الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المسار الشائك للانتخابات الليبية.. شبح التأجيل أصبح أمراً واقعاً

المسار الشائك للانتخابات الليبية.. شبح التأجيل أصبح أمراً واقعاً
ليبيا

ما تزال ليبيا غارقة في حالة من عدم اليقين، وقتامة الصورة تفرض نفسها على الليبين مع بقاء أسبوع واحد فقط على الموعد الرسمي للانتخابات الرئاسية، إذ من المفترض أن يتوجه نحو 2.8 مليون ناخب ليبي إلى صناديق الاقتراع في 24 ديسمبر الحالي، لانتخاب رئيس للبلاد في أول انتخابات رئاسية ليبية في تاريخها الحديث.

القائمة النهائية للمرشحين لم تُنشر بعد، ولم تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية في ليبيا، وتم تأجيل نشر القائمة، التي كان من المفترض أن تعلنها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات الليبية (HNEC) قبل 15 يوماً في الأقل من موعد الانتخابات. وأعلنت المفوضية بتاريخ 11 ديسمبر الحالي تأجيل الإعلان عن أسماء المرشحين  إلى أجل غير مسمى.

يرغب الليبيون بأن تكون الانتخابات الرئاسية تتويجاً لعملية سياسية طويلة تمت بمراحلها المختلفة برعاية وسطاء دوليون وإقليميون وتحت رعاية الأمم المتحدة، بعد عقد من الفوضى التي أعقبت سقوط نظام العقيد مُعَمَّر القذافي في عام 2011. وأملاً بإنهاء الصراعات بين أفراد المكون الليبي، وعدم انقسامهم بين معسكرين متنافسين في الغرب والشرق.

وكون تأجيل الانتخابات الرئاسية أصبح أمراً واقعاً، يدور الحديث الآن عن السيناريوهات المحتملة للخروج من الأزمة الحالية قبل انتهاء مدة حكومة الوحدة الوطنية في 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري والابتعاد عن شبح الفراغ الحكومي التنفيذي.

حفتر/ أرشيفية
المشير خليفة حفتر/ أرشيفية

مع مرور أيام قليلة على الموعد الأصلي لإعلان المفوضية عن أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية، لا يزال قانون الانتخابات الجديد، الذي أُقر في سبتمبر، لا يحظى بتأييد إجماعي في البلاد. ولم يُمرر نص القانون الجديد من قبل البرلمان، بل تمت المصادقة عليه مباشرة من قبل عقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي وحليف أحد المرشحين الرئيسين، المشير خليفة حفتر، الذي يسيطر على الشرق وجزء من جنوب ليبيا.

ورُفض القانون المثير للانقسام بشكل ملحوظ من قبل العديد من القِوَى السياسية، بحجة أنه مصمم خصيصاً للمشير خليفة حفتر، لأنه يسمح له بالترشح للرئاسة ولكن أيضاً بالعودة إلى منصبه العسكري إذا لم يتم انتخابه.

اقرأ أيضاً: ليبيا.. الانتخابات وغيرها محور لقاءات ويليامز في بنغازي

بالإضافة إلى حفتر ودبيبة، فإن سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس السابق مُعَمَّر القذافي، والمطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "جرائم ضد الإنسانية"، من بين عشرات المرشحين للرئاسة. وكان قد رُفض ترشيح القذافي في البداية لعدم امتثاله لقانون الانتخابات، قبل قبوله بشكل نهائي.

الطريق الشائك للانتخابات

غرقت ليبيا في حالة من الفوضى بعد مقتل القذافي خلال انتفاضة 2011، بدعم من حملة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة والناتو. حينها توزعت السيطرة على البلاد بين عدد لا يحصى من المليشيات المسلحة. لسنوات. انقسمت فيها البلاد بين إدارات متنافسة في الشرق والغرب، تدعم كل منها مليشيات وحكومات أجنبية.

في أبريل / نيسان 2019، شن القائد العسكري في المنطقة الشرقية خليفة حفتر هجوماً استهدف السيطرة على العاصمة طرابلس وإسقاط الحكومة هناك. وردت تركيا وقطر بتكثيف دعمهما للميليشيات الموالية لطرابلس وتزويدها بأسلحة متطورة وتزويدها بقوات ومرتزقة سوريين. 

بعد 14 شهراً من القتال، أُعلن عن وقف لإطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة في أكتوبر 2020، وقامت مجموعة من الفصائل الليبية تسمى المنتدى السياسي بوضع خارطة طريق أدت إلى تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد حتى انتخابات 24 ديسمبر.

ترشح ما يقرب من 100 شخص، بيد أن مفوضية الانتخابات الليبية لم تعلن بعد عن قائمة نهائية بالمرشحين بسبب النزاعات القانونية، في تأخر عن الموعد النهائي للإعلان.

تثير 3 من الأسماء البارزة جدلاً قانونياً حول إمكانية ترشحهم، وهم نجل القذافي، سيف الإسلام، والقائد العسكري، خليفة حفتر، ورئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة. 

ترشح سيف الإسلام القذافي (العربية)
سيف الإسلام القذافي/ أرشيفية

أدى ترشح المشير حفتر، ونجل القذافي سيف الإسلام، إلى زيادة الاحتقان. وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد الشهري، إن "حفتر لن يحكم ليبيا أبدا".

كما أن نواباً عن المناطق الغربية، التي شاركت في الانتفاضة ضد مُعَمَّر القذافي، قالوا إن "أولئك الذين يؤمنون بإمكانية عودة ليبيا إلى عهد الديكتاتورية بعد كل هذه التضحيات هم واهمون".

وفي البداية، تعهد رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة بعدم التنافس في الانتخابات حينما تولى منصبه، لكنه غير رأيه الآن كما يبدو.

تعدّ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وحدها صاحبة القرار النهائي في قَبُول طلبات الترشح أو رفضها، وفقاً للمادة 2 من قانون رقم 1 لسنة 2021.

أمام المفوضية طريق شائك للبت بالطلبات وَسْط التجاذبات السياسية والعقبات القانونية التي تعترض أبرز ثلاثة مرشحين على الساحة الليبية.

تنص المادة 10 من القانون في الفَقَرة السابعة منها، على أنه "يشترط فيمن يترشح لمنصب رئيس الدولة ألا يكون محكوما نهائياً في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة".  وسيف الإسلام القذافي مدان بإعدام غيابي في محكمة بطرابلس عام 2015 في اتهامات بارتكاب جرائم حرب. كما أنّ المحكمة الجنائية الدولية التي مقرها لاهاي أيضاً تطالب باعتقاله بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".

فيما تسمح المادة 12 لكل مواطن سواء كان مدنياً أو عسكرياً متوقفاً عن العمل ممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وقد تخلّى حفتر عن مهامه، قيل أن يعلن ترشحه للانتخابات، لكنّ عقبة لأخرى تواجهه تتمثل باستحواذه على الجنسية الأمريكية.

 اقرأ أيضاً: المبعوثة الأممية إلى ليبيا: لا تهاون مع "الترهيب والاعتداء" على القضاء

في محاولة لإنقاذ الانتخابات، عين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدبلوماسية الأميركية، ستيفاني ويليامز، مستشارة خاصة له بشأن ليبيا. بعد أن أعلن جان كوبيش مبعوث الأمم المتحدة استقالته بشكل مفاجئ قبل الانتخابات المقررة 

تعمل وليامز، منذ وصولها إلى ليبيا قبل بضعة أيام بجهد كبير لئلا ينهار الاتفاق الذي كانت قد أشرفت على التوصل إليه، وتم بموجبه إقرار خارطة طريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الحالي.

سيناريوهات إجراء الانتخابات في موعدها أو التأجيل

كان من المفترض أن تتم الانتخابات الرئاسية الليبية، الهادفة إلى المساعدة في توحيد الأمة  الليبية بعد عقد من الحرب الأهلية، في غضون ما يزيد قليلاً عن أسبوع، لكن الدعوات تتصاعد من أجل تأجيلها مع خَشْيَة الكثيرين من أن يتحول أي من السيناريوهات، إجراء التصويت في موعده أو تأجيله، إلى انتكاسة مزعزعة للاستقرار الهش أساساً.

منذ ما يقرب من عام، كانت الانتخابات هي العمود الفقري للجهود الدولية لإحلال السلام في الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا.

ويخشى المؤيدون لإجراء الانتخابات في موعدها من حدوث فراغ خطير في حال تم التأجيل، بينما يحذّر منتقدو  إجراء الانتخابات في موعدها من أن المضي قدماً في التصويت الآن قد يدفع بالبلاد إلى أعمال عنف جديدة. حسب أسوشيتد برس

ويقولون إن ليبيا ما تزال منقسمة بشدة بين الفصائل المسلحة التي من المرجح أن ترفض أي فوز لخصومها في الانتخابات. خاصةً مع وجود بعض الشخصيات الليبية الأكثر استقطاباً للإشكاليات في السباق الرئاسي، بما في ذلك أحد أبناء القذافي، يجعله أكثر إثارة للانفجار.

ويقول أولئك الذين يطالبون بتأجيل الانتخابات إن انعدام الثقة بين الشرق والغرب ما يزال عميقًا ومتقلباً. فيما يتحدث مسؤول أمميون بإن الحكومة المؤقتة لم تكن قادرة على توحيد المؤسسات الليبية، ولا سيما الجيش، وتفكيك الميليشيات أو ضمان خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.

المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاتي وليامز
المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاتي وليامز

العديد من الليبيين يعتقدون أنه لو استمرت الانتخابات، فإنهم سيتخلصون من الآثار السلبية للماضي. لكن مع ترشح سيف الإسلام القذافي، الذي ظهر مرتدياً سترة بنية مثل والده عندما أعلن ترشحه من جينتان جنوب غرب طرابلس. يقول آخرون بأنه سيؤثر على الاستقرار النسبي للبلاد.

تشير صحيفة الإيكونومست في تقرير لها، بأنه في حال عدم فوز أي من المرشحين بأغلبية الأصوات، تنتقل الانتخابات إلى الجولة الثانية. وهذا يفترض أن الجولة الأولى ستحدث وسيتم احترام النتائج. لكن لا شيء مضمون. فقد حاول رجال اللواء حفتر منع القذافي الابن من استئناف قرار استبعاده لأول مرة كمرشح (عاد لاحقًا). كما أردا منتقدو  الدبيبة أن يُطرد من الانتخابات لمخالفته تعهده بعدم الترشح.

وتضيف الإيكونومست: "بمجرد إجراء التصويت، من غير المرجح أن تتوقف الميليشيا عن المناورة. تتمتع كل من القوى الأجنبية المتدخلة أيضاً بنفوذ كبير، ولم تُظهر حتى الآن سوى القليل من الاهتمام برفاهية الشعب الليبي العادي".

لكن الصحيفة تعود للتفاؤل مشيرة إلى السيناريوهات ليست كلها مظلمة. فليبيا غنية بالنفط والغاز ولديها عدد قليل نسبياً من السكان (7 ملايين)، وهي تقع عبر البحر الأبيض المتوسط ​​من المستهلكين في الاتحاد الأوروبي .. بصرف النظر عن التفكيك السياسي، لكنّ القادة العسكريون في طور التوحيد. وستيفاني ويليامز، الدبلوماسية الأمريكية التي وضعت خارطة الطريق الانتخابية، عادت إلى السلطة مرة أخرى. إنها تحاول إنقاذ الانتخابات لكنّ مهمتها صعبة.

اقرأ أيضاً: ليبيا.. القبض على عصابة خطف في بنغازي وتحرير 17 بنغالياً

من غير المؤكد ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية ستجرى في 24 ديسمبر/كانون الأول، كما هو مقرر. ولم يصدر تأجيل رسمي حتى الآن. لكن رئيس مفوضية الانتخابات في ليبيا، عماد السايح، أكّد أنه "ليست لدى المفوضية أي مشكلة فنية في إجراء الانتخابات بموعدها".

وكان قد دعا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ24 من ديسمبر حتى فبراير القادم، وسط تزايد الخلافات.

إعداد وتحرير عبير صارم

ليفانت نيوز_ أسوشيتد برس_ الإيكونومست_ فرانس برسمجلس النواب الليبي

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!