-
الإسلام السياسي يُوجّه أوروبا لدروب وعرة ومُنزلقات خطيرة
قضية شائكة، تكتسب القرارات فيها درجة عالية من الأهمية، لما يحمله فيها الخطأ من مخاطر، أو ما يحمله الصواب منها، من تبعات قد تغيّر مجرى الحياة لمجتمعات كاملة ضمن الدول الغربية، التي تسعى جهدها لتحتضن مختلف الشعوب والملل، بشرط ألا تتعدّى واحدة على أخرى، وتخضع جميعها لسلطة القانون الذي يحمي الجميع، ويُطبق على الجميع، دون استثناءات ذات خلفية طائفية أو إثنية، كما هي الحال عادة في الشرق. الإسلام السياسي
مُعادلة صعبة
تلك الرغبات والشعارات لم يعد تطبيقها صعباً في الشرق وحده، بل انتقلت الصعوبة إلى الغرب أيضاً، بالتوازي مع الانتقال الكبير للكثير من شعوب الشرق، وبالأخص من الشرق الأوسط، نتيجة ما تعيشه من حالة احتراب داخلي، لكن لم يكد الفارّون من تلك الحروب قد خرجوا من دوامة العنف، حتى بدأت تنظيمات الإسلام السياسي في المغترب بمحاولة فرض حرب جديدة عليهم، عمادها حماية أنفسهم من المجتمعات الغربية التي يحيون ضمنها، من خلال اختلاق انتماءات وذرائع ذات خليفة دينية طائفية بالمجمل.
اقرأ أيضاً: أردوغان والكرسي.. كل شيء للبقاء في السلطة
تلك المساعي، وإن كانت قد استترت بداية باسم الدين، مستغلّة التشريعات المقدمة من الدول المتحضرة، سرعان ما بدأت تتكشف إلى العلن، من خلال جهود تنظيمات الإسلام السياسي لوضع الجاليات المسلمة تحت عباءتها، بغية تشكيل رأي عام "إسلاموي"، ضمن مجتمعات علمانية في الغالب، وهو ما خلق حالة من عدم الاستقرار، ليس لدى المسلمين وحدهم، بل حتى لدى الشعوب والحكومات والأحزاب الغربية، التي سلكت طرقاً مختلفة للبحث عن الخيارات الأفضل لمواجهة التطرّف الديني، وهي هنا ليست بالضرورة صحيحة، كونها تواجه تحديات لم يجرِ ربما التنبؤ بها في أكثر السيناريوهات الخيالية اتساعاً.
تشدّد بمواجهة التشدد
ومع إدراك الغرب بأنّ الإسلام السياسي يسعى لوضع الإسلام الشعبي تحت إبطه والسير به حيثما شاء، وفق رؤية مشغليه من خارج الحدود الأوروبية، بدأت أصوات أوروبية مُناوئة بالصدور، مُعاكسة لتيارات الإسلام السياسي بالاتجاه، ومساوية له بالتطرّف والعنف إلى حدّ ما، ففي هولندا، تقدّم "حزب الحرية" اليميني المتطرّف، في التاسع من يناير الماضي، بـ"مبادرة" مثيرة للجدل، تنصّ على تأسيس وزارة لتولي مهمة "نزع الأسلمة" في البلاد، وذلك ضمن برنامج انتخابي مؤلف من أكثر من 50 صفحة.
اقرأ أيضاً: عفرين.. ثلاث سنوات من وهم الانتصار التركي-الإخواني
وأكدت الوثيقة سعي الحزب إلى "الحدّ من انتشار الأيديولوجيا الإسلامية"، وإغلاق الحدود أمام "الباحثين عن الحظ" والمهاجرين من الدول الإسلامية، بالإضافة إلى سحب تصاريح الإقامة الممنوحة إلى اللاجئين السوريين، مطالباً بتأسيس "وزارة الهجرة والهجرة المعكوسة ونزع الأسلمة"، ومشدداً على ضرورة حرمان حاملي الجنسية المزدوجة من الحق في التصويت، بجانب المُطالبة بإقامة مراسم رفع العلم الهولندي يومياً في مدارس البلاد، وحظر أيّ برامج تعليمية إسلامية، رغم إبقاء البند الـ23 للدستور، والذي يضمن حرية التعليم الخاص.
مُحاولات لضبط الإيقاع
ولم تقتصر تلك الدعوات المتشددة، التي أتت كرّد فعل على العمليات الإرهابية الدامية في دول أوروبية عدة، نفّذها إسلاميون متشبعون بالتطرّف من مناهل الإسلام السياسي، على بلد كهولندا فحسب، بل تعدّاه إلى سويسرا التي أوصت فيها الحكومة الناخبين برفض اقتراح سيطرح للاستفتاء، في 7 مارس القادم، لحظر تغطية الوجه بالكامل باستخدام البرقع أو النقاب الذي ترتديه بعض المسلمات، وقالت إنّ الخطوة ستضرّ بالسياحة.
اقرأ أيضاً: أوروبا تستفيق مُتأخرة على استغلال الإسلام السياسي لقوانينها
لكن استطلاعاً أجرته مؤسسة Tamedia الإعلامية، في الثاني والعشرين من يناير، أظهر أنّ غالبية السويسريين يؤيدون فرض حظر وطني على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ووفقاً للاستطلاع، فإنّ 63 بالمئة من 15 ألف مستجوب، قالوا إنّهم سيصوتون بـ"نعم" لحظر ارتداء غطاء الوجه في الأماكن العامة، ورغم أنّ الاستفتاء لا يذكر البرقع أو الحجاب صراحة، بيد أنّ كثيرين يرون أنّه يستهدف "اللباس الإسلامي"، وفقاً لما نقلته صحيفة "ديلي ميل"، فيما كررت وزيرة العدل، كارين كيلر سوتر، موقف الحكومة المعارض لفرض حظر وطني على ارتداء البرقع، مُشددة على أنّ هذا اللباس من النادر أن تتم مشاهدته في سويسرا.
الأيديولوجيات الإسلاموية
أما فرنسا، التي عانت ما عانته من مُحاولات للنيل منها خلال العام 2020، فقد صدرت أصوات مشابهة، إذ كشفت زعيمة اليمين الفرنسي، مارين لوبان، في التاسع والعشرين من يناير، عن مقترح قانون حول منع "الأيديولوجيات الإسلاموية"، حيث يسعى حزب "التجمع الوطني"، الذي تترأسه لوبان، إلى حظر "الأزياء الإسلاموية" في الفضاء العام، وعلى رأسها الحجاب.
اقرأ أيضاً: ومرّت ذكراك يا سليماني وأنت تنتظر الثأر.. وستنتظر طويلاً
فيما عدّ الوجه الثاني في "التجمع الوطني"، وهو جوردان بارديلا، بأنّ "الحجاب لباس متشدّد يسعى أصحابه للانفصال عن الجمهورية"، وذلك في وقت تنظر فيه الجمعية العامة الفرنسية في مشروع قانون حيال "الانعزالية"، والذي يطال بشكل خاص الإسلام المتشدد، بينما شدّد النائب في البرلمان الأوروبي، جان بول غارو، ضمن تصريح لصحيفة "لوفيغارو" أنّ مقترح القانون الجديد "لا يمسّ حرية الضمير"، كما أنّه "يمنع أي إظهار عام لأيديولوجيا تمثّل في حدّ ذاتها مشكلة كبيرة على النظام العام، وهو ما ينطبق أيضاً على النازية مثلاً.
إساءة بالجريمة المستوردة
ومن هولندا، مروراً بسويسرا وفرنسا، وصلت الدعوات المتشددة إلى إسبانيا، عندما حذّر حزب فوكس اليميني الإسباني، نهاية يناير، في تغريدة عبر تويتر، مما وصفه بـ"الأسلمة الخطرة لإقليم كاتالونيا"، والتي شجب فيها تزايد أعداد المسلمين المقيمين في ثاني أكبر منطقة متعددة الثقافات في إسبانيا بعد مدريد، منوّهاً أنّ المسلمين، "يمثّلون حوالي 0.2٪ من السكان وهم مسؤولون عن 93٪ من شكاوى الشرطة، ومعظمهم من المغرب العربي"، معتبراً أنّ الأمر "جريمة مستوردة"، وهو ما دفع توتير لحجب التغريدة، عقب اعتبارها له بأنّه "يثير الخوف ضد مجموعة من الأشخاص بسبب أصلهم أو جنسيتهم"، الأمر الذي أكدت تويتر أنّه "لا مكان له في خدمتهم"، فيما قالت صحيفة "يورو ويكلي الإسبانية"، إنّ عملاق التواصل الاجتماعي "تويتر" اشترط على الحزب "حذف التغريدة المهينة لإعادة تفعيل حسابه".
اقرأ أيضاً: نساء تركيا بين مطرقة الإهانة وسندان تشريعات (العدالة والتنمية)
وبغض النظر عما آلت إليه التغريدة، لكنها تكشف بلا أدنى شك مع باقي الإشارات القادمة من بلدان أوروبية أخرى، الدرك الذي وصلت إليه نظرة المجتمعات الغربية إلى اللاجئين المسلمين المقيمين بينهم، وهي إشارات وإن كانت موجودة سابقاً، لكنها لم تصل إلى هذا الوضوح والاتّساق المتوازي في عموم القارّة العجوز، ما يفتح الباب للتساؤل من الجاليات المسلمة حول الطرق والسبل التي يمكن من خلالها مواجهة الخطابات المتطرّفة القادمة من الجهتين، والأكيد إن كانت مهمات الحكومات الأوروبية ضبط الأحزاب ذات الروئ المتطرّفة، فإنّ مهمة الجاليات المسلمة تكمن في رفض التطرّف الذي تُحاول تنظيمات الإسلام السياسي وسمّ المسلمين به، عبر كل السبل المدنية المُمكنة في البلاد التي يقيمون فيها.
اقرأ أيضاً: (ملياراتنا مقابل السفينة الكورية).. القرصنة الإيرانية تصل للبحار
والأهم أن يدرك المسلمون أنّ مشكلة الغرب ليست معهم، إنما مع من يرغب في خطف وعيهم، وتجيير وجودهم في الدول الأوروبية لخدمة مشاريعهم التوسعيّة والعدوانية، التي ذاقت بلدان، كـسوريا وليبيا واليمن ولبنان، مراراتها، ولو أتيح لتنظيمات الإسلام السياسي ولداعميهم المجال، لربما أضحت دول أخرى كـمصر والخليج العربي أيضاً على قائمة المذابح المنتشرة يمنة ويسرة هنا وهناك في الشرق.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!