الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • التوبة التركية لمصر.. ومهمة القاهرة التاريخية في ليبيا وسوريا (2)

التوبة التركية لمصر.. ومهمة القاهرة التاريخية في ليبيا وسوريا (2)
مصر وتركيا

التقرير تتمة لتقرير سابق بعنوان: أردوغان يطلب الغفران من مصر.. مُعلناً انكسار العثمانية الجديدة (1)


كل التصريحات التركية الزاعمة لعودة العلاقات مع القاهرة، قوبلت بهدوء مصري، وتريث عميق، ليأتي الرد لاحقاً عبر مصدر "رسمي"، في الثاني عشر من مارس، ضمن تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط، قال فيها بأنّه "ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه توصيف "استئناف الاتصالات الدبلوماسية"، وذلك في أول تعليق على إعلان أنقرة "استئناف الاتصالات الدبلوماسية مع مصر".


وتابع المصدر المصري الرسمي، حينها، أنّ "الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي"، موضحاً أنّ "مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكفّ عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة".


مصر وتركيا


أردوغان قد يكرّر اعتذاره لبوتين مع السيسي


ولا يبدو أنّ مشهد اعتذار أردوغان لبوتين بعيد عن التكرار في مصر، رغم كل العنتريات التي أظهرها أردوغان على مدى سنوات، فأردوغان الذي توجه إلى موسكو للاعتذار من بوتين عقب إسقاط طائرة روسية في سوريا العام 2015، جاهز لفعل ذلك وربما أكثر، كي يصفح السيسي عنه، وهو ما أكده في الثاني عشر من مارس، عندما انضم لجوقة المسؤولين الأتراك المتهافتين لمصالحة مصر.


اقرأ أيضاً: كُلّ مَن يُعارض أردوغان (إرهابي).. مُثقفاً أكان أم أمياً


إذ قال حينها: "هناك اتصالات استخباراتية ودبلوماسية وعلى صعد أخرى مع الجانب المصري"، مضيفاً: "نريد أن تستمرّ هذه الاتصالات على مستوى وإذا وصلت إلى نتائج إيجابية سنقوم بتقويتها ورفع مستواها"، زاعماً أنّ "الصداقة بين الشعبين المصري والتركي لن تكون مثل العلاقات بين الشعبين المصري واليوناني".


شروط مصرية للمصالحة


وقد قال، بالتزامن مع تصريح أردوغان، مصدران في المخابرات المصرية إنّ مسؤولاً أمنياً مصرياً تلقّى اتصالاً من مسؤول في المخابرات التركية، أعرب فيه عن رغبة الجانب التركي في عقد اجتماع بالقاهرة لبحث التعاون الثنائي، وأضاف المصدران لوكالة "رويترز" أنّ المسؤول المصري رحب بالدعوة ووعد بالرد في أسرع وقت ممكن، وذلك في أعقاب اتصالات غير رسمية بين مسؤولين أمنيين مصريين وأتراك لبحث سبل التواصل بين الجانبين.


لكن المصريين لن ينسوا بهذه السرعة التدخلات التركية في أزمات البلاد العربية، وتورّط أنقرة في سفك دماء السوريين والليبيين والمصريين وغيرهم، إذ عقب النائب والإعلامي المصري مصطفى بكري على التصريحات التركية، وقال في تصريحات لقناة روسيا اليوم: "أظنّ أنّ فصول المؤامرة التركية تجلّت بشكل واضح في ليبيا وسوريا والعراق، وهو ما يؤكد أنّ المطامع التركية لن تقف عند حدّ".


اقرأ أيضاً: أنقرة تفشل في تقمّص دور الضحيّة.. وتستذئب مجدّداً بالمتوسط


وبيّن: "لذلك فمن وجهة نظري قبل أن تطالب تركيا بعودة العلاقات مع مصر، عليها أولاً أن تثبت حسن نيتها بخطوات عملية على الأرض بتسليم جميع العناصر المطلوبة قضائياً في مصر على ذمة قضايا عنف وإرهاب وكثير منهم صادر بحقه أحكام جنائية"، مستكملاً: "عليها أيضاً وقف المنابر الإعلامية التحريضية ضد مصر والتي تبثّ من تركيا، وسحب كل المرتزقة التي أرسلتهم إلى ليبيا والكف عن التدخل في شؤون الدول العربية، مثل سوريا وليبيا.. فإن قامت بتلك الخطوات هنا فقط يمكن الحديث عن بدء عملية مصالحة مع مصر، أما غير ذلك فلا يمكن وصفه بعودة العلاقات أو عملية مصالحة والأمر لا يتعدّى فقط التنسيق في بعض الأمور".


فيما قال اللواء تامر الشهاوي، عضو مجلس النواب المصري السابق وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي: "ما بين الأقوال والأفعال نحن نرصد الأفعال، وإذا لم يكن التصريحات التركية متوافقة مع السياسات فإنّ تلك التصريحات لا يصبح لها أهمية"، مردفاً: "اعتدنا على تصريحات من هذا النوع من الجانب التركي خلال السنوات الأخيرة، والموقف المصري واضح، ففي حال أظهرت إرادة التحرّك بأجندة إيجابية في القضايا الإقليمية، فإنّ مصر مُستعدّة للتجاوب مع ذلك".


اقرأ أيضاً: تركيا وبايدن.. مُحاولات عاثرة لإصلاح ما أفسده أردوغان


وأكد الشهاوي: "إذا لم تتحرّك تركيا في هذا الاتجاه الإيجابي، تصبح كل الادعاءات التي تتحدث عن تقارب هي تصريحات كاذبة، وفي حال تحركها تكون تركيا قررت تحويل دفتها للتعاون مع مصر باعتبار مصر الدولة المحورية الكبرى في المنطقة وحاضرة بقوة في كافة الملفات، وهو ما يحتمل معه أن تكون تركيا ارتأت أن تكون مصالحها مع مصر وليس ضد مصر".


أنقرة والتملص من الإخوان المسلمين


وبحسب تقرير تحليلي لوكالة VOA الأميركية، فقد كان دعم أنقرة للإخوان المسلمين خلال "الربيع العربي"، محورياً لأهداف أيديولوجية إلى حدّ كبير، وأشار المحللون إلى أنّ أردوغان يبحث عن طريقة لإعادة هذه السياسة إلى الوراء، وقال حسين باجي، من معهد السياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث في أنقرة: “لقد كان من الخطأ دعم الإخوان المسلمين لكن الحكومة (التركية) تدرك الآن أنّ الإخوان المسلمين ليس لديهم أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى، لذلك لا يمكننا الاستمرار في هذه السياسة”.


اقرأ أيضاً: زيارة الحريري لـ أربيل.. نار تكوي وجدان الكُرد السوريين


وأضاف باجي: “لكن كيفية الخروج من هذه السياسة الخاطئة علناً هي مشكلة أردوغان.. فلا يمكن لتركيا أن تقول رسمياً إنّنا سوف نتخلّى عن دعم الإخوان المسلمين.. أردوغان لن يقول ذلك رسمياً، لكن ربما ببطء سيتحرّك من موقفه الرسمي المتمثل في مناهضة الرئيس المصري”، ولفت التحليل الأميركي إلى أنّ أنقرة أدركت أنّ عودة الإخوان إلى السلطة انتهت، وأنّ الجماعة أصبحت من الماضي، وبالتالي حان الوقت للتخلص من إرث التنظيم الذي تحالفت معه، وبحسب التقرير، لقد دفعت تركيا ثمناً باهظاً لتنفير مصر وفي خطوة أضعفت أنقرة، وقعت القاهرة، العام الماضي، اتفاقية مع اليونان المنافسة لتركيا لتطوير البحر الأبيض المتوسط.


موقف مصر يتجاوز قضاياها المحليّة مع تركيا


في حين اتّسم الموقف الرسمي المصري بالثبات، كونه يتمتع بالقوة، وهو ما يفرض على من يستجدي مصالحة مصر الانصياع لمطالب القاهرة، وذلك ما شدّد عليه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في الرابع عشر من مارس، إذ ذكر: "إذا ما وجدنا هناك تغييراً في السياسة التركية تجاه مصر وعدم تدخل في الشؤون الداخلية وانتهاج سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، قد تكون هذه أرضية ومنطلقاً للعلاقات الطبيعية".


اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون والأجندات التركية.. استبعاد الكُرد كأولوية


وأخيراً، ينبغي القول إنّ مصر من الدول العربية المحورية، التي لها ثقلها، ومن المهم التذكير بأنّ منح أي فرصة للجانب التركي للعودة إلى تجبره كما حصل سابقاً، لن يحمي مصر مستقبلاً من أي هجمات تركية مضادة، وهو ما يستوجب على القاهرة التأكيد على نقاط أساسية لا ترتبط بمصر وحدها، بل بمحيطها الإقليمي، وعلى رأسها مطالبة أنقرة بالانسحاب الكامل غير المشروط من ليبيا وسوريا، وقطع التمويل والتسليح عن مليشيات الإخوان المسلمين هناك.


وهو ما سيسمح لشعبي البلدين من إدارة نفسيهما، بعيداً عن المحرقة التي أوقدتها أنقرة وذكتها على مدار سنوات بالطائفية والعنصرية والخطابات العدائية، فمهمة مصر تاريخية، وشعبا سوريا وليبيا بانتظار مناصرتها لهما، كنشر قوات عربية مشتركة من بلدان عدة كـ(مصر والسعودية والإمارات)، على كامل الشريط الحدودي شمال سوريا، بما يضمن سدّ الذرائع التركية، ويحمي حدود سوريا من الاقتطاع والقضم على شاكلة لواء إسكندون.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!