-
الاعتقال في الدراما السورية للموسم 2022
يعدّ الاعتقال في الحياة السورية ضريبة العمل السياسي المعارض منذ زمن بعيد، واستخدمته الدراما السورية في العديد من الأعمال حتى أصبح جزءاً من مسار بعض الأعمال الدرامية، وتؤكد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على حرية الرأي والتعبير، وعدم جواز احتجاز أي إنسان بدون إذن من القضاء في البلد الذي تجري به عمليات الاعتقال.
لكن الدراما لم تهتم في أي من الإجراءات القانونية التي أكدتها الدساتير في البلاد التي تقع فيها الاعتقالات نتيجة حالة الأحكام العرفية المطبقة في البلاد، بما تتطابق مع مواثيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وذاك يتطلب تقديم هؤلاء المعتقلين إلى القضاء المدني العادل، وليس إلى أي قضاء "عسكري، أمن الدولة، ومحكمة الإرهاب"، ويتوجب مع هذا القضاء السماح للمحامين الدفاع عن المعتقل، وهذا الأمر في بلدنا نادر الحدوث.
الاعتقال السياسي في الدراما:
لكل عملية اعتقال في عمل درامي مبررات وأسباب، ولا تأتي من فراغ، فيجب أن تكون هذه الأسباب واضحة أمام المشاهد لاكتمال عملية الاعتقال، فإذا كانت الشرطة المدنية في المخافر والأقسام غالباً ما يكون الاعتقال جرماً مدنياً، وإذا كانت الجهات التي تنفذ عملية الاعتقال الفروع الأمنية وإلى جانبها الجهة الأمنية السياسية في وزارة الداخلية يكون الاعتقال نتيجة أسباب ودوافع سياسية، وهذا ما يظهر في العمل الدرامي "مع وقف التنفيذ"، من تأليف علي وجيه ويامن الحجلي، حيث الشكل الذي تتم فيه عملية الاعتقال بتذكر إحدى شخصيات العمل "حليم زاهر، غسان مسعود" حملة الاعتقالات التي وقعت على إحدى الأحزاب السياسية في تسعينات القرن الفائت، إذ تعتقل أحد الشخصيات أثناء توزيع بيان "99" في بداية القرن الجديد وشارك في توزيعه (بشير الباري، يزن خليل)، ويقع في قبضة الجهات الأمنية التي يمثلها المحقق "برهان، غسان عذب"، ويورطه في الاعتراف على أغلب الموقعين على البيان لتبدأ حملة اعتقالات ومداهمات يعتقل فيها عدد من الموقعين على البيان، وتظهر السيارات البيضاء من نوع "بيجو، ستيشن"، وتنزل الدورية والضابط المكلف بالاعتقال على بيوت المطلوبين، ومع كل مداهمة يظهر بشير يؤشر على بيت المطلوب أو على المطلوب ذاته، وظهور بشير بالتتابع مع دورية الأمن حتى آخر شخصيات المعتقل حليم زاهر في ساحة حارة العطارين، ويأخذ السجان حليم أمام المحقق برهان إلى الزنزانة رقم (101)، وكانت الحلقة قد بدأت بعبارة للمفكر الإسلامي عبد الرحمن الكواكبي من كتاب طبائع الاستبداد، قال فيها: "إن تراكم الثروات المفرطة مولد للاستبداد ومضر بأخلاق الأفراد، وإن الاستبداد أصل كل فساد"، كتابة على شاشة التلفزيون، وبصوت المخرج سيف الدين سبيعي.
ولا تظهر أي لقطة للحظات الخروج من السجن، وعملياً كل لقطات الاعتقال هي "فلاش باك"، وبالأسود والأبيض من قبل حليم زاهر.
وتظهر عمليات الاعتقال السياسي في العمل الدرامي الكوميدي "الفرسان الثلاثة" للكاتب محمود جعفوري، والمخرج علي المؤذن، في أكثر من حلقة، إذ يجري اعتقال عضو الحزب "أبو عماد، أيمن زيدان" من قبل "عواد، خوشناف ظاظا"، وأخذه على الفرع حيث يفرج عنه من مكتب رئيس القسم (أبو كفاح) بعد تدخل أحد الشخصيات الأساسية "أبو زينون، عدنان أبو الشامات".
ويعتقل أبو عماد أكثر مرة في العمل، منها لأسباب سياسية في مناهضة الفساد، وتأسيس حزب سياسي جديد يعمل على ملاحقة الفاسدين، ويعتقل من حزبه المناضل (مرهف، جمال العلي) نتيجة هذه المواقف، وزواجه من ثريا التي تسرق أمواله مع أخيها.
وتتكرر اعتقالات "أبو عماد" لأسباب عديدة في حلقات المسلسل، ونتيجة عمله أمين مستودع للإطارات، والسرقة المتكررة للإطارات من المستودع، يقرر أن يحرس المستودع، يبلغ عنه المدير ليتم اعتقاله، ولا يخرج من السجن إلا بتدخل المحامي وشهادة بعض الموظفين أمام المحقق دون التحويل إلى القضاء.
بينما نجد في عمل البيئة الشامية (بروكار 1+2) من تأليف سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، حيث اعتقل كل الشخصيات التي تساهم في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، ورغم كل الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة لهم، ودفاع محام من الكتلة الوطنية عنهم، وحكم القاضي الفرنسي عليهم بالبراءة، والإفراج عنهم رغم كل ضغط ضباط جيش الاحتلال الفرنسي على طاقم القضاء في المحكمة، ولم يمرر هؤلاء الضباط الحكم، حيث نقلوا القاضي إلى فرنسا، واغتيل في ساحة القصر العدلي بدمشق. وتستمر عمليات المقاومة في الحي، بينما يحاول المحتل وأدواته من الشرطة المحلية المخفر اعتقال رموز المقاومة في الحي.
وحفل العمل الدرامي الاستعراضي "جوقة عزيزة" من تأليف خلدون قتلان، وإخراج تامر إسحاق، باعتقال عدد من المناضلين، وفي مقدمتهم شاب يتعذب لكي يقدم مسؤوله ومن يعرفهم للضابط السوري الذي يعمل مع البوليس الفرنسي، لكن الشاب يتلقى جولات التعذيب، الواحدة تلو الأخرى، دون أن يقدم أية معلومة عن الشبكة السورية الوطنية داخل سلك البوليس الفرنسي، وعندما يعذبه "الكابتن طارق، خالد القيش" يثني على صموده، وعدم بوحه بأي اسم، ويقول له: "الله محي البطن اللي حملك"، وهذا الفعل والصمود أمام جولات التعذيب نقيض الفعل الذي قام به "بشير، يزن خليل" في العمل الدرامي "مع وقف التنفيذ".
وإذا كان التشابه من حيث المضمون في صمود الفرد وعدم البوح، فإن مقاومة المستعمر الفرنسي هي الأساس، أما على صعيد مواجهة المحقق خارج دولة الاحتلال في أيام الحكم المحلي لسوريا، فقد فشل المناضل اليساري.
الاعتقال الجرمي في الدراما:
يظهر الاعتقال الجرمي في العديد من الأعمال الدرامية منها "الكندوش" من تأليف حسام تحسين بيك، وإخراج سمير حسين، حيث يعتقل (جواد، هفال حميدي) نتيجة اتهامه بفعل السرقة لإحدى البيوت في الحارة، لكن الفتاة التي تحبه تذهب إلى مخفر الشرطة في الحارة وتدلي بشهادتها، بأنه كان يحضر إلى البيت المهجور الخرب لكي يضع الرسائل لها، وبعد هذه الشهادة يفرج عنه.
أما العمل الدرامي "كسر عضم"، من تأليف علي معين صالح وإخراج رشا هشام شربتجي، حيث يتم اعتقال "بسام القصير، غزوان الصفدي" بسبب قتله للسيدة التي مارس معها الجنس، ولا يفرج عنه إلا بعد تدخل الواسطات، ومحام يدفع بالملايين لكي يعترف الزوج بقتلها ويحمل القضية.
وتجري عملية اعتقال في المدينة الجامعية بسبب توزيع المخدرات داخل غرف المدينة، وما كان يقوم به "سامر، يزن السيد" من تقديم الفتيات المقيمات بالغرف في المدينة الجامعية بوحدات البنات إلى الضباط والمسؤولين كهدايا لبعض الليالي، ويقوم الضابط (الرائد مروان، خالد القيش) بتعذيبه في بهو بناء الوحدة التي يدرها سامر، إذ أجبره على الانبطاح والزحف من درج الوحدة حتى بابها الخارجي. ويضاف إلى ذلك اعتقال فتيات بيت الدعارة، وبعدها اعتقال "البترونة أم وردة، رنا جمول"، وزيارة البنات لها وتخييرها بين إلغاء سند الأمانة أو البقاء في السجن والتحويل إلى سجن عدرا وعندها سوف تزورها البنات مع علب الحلاوة، لكن خيار أم وردة تمزيق سندات الأمانة والخروج من السجن.
إن الاعتقال في دراما 2022، جزء هام من خطوط أي عمل درامي الأساسية الذي لا يمكن الاستغناء عنه إذ كان البناء الحكائي الدرامي للعمل الدرامي يحتوي على خط درامي يتناول الاعتقال، كما في شخصية "حليم زاهر" في "مع وقف التنفيذ"، ومقاومة المحتل الفرنسي في "بروكار، عزيزة"، بينما تتنوع شخصيات الاعتقال بسبب الفساد في "كسر عضم، والفرسان الثلاثة".
فالاعتقال يقيم ضمن الخطوط الدرامية لأي مسلسل درامي سوري بعيداً عن الشكل العام الذي يقدم به في كل عمل درامي خاص.
ليفانت - بسام سفر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!