-
التعاطف الانتقائي مع ضحايا كورونا
على الرغم من أن فايروس كورونا المستجد لا يفرّق بين ضحاياه، إلا أننا، أسوةً بوسائل الإعلام التي نتابعها، نفعل ذلك بالتأكيد، ونميّز بينهم تبعاً لأهوائنا، فيما يكاد يكون تعاطفاً انتقائيّاً، يتجلّى بوضوحٍ في منشوراتنا على مواقع التواصل الاجتماعي على أقلّ تقدير. مع ضحايا كورونا
يتسبّب الفايروس، منذ ظهوره في الصين منتصف كانون الأول الفائت، بموت المئات حول العالم يومياً، وتتّسع مساحة انتشاره، على الرغم من كل الإجراءات المشدَّدة التي تمّ اتّخاذها من قبل حكومات الدول الكثيرة التي وصل إليها الوباء. أعداد الوفيات والإصابات الكبيرة، نشرت الذعر، لا من المرض وتداعياته على الصحة الجسدية فقط، بل من انهيار الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية التي اعتدنا عليها، وظهور أنماط حياتية جديدة تتماشى مع الوضع الراهن، الذي قد يطول أكثر من المتوقَّع، كما بات الخطر يهدّد كذلك الحياة السياسية لكثيرٍ من أصحاب القرار، الذين اتُّهموا بتجاهل الوباء، أو التقصير في احتوائه، وفي بعض الأحيان استثماره.
في خضمّ ذلك، لا يبدو مستغرَباً أن يظهر خبر إصابة أحد المشاهير في الأخبار بشكلٍ منفرد، فيما يُحشَر آلاف المصابين الآخرين برقم واحد، كما لو أنه مؤشِّر في الأسواق المالية، وهو ما عانينا منه كسوريين كثيراً كلّما تطرّقنا إلى ملفي الشهداء والمعتقلين، واختزلناه بعبارة تردّدت كثيراً منذ تسع سنوات "لسنا مجرد أرقام".
لكن، حتى نحن كمتلقّين، لا نجد غرابة في ذلك الآن، وكأنه من الطبيعي أن يطال المرض أو الموت الناس "العاديين"، أو كأن أجهزتنا التنفسية والمناعية تختلف عن تلك التي يمتلكها الممثل الأمريكي توم هانكس، أو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونتناسى حينها أن هؤلاء يمتلكون من الثروة والسلطة ما يسمح لهم بتلقي العلاج الملائم، الذي ربما تضاهي تكلفته مصاريف مركز طبي في إحدى المناطق المنكوبة في القارة الإفريقية المسلوبة لعدة أشهر.
على نطاق أوسع، نختار كيف نتعاطف مع الضحايا أو الدول التي تفشى فيها الوباء وفقاً لمعاييرنا الخاصة التي ساهم في تشكيلها ما اكتسبناه من صور نمطية، أو من خلال الربط بين الإصابة وهوية الضحية أو انتمائها، وفي بعض الأحيان شكلها.
قد يبدو من المنطقي أن ينتشر عبر العالم هذا التضامن الواسع مع ما آلت إليه الأمور في كل من إيطاليا وإسبانيا تحديداً، بالنظر إلى حصيلة الوفيات والإصابات التي تسبّب بها كوفيد19، إلا أن تلك المشاعر قد لا تكون موجَّهة إلى هؤلاء باعتبارهم ضحايا لمرض قد يطالنا جميعاً وحسب، لا سيّما وأننا نشهد دوماً موت الآلاف في كثير من الدول، لأسباب متعددة، كالحروب والفقر والأمراض المعدية وغيرها، لكننا لم نُظهِر هذا القدر من الاهتمام والتعاطف، لذا أميل للاعتقاد أننا حزينون لأن الموت في هذه المرة وصل إلى ما أحببناه في الماضي، وما كنا نتمناه في المستقبل، أي أننا قرّرنا أن نتعاطف مع إيطاليا وإسبانيا، لأننا نتعاطف مع أنفسنا، مع ما نحبّه؛ أندية كرة القدم واللاعبين، الأوبرا الإيطالية والفلامينغو الإسباني، الأفلام والمسلسلات التي شاهدناها مراراً، وبالطبع معايير الجمال التي وجّهت رغباتنا وأحلامنا الجنسية. مع ضحايا كورونا
في الواقع نحن نستجرّ في عزلتنا الأشياء الجميلة التي تشاركناها مع أشخاص نفتقدهم، ونخشى أن تموت تلك اللحظات التي تمدّنا بالحياة بعد الخسارات التي تكبّدناها، أي أننا، حتى فيما يُفترض به أن يكون إنسانياً، نتحيّز إلى ذواتنا الهشّة، وإلا كيف يمكن فهم أنه في الوقت ذاته، منعنا أنفسنا من التعاطف مع ضحايا آخرين في دول أخرى، كالصين، لأنها تصدر لنا الأوبئة والبضائع الرديئة، أو إيران، لأنها دمرت سوريا والعراق واليمن، أو الولايات المتحدة، التي تتبجّح بجبروتها العسكري والاقتصادي.
باختزال، نحن لا نقدّم تعاطفاً مجانياً، ومقاييس التمييز لدينا قد تحتلف عن تلك التي تتضمّنها القوانين، لكنه يبقى تمييزاً، نبرّر له، وندافع عنه، لأننا ندافع عمّا نحن عليه، وعمّا بقي يربطنا بهذا العالم المتوحّش. ليفانت
ليفانت - بشار يوسف
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!