الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
التجربة البرلمانية للإخوان المسلمين في مصر
عبد الناصر الحسين

مفارقة عجيبة وقع بها الإخوان المسلمون منذ بداية تأسيس الجماعة، فالطرح النظري الذي اعتمدوه لا يشجع مطلقاً على الانخراط في الممارسات السياسية لما فيها من تشاركية مع «الطاغوت» وفقاً لأدبيات الجماعة. لكن الممارسة العملية للإخوان تختلف إلى حد بعيد عن الأطروحات النظرية المدونة في الكتب.. الكتب التي يجب على الصغار حفظها عن ظهر قلب ومسموح للكبار القفز عليها، فهم أدرى بمصلحة الأمة والجماعة.


لقد كان للإخوان المسلمين تجارب مختلفة في الحياة السياسية لا تخلو من «الدراما» في معظم الأحيان فلم يظهروا كرجال دولة بقدر ما حرصوا على الظهور كدعاة مسلمين، يؤذنون إذا حان وقت الصلاة، ويقترحون صندوقا للزكاة ويخطبون تحت قبة البرلمان بالمواعظ والإرشادات أحياناً. ليرسلوا إشاراتهم إلى حاضنتهم الشعبية بأنهم على العهد باقون.


منذ بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين وضع المؤسس «حسن البنا» أسس العمل السياسي للجماعة على أنهم ليسوا مجرد جماعة دعوية إسلامية، ولكنهم- في الوقت ذاته- هيئة سياسية، لكن ترجمتهم لهذا الطرح كانت ضيقة جداً، وكأن السياسة بمفهوم الجماعة هي الاقتراب من أقبية البرلمانات والمشاركة بالسلطة، الأمر الذي أسس لفكرة «طبع الجماعة بطابع المناصبية».. بمعنى آخر أن سياسة الإخوان المسلمين التي يطبعونها بطابع «الربانية» هي المزاحمة على المناصب واستغلال أي ثغرة في المجتمع لبلوغ الصفوف الأولى.. قد يقول قائل: وما العيب في هذا؟.. أليس من حق الجميع المشاركة في السلطة؟.


العيب في هذا الأمر هو أنه في الوقت الذي يلقِّنون كوادرهم فكرة «العزلة الشعورية» و«استعلاء الإيمان» على اعتبار أن «المجتمعات جاهلية» نراهم يقتربون من مواقع السلطة التي يفترض- وفقاً لهم- أن تكون أكثر جاهلية!. والعيب الآخر في الأمر هو حصرهم لمفهوم السياسة بسياسة الوصول إلى السلطة.. حتى قال منتقدهم: «إن جماعة الإخوان المسلمين لا يفهمون من السياسة إلا طرق الوصول إلى المناصب حتى إذا ظفروا بها وجدتهم كالصبيان في فنون السياسة وسرعان ما يسقطون متهمين الآخرين بإفشالهم»..


لكن هناك ما هو أعيب من كل ما ذكر ألا وهو: إفلاس الإخوان المسلمين في ميادين العمل الفعلي. متباهين بأعمال غيرهم على الساحة، لينسبوا الفضل لهم، تطبيقاً للمثل الشعبي: «القرعة بتتباهى بشعر بنت أختها».. فأنت لا تجدهم في «العمل الدعوي» لكنهم يفتخرون بمن هو على ساحة الدعوة وكأنه رصيد لهم.. ولا تجدهم في «ساحات الجهاد».. ليس لأنه جهاد مشبوه، لكنهم يطبلون ويصفقون لكل من حمل السلاح، وقال: «الله أكبر» حتى لو كان يقتل الشعوب.. ورجال الشرطة والأمن.. ولا يشاركون في الأعمال الثورية السلمية.. لكنهم يراقبون من خلف الشقوق «إلى أين تتجه الكفة» ويرصدون اللحظة التي يقطفون بها ثمار جهود الآخرين.


لقد كانت أبرز محاولات الإخوان المسلمين في الانخراط في البرلمانات المختلفة تجربتهم في مصر العربية حيث شاركت جماعة الإخوان المسلمين في العمل السياسي منذ عام 1942م مشاركات عديدة، ومرت هذه المشاركات بمراحل من القوة والضعف وأحيانا المقاطعة، كما مرت بتحالفات مع بعض الأحزاب السياسية.


في فبراير عام 1942م كانت المشاركة السياسية الأولى للإخوان في مصر، حيث ترشح المرشد العام «حسن البنا» في «دائرة الإسماعيلية» لمجلس النواب المصري، فعمل «النحاس باشا» على مفاوضة البنا ليتنازل عن ترشحه وإلا حُلت الجماعة، فوافق البنا على الانسحاب بشروط، أهمها: إحياء الأعياد الإسلامية، ولا سيما مناسبة المولد النبوي. وإلغاء مظاهر التبرج، ومنع الخمور.


وفي أواخر عام 1944م ترشح «حسن البنا» في دائرة الإسماعيلية، وعدد آخر من قيادات الإخوان في دوائر أخرى، لكن الإخوان لم يفوزوا بأي مقعد.


وبعد ثورة 23 يوليو 1952، رشَّح مكتب الإرشاد ثلاثة من أعضاء الجماعة، ولكن الرئيس «جمال عبد الناصر» رفض معظم الأسماء التي رشحها مكتب الإرشاد. ففي حقبة حكم «عبد الناصر» لمصر وحله للإخوان المسلمين لم تعد تمارس الجماعة العمل السياسي إلى أن أتى الرئيس «محمد أنور السادات» إلى الحكم.


وفي انتخابات 1976م، نجح للإخوان الشيخ «صلاح أبو إسماعيل». أما في عام 1979م فقد نجح للإخوان مرشحان: الشيخ «صلاح أبو إسماعيل»، والحاج «حسن الجمل».


وخاض الإخوان الانتخابات في مصر عام 1984 وفازوا  بـ 6 مقاعد ضمن تحالف «الوفد والإخوان» إلى أن حكم بعدم دستورية قانون الانتخابات، وتمَّ حل المجلس بداية عام 1987م.


وفي عام 1987م دخل الإخوان البرلمان ضمن التحالف الإسلامي «الإخوان، وحزب العمل المصري، وحزب الأحرار» تحت شعار «الإسلام هو الحل»، ورشح الإخوان على قائمة التحالف النائب القبطي «جمال أسعد عبد الملاك» وفاز ليكون أول قبطي يدخل البرلمان بالانتخاب منذ عودة التعدّدية في مصر.


وفي عام 1995 رشح الإخوان 150 مرشحا ولم ينجح منهم أحد إلا نائب واحد هو «علي فتح الباب».


وفي عام 2000م فاز الإخوان بـ 17 مقعداً في مجلس الشعب، وفي عام 2005 م رشح الإخوان في مصر 160 مرشحاً تحت بند «المستقلين» فاز منهم 88 مرشحاً، ليصبحوا أكبر كتلة معارضة في مصر.


وفي 19 مارس 2007م قام «الحزب الوطني المصري» بتعديل 34 مادة من الدستور المصري وإضافة مادة لا تجيز مزاولة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني.


وبعد ثورة 25 يناير أسس الإخوان المسلمون في مصر حزب «الحرية والعدالة» يوم 6 يونيو 2011، لخوض الانتخابات البرلمانية إلى جانب «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» وقد فاز الحزب والتحالف بأغلبية كبيرة 47% عام 2012، ولكن في 14 يونيو صدر حكم الدستورية العليا في مصر بحل مجلس الشعب.


وفي 16 يونيو 2012م، أعلنت نتائج جولة الإعادة فوز «محمد مرسي» عضو «مكتب الإرشاد» ورئيس «حزب الحرية والعدالة»، بمنصب رئاسة الجمهورية المصرية. لينجح الإخوان في الوصول إلي الحكم بعد84 عاما من تأسيس الجماعة، جاء ذلك بعد أشهر من إطلاق الإخوان لوعد بعدم ترشيح أي من أعضاء الجماعة لمنصب الرئاسة.


لكن حكم الإخوان «الحلم» لم يدم لأكثر من عام واحد لأسباب لا مجال لذكرها مع التأكيد على أن الإخوان المسلمين الذين كانوا يقومون ببعض المراجعات والتوبات سابقاً باتوا مختلفين اليوم بعد أن وجدوا دولاً تدعمهم هي «تركيا وقطر».


 عبد الناصر الحسين.

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!