انتظر منه السوريون الكثير على صعيد إبقاء الدول على مسافة من النظام السوري، وكفّ يد إيران عن التدخل السافر في سوريا. في المقابل كل الدول المطبّعة مع النظام السوري حليفة مقربة للولايات المتحدة، وعادة ما تكون حذرة من إثارة غضب واشنطن وإثارة العقوبات، لكن يبدو أنها حسبت أن واشنطن لا تريد إحداث خلاف مع شركائها الإقليميين بشأن سوريا، وهي دولة لا تهتم واشنطن فيها بتحسين الحوكمة الكلية، وتركز بدلاً من ذلك في المقام الأول على التهديدات الأمنية في الشمال الشرقي لها. وقد صمدت حسابات الدول المطبّعة حتى الآن، إذ لم تشر الولايات المتحدة بعد إلى أيّ نية لفرض عقوبات رداً على هذا التطبيع. وفي الواقع، يبدو أنه حتى واشنطن تجد استثناءات في استراتيجيتها للعزل في سوريا، إذ تسعى بشكل حثيث إلى إعادة تشغيل خط الغاز العربي الذي تمّ إغلاقه منذ فترة طويلة، والذي يمتد من مدينة العريش المصرية إلى مدينة حمص السورية.

في ذات السياق، وفي إعلان غير رسمي من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، نقلت وكالات دولية عن قيادات داخلها، تصويتها بالإجماع على عودة علاقاتها مع النظام السوري بعد قطيعة علنية منذ عشر سنوات. وفي الحقيقة  شكّل تدخل إيران عسكرياً عام 2012 لحماية نظام الأسد من السقوط، وتسخير كل قدراتها المالية والعسكرية لذلك، أولى بوادر جفاء حركة حماس التي تأسست عام 1987 مع طهران. ونقلت الحركة حينها مقراتها وقياداتها خارج سوريا بعدما أعلن قادتها وقوفهم إلى جانب خيار الشعب الثائر. وعليه غادر رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك، خالد مشعل، عام 2012 مقر إقامته من دمشق إلى الدوحة، بعدما اتخذت الحركة منذ عام 1999 العاصمة السورية مقراً لها. ثم اعتباراً من عام 2016، بدأت الثورة السورية بالتراجع فعلياً من الناحية العسكرية، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي عام 2015، إلى جانب التدخل السابق للميليشيات الإيرانية والمدعومة منها إلى جانب قوات الأسد.

هذه المجريات، وتبدل الخريطة الدولية، دفع حماس لإعادة حساباتها فيما يخص العلاقة مع إيران، خصوصاً أنها خاضت حربين بعد عدوان "إسرائيل" على قطاع غزة، الأولى عام 2012، والثانية عام 2014. وفي عام 2017 صعد الجناح العسكري على حساب المكتب السياسي، مع عدم ترشح خالد مشعل لمنصب المكتب السياسي، إذ انتخب إسماعيل هنية رئيساً للمكتب، ويحيى السنوار قائداً للحركة في غزة. وبدأت الحركة خلال ذلك بترميم العلاقة تدريجياً مع إيران عبر سلسلة من اللقاءات والزيارات والتصريحات التي تحاول إرضاءها. لعل أبرزها، رثاء رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، لقائد "فيلق القدس" السابق في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وقال خلال مشاركته ونائبه صالح العاروري في تشييع سليماني في طهران إن "الشهيد القائد سليماني أمضى حياته من أجل دعم المقاومة وإسنادها.... إنه إذاً شهيد القدس (رددها ثلاثاً)".  

واعتباراً من عام 2019 مالت كفة النظام السوري بقوة عندما خرجت الكثير من الإشاعات والتسريبات عن اقتراب عودة علاقات "حماس" مع نظام الأسد بوساطة إيرانية، لكن الأخير نفى ذلك. ويمكن الجزم اليوم أنّ  إيران التي قدمت لحماس دعماً سياسياً وعسكرياً منذ تسعينيات القرن العشرين، تمتلك أوراقاً عدّة تمكنها من شدّ الحركة وبسلاسة شديدة لحضن النظام السوري. ولعلّ أدل مثال على ذلك أن حركة حماس أدانت في وقت سابق العدوان الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي، وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم: "إننا ندين ونستنكر العدوان الصهيوني المتكرر على الأراضي السورية، واستهداف البنى التحتية والمطارات المدنية".

صفوة القول هنا.. إن عودة علاقات حماس بالنظام السوري، وهي التي لم تنفك عن حلف المقاولة، تأتي من باب إضفاء شرعية على جرائم هذا النظام الطائفي، لا سيما وأن حماس ما زالت تحظى بتأييد شعبي عربي وإسلامي.

ليفانت - عبير نصر

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!