الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحرب لن تقصِي سورياً نجا منها
هند بوطو جديد

هند بوظو - كاتبة و صحفية سورية 


مهرجان الفن نور الحضارات – اسطنبول 2019

" في الفن كما في الأخلاق لا يحدث الإلهام بأعجوبة فجائية, وإنما هو رأس مال يتجمّع تدريجياً "

لم ولن تكون الحرب في سوريا أمراً هيناً على السوريين عامةً, والفنانين على وجه الخصوص... ستنعكس بأشكال واسعة الطيف علينا جميعاً.


يقال: الفنان كتلة مشاعر وأحاسيس مرهفة لها عين ثالثة ترى ما لا يراه غيره .. سريع التأثر وسريع الغضب، ولكنه أيضاً قادر على ترميم ما تكّسر به وتصدّع.

في اسطنبول وكما في كل بلد تهجّر إليها السوريون.. لم يمضِ وقت طويل ليروّض السوري (الفنان) الخوف والحزن والخيبات، والموت الممتدّ في ظل الحرب القائمة ومنذ عام 2011 حين تداعت الحركة الفنية السورية وتقوقعت (كما هي في كل المجالات الحياتية).

ولكنّ المسافة بين الفنان والحدث نسبية إلى أن تأتي اللحظة التي يتشكل فيها الإبداع لمعالجة ما حدث.

لم يطل الوقت ليعيد الفنانون السوريون آلتهم وتشكيلهم من جديد عبر .. ليس فقط المشاركة في معارض ودور عرض إنما تأسيس جسم خاص بهم، فكانت مدينة اسطنبول مكاناً متاحاً وآمناً لإعادة علاقات وطيدة مع المحيط العربي والعالمي، لصالح فنه ورؤيته ومشروعة ك سوري.. السيّد مهرجان الفن نور الحضارات – اسطنبول 2019 اجتمع الفنانون العرب والأتراك والأجانب في ميدان واحد، تزيّنه الفنون بأنواعها لتوطيد العلاقة بين الرواد والمبدعين بالوطن العربي والعالم، ليكون جسر الوصول من اسطنبول مدينة الفن والسحر إلى العالم، ضمن ميدانٍ فني كبير يقام سنوياً على مدار اسبوعٍ متكامل، يجمع الفنون بأنواعها، وبمشاركة أكثر من "250 فنان " من دول عربية وأجنبية، تحت رعاية ملتقى (أوغاريت آرت) والعديد من المؤسسات العربية والتركية.

اجتمع الفنانون كلٌّ في مجاله .. الفن التشكيلي, الرسم والخط والنحت والزخرفة, الغناء والموسيقى والشعر والمسرح.

وكان للفن التشكيلي الحضور الأبرز في هذا المعرض, طبعاً من أسّس لهذا المعرض وفكرته هم فنانون تشكيليون سوريون.

عشرات اللوحات المنصوبة على أعمدةٍ خشبية، زاخرة اللون كل منها، لفتتني لوحة لا تشبه غيرها, خاصة جداً ! ربما لأنني أحب اللون الأصفر وبدون تردد سألت عن الفنان الذي أبدع .


تلك اللوحة إنها للنحات " شريف الطائي " – حلب 1977. قلت له : اللوحة أتعبتني وأنا أقرأها، فاستفاض في رسمها شفهياً هي "لوحة انفصام الحضارة"، هي "ميدوسا".

آلهة الحكمة عند الإغريق بدل العدالة تجّل الشر. الأصفر هنا دليل على الخداع، أضاف: (إذا قسمنا اللوحة إلى نصفين، سنجد أن الطرفين متناقضان، والأفاعي الخمس على الرأس هي الدول دائمة العضوية، المتحكّمة بالعالم وتمسك الميزان بالعكس، وتقلب الحقائق كما تشاء، ومجموعة الجماجم الكثيرة والتي ترجح كفّتها للأعلى إلا لصالح أحد. ما في الكفة الثانية فهم الموتى نتيجة غياب العدالة وقلب ميزانها كما تشتهي تلك الدول، الجماجم هنا بعضهم من سوريا ودول أخرى).

"شريف الطائي" مبتكر ورائد أحدث مدرسة من المدارس المعاصرة التأويلية، تعتمد على الركوز وتفسير الأحلام والتأويل، لديه في مجال النحت أعمال يتجاوز بعضها 4 طن موجودة في اسطنبول ولبنان، لديه أيضاً قناة تعليمية على يوتيوب يتابعها أكثر من 80 ألف مشترك، حاصل على شهادة دبلوم في الفنون التشكيلية من الجامعة الأميركية، وشهادة من أكاديمية بيرويا، وهو عضو مجلس إدارة تجمع الفنانين التشكيليين، وعضو جمعية الفنانين التشكليين في اسطنبول (شام).

ما زال الجرح غائراً في الروح, ولكن الفنان الطائي يبحث عن مكان يتداوى فيه، يدرك وهو سفير الفنانين السوريين كما لقّبه أحد زملائه أن الأمل موجود، لكنّ عقبات كثيرة تقف أمام هذا الفنان بمرتبة سفير ليصل للعالم، شِح التمويل، شبه غياب لدور الإعلام إلا في المناسبات الكبيرة، ومنها: المعارض، مؤكّداً على أهمية دور المعارض في إيصال أفكاره وإبداعه، ولكنه يبقى محصوراً في إطار ضيق، أفق هذا الفنان أوسع من ذلك بكثير، حلمه منافسة كبار الفنانين العالميين لتكون سوريا موجودة بقوة في فضاء الفن التشكيلي العالمي.

الفنان الطائي يريد القول : "لا يقرّر الفن السياسة، لكنه يحيا وسط حقائق سياسية، تتجاوز اللحظة والعودة للذاكرة، لأستطيع الخطو من جديد لإعادة التفكير بما هو حاضر" لم يقلها لكنه يضمرها.


اشتهي رسم سوريا " ك ملكة "

رشا سليمان - فنانة تشكيلية / حلب.

عندما كنت طفلة اعتقدت أنّ كل إنسان هو بالضرورة رسام، لأكتشف لاحقاً زيف هذا الوهم، وأكتشف أيضاً قدراتٍ خاصة بي لا يمتلكها الكثيرون. أغلب الفنانين، وخاصة المرأة الفنانة، لن تجد تشجيعاً، بل ربما تواجه بالتهميش لكنني لم أستسلم. أرضيت أهلي بنيل الشهادة الجامعية قسم اللغة العربية، ورحت أبحث بين الكتب عن شغفي الفني، وقرأت لفنانين كبار معظم المدارس الفنية، لأجد خطي الخاص بالواقعية، جذبتني حضارات المدن، وطالما وقفت أمام المعالم التاريخية في مدينتي حلب، وحاراتها العابقة بعطر وسحر الزمن، لأختلس كاميرتي " قبل وصول الهواتف المحمولة " وألتقط صورة لأثر فني تاريخي، وأبدأ بقراءته وتحليله واكتشافته " وفصفصته " وأتعرف على الحقب التاريخية التي عاشها لأصل لجذره.

أحلم برسم سوريا "ك ملكة"، كما يليق لجلال بهائها وشموخها وإبائها ...

لم تكسرني الحرب، لكنني حزينة على حلب وعلى غناها الثقافي الفني الحضاري الذي دمرّه الكارهون والحاقدون، أداوي روحي بالرسم.

خرجت من تحت الأنقاض لأبعث من جديد، الفن والألوان الفرحة والحياة الساحرة هي أدواتي وعدّتي للسفر للتاريخ وإعادته للواقع.

الزمن والتراكم الحضاري سيعيدنا كفنانين لألقنا وتميزنا.


تحويل العمل الفني إلى وثيقة !!

بعض النقاد يرون أن تحويل العمل الفني التشكيلي إلى وثيقة يفقده خاصيّته، ليتحول لمجرد صورة عن حدث قائم أو كان ..

للفنان التشكيلي " عمر النمر " – رئيس جمعية ( شام ) للفنون التشكيلية رأي آخر: "عندما أتيت لاسطنبول شعرت بالضياع، لم أسمع بأي نشاط فني بعكس ما كنا عليه في سوريا، كان النشاط التشكيلي السوري واحداً من أبرز الوجوه الثقافية قبل الحرب .. وأثناءها بدأ الترقب والا،تباك، بالبداية كانت الصدمة ولاحقاً الفاجعة السورية، وطغى صمت تشكيلي رهيب داخل سوريا في السنوات الأولى لتلك الأحداث.

هنا في اسطنبول تواصلت مع بعض الفنانين، كان عددنا 17 فناناً، وقرّرنا خلق جسمٍ فني وأسّسنا جمعية شام للفنون التشكيلية. في اليوم الرابع للتأسيس افتتحنا أول معرض، بمعنى آخر بدأنا بالفعل قبل القول.

وصل عددنا الآن إلى 70 فنان وفنانة، لسنا فقط سوريين بل معنا أيضاً جزائريين ومصريين ويمنيين وأتراك, يجمعنا ويوحدنا الفن.

نعاني صعوبات عديدة سببها ضعف الإمكانيات المادية لتأسيس مقر خاص بنا، أو مكان لاجتماعنا، أو صالات لعرض أعمالنا.

مازالت فكرة الإندماج مع الأتراك المعنيين بعيدة المنال، فالجو العام الفني بتركيا مُسيطر عليه وليس مستقلاً!!

عنوان ملتقانا هو ( الرواء ) ممنوع الاصطناف المناطقي أو الطائفي أو القومي".

وعن تجربته الفنية: "اختصاصي تصوير زيتي، درست الفن بمركز صبحي شعيب للفنون التشكيلية لمدة سنتين، اختصاصي الأساسي علم النفس والإرشاد النفسي من خلال دراستي الأكاديمية بعلم النفس، وهوايتي التشكيلية استطعت دمج الاثنين معاً، العلاج بالفن .. وتهيئة كوادر شبابية وأطفال للانخراط بهذا العالم، وأيضاً تقديم خدمات نفسية وأنشطة فنية لأطفالنا وشبابنا الموجوعين والمنهكين من الحرب والغربة.

العلاج النفسي بالفن التشكيلي هو علم جديد موجود بشكل خجول في مصر والسعودية.

أغلبنا لا يعترف للآن بوجود المشكلة وأسبابها، من هنا جاء دوري من خلال اختصاصي.. فعلم النفس يرى حلّ المشكلات بالاعتراف بوجودها أولاً، ثمّ تحدّد تلك المشكلة .. نحن أمام إشارة حمرا " قف " ثم إشارة صفراء " فكر " ثم نسير باتجاه الإشارة الخضراء .. نحن الآن بمرحلة تنظيف الذات.

لنعود إلى عملك الفني، ذكرت لي أنك تنتمي للمدرسة الإنطباعية الواقعية، يعني الأقرب إلى الوثائقي.. لماذا انتهجت هذا الخط؟

"معرضي الأول كان بعنوان ( وادي بردى ) وأنا أصلاً من الهامة : المنطقة الممتدة من وادي بردى الزبداني- البحيرة- العتيبة- للغوطة- الربوة- دمّر- وقدسيا، كلّها كانت مواضيعي ... الحرب جعلت من هذه البلدات أشلاء، شبه حطام وبعضها محطم وربما اندثر .. من هنا تبرز قيمة مثل هذه اللوحات، أو هذا الشكل من الفنون وخاصة في الحروب .. لنعيدها للذاكرة حتى لا تمحى، لذلك لهذه اللوحات قيمة أثرية وثائقية ولاحقاً تاريخية، النتيجة لنا خصوصية ك سوريين، وهذه الميزة تجعلنا الأوائل أينما كنا في الفن والعلم والأدب والدراما ... على الصعيد الشخصي، أسعى لإيجاد مركز للعلاج النفسي بالفن، وسنكون حاضرين في الشهر العاشر من هذا العالم في فرنسا، للمشاركة بأعمالنا ونضع بصمتنا أين ما كنا.

الفنان السوري مثل الزئبق .. نادر وحقيقي

عماد فتاح – سوريا "عضو اتحاد الفنانين التشكيليين وعضو اتحاد الفنانين العرب"، واحد من الاوائل الذين أسّسوا جمعية شام التي تضم الآن حوالي 100 فنان، منهم 26 فناناً، لهم بصمة عالمية في الفن التشكيلي.

-كيف ترى مستقبل الفن التشكيلي في بلاد المهجر؟ هل تغيرّت الآليات والمدارس التي كان ينتمي لها الفنان السوري في سوريا .. ؟!

-أبدع الفنان السوري في جميع الدول التي هاجر إليها مرغماً، لأنه خرج من مدرسة فنية خاصة، حاملاً معه مشاعر وأحاسيس وإرث ثقافي وحضاري خطيرين, ليتعرف على مساحات جديدة لم تكن متاحة له من قبل ... هو مرن قابل للتجدد، ينهل من كل الحضارات بدون تردد ما دامت تصب في خدمة مشروعه، في البداية كنا نرسم الدمار، بريشة وألوان حمراء ومن خلال متابعتي وعلى مدار السنوات الماضية، وحضوري أكثر من 13 معرضاً لقد تغيّرت الألوان، لم يعد الأحمر الدموي هو الطاغي، ولا الدمار والأشلاء سيطرت على فكرة اللوحة ...

أنا كفنان تشكيلي مؤمن بمزاوجة العلم مع الفن أولاً – الفنان هو جراح مهندس، نعم تطورت آليات تعاطينا مع الحالة الفنية، في ظل مكان آمن ومساحة حرية متاحة.

نحن قادمون بفننا الذي نهض منذ بداية القرن العشرين، رغم ما حوته تلك المرحلة من تغيرات سياسية واجتماعية، صنعت تحولاً في مسار الحياة العامة والتشكيلية على وجه الخصوص، ومنذ عام 1940 لنا أول رابطة للفن التشكيلي .. كما شهدت السبعينات طفرة فنية، وتأسس وقتها أشكال جديدة (الواقعي – التسجيلي – الانطباعي) نحن مثل الزئبق نخرج من أفواه البراكين نختفي ثم نظهر.

بظروف صعبة وقاسية، الفنان التشكيلي / أحمد عثمان / يخلق من العدم مهرجان الفن والحضارات، ويصبح مديراً عاماً لها، التحدي كبير لتكون جاهزاً خلال 8 أشهر لتستضيف فنانين من 24 دولة عربية، وأجنبية /كولومبيا – المكسيك – المغرب – تونس – الأردن – الجزائر - العراق – فلسطين – وطبعا سوريا وغيرها/

لم يكتف بحضور المعارض المتخصصة بل سعى لجعلها مهرجاناً متنوعاً بالإضافة للفن التشكيلي .. الغناء والشعر والرسم المباشر وغيرها من الفنون.

ويؤكد أن التمويل ذاتي وبرسوم اشتراك من الفنانين المنتسبين للرابطة في كل دولة من الدول التي ذكرتها هناك منسق عام لأوغاريت آرت, الرئيسي – اسطنبول.

شهداء الفن التشكيلي

لعل الحزن التشكيلي السوري كان السّمة الغالبة على هذه المرحلة،فالحزن يصنع المبدعين، وأحياناً يكلّفهم حياتهم، كما حصل مع الفنان السوري الشاب / محمود مجدل – 1984-2017 / الذي كان على وشك أن يخطو للعالمية على الرغم من صغر سنه، بيد أنه دفع حياته ثمناً لسحبه للخدمة الإلزامية، موت أكرم رسلان في السجن تحت التعذيب، وقضاء النحات مروان قنبز حزيناً بعدما فقد آخر علبة دواء له لعدم توافرها في حي الجورة، وبعد تحطّم أغلب تماثيله خلال القصف، شكراً لمن وثق هذه المعلومات الأكيد هناك غيرهم كُثر أفقدتنا إياهم حرب غاشمة عمياء. الحرب لن تقصِي سورياً نجا منها



 


الحرب لن تقصِي سورياً نجا منها


الحرب لن تقصِي سورياً نجا منها


الحرب لن تقصِي سورياً نجا منها

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!