-
الخلع الأمريكي.. عودة «طالبان» وليل طويل
صدق أو لا تصدق.. إنّ طبيعة أفغانستان وثقافتها وطريقة تفكيرها كانت أكثر تعقيداً من حواسيب وكالة المخابرات الأميركية «CIA»، التي أعلنت سقوط كابل خلال ثلاثة أشهر، ليقف مسلحو «طالبان» على أبواب المدينة في أقل من أسبوع، وتُجبر الحكومة على رفع أياديها للتفاوض إن لم يكن الاستسلام وتسليمهم مفاتح العاصمة وأختامها، ليفرَ السيد الرئيس ويكون دور أميركا فقط مقتصراً على الجلاء الآمن ومعها العلم.
والناظر الجيد يجد أن طوال فترة العشرين عاماً أو بالأحرى أربعة عقود، لم تتلاشَ حركة طالبان، بل اندمجت بكل بساطة في شعاب أقاليم الدولة المُحتلة منها ضمنياً، ومن الأمريكان صورياً، وإلا ما وجدت مقعداً لها على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي كانت مُتسرعة كعادتها في الأحكام دون دراسة أو استشارة، حتى حينما أطلق ترامب فكرة الانسحاب، وتبعه خلفهُ بايدن، ليأخذوا الجميع على حين غُرة، باستثناء طالبان، التي لم ينجح الوجود العسكري الأميركي في اقتلاع جذورها أو تغيير تُربتهم التي أنجبتهم، لتُخطئ الآلة العسكرية الأكثر تطوراً في التاريخ، وتُضيف لسجلاتها الفاشلة سجلاً أكثر سواداً من سابقيه، في العراق وغيرها بمناطق العالم، لتُثبت بإدارتها الخفية أنها تركيبة هشّة، على الجميع أن يعي ضعفها.
من الواضح أن الجميع يستعدّ لعصر جديد، عنوانهُ (لا أمان لأحد)، وكأن الجميع -الجيش الأفغاني- يُحارب من أجل قضية تبدو خاسرة، في حيت تتلاعب في ساحاتها أطراف خفية، كالجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش وتنظيم الإخوان)، مع وجود ميليشيات طالبان المُتأهبة للتحرك ساعة الصفر للسيطرة على العاصمة، بل وكامل البلاد الأفغانية، فما الذي يدفعها إلى التنازل أو التفاوض؟ وماذا عن بقية العالم المكلوم؟.. وماذا عن التخوف الصيني الروسي بل الإيراني وبعض دول وسط آسيا، بما فيها البلدان المجاورة لأفغانستان في الشمال، وهي أوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان؟ وقلقهم من عزف طالبان لألحانها، وكأن الكاتب يكتُبُ صفحته الأخيرة في نوتة القيادة الطالبانية الجديدة بجيل جديد من أبناء «القاعدة»، ليستعدون للذهاب إلى الأرض الأميركية نفسها، وتكرار الويلات نفسها بنفس الأسلوب، ليكون الإخفاق لأنظمة البلايين والدولارات في مواجهة قوة طالبان، وفي رأيي إن الأمريكان لا يتعلمون من الأخطاء أبداً.
ولا ننسي أن اللاجئين الأفغان قد يكون بينهم عدد من حركة طالبان، وكان مؤخراً عددهم أكثر من 600 ألف مواطن أفغاني يفرون خارج البلاد عبر إيران، ثم تركيا، وإذا أمكن إلى أوروبا، حيث تستضيف إيران نفسها نحو أكثر من 3 ملايين أفغاني مسجلين وغير مسجلين وكأنها سعيدة بدفع الأفغان غرباً، وإبقاء الطرق مفتوحة لهم لتمهيده للزحف على أرض الأمريكان، فماذا ستفعل أموالهم وآلاتهم وتقنياتهم التي فشلت على الأرض بدول كثيرة؟
لم يكن صعباً توقع فشل أفغانستان الأميركية، لكن كان من الصعب توقع عودة أفغانستان الطالبانية، تلك القُنبلة الموقوته.. وسيكتب كثيرون عن مهزلة الخروج الأميركي من كابل والعراق وكأنه أشبه بالخروج من سايغون، ليترك الدم في كل رُكن بلعبة تحريك البيادق على هذه الرقعة المفخخة.
إنها حالة لها كثير من الدلالات، تفتح أبواب التأويلات والتفسيرات وخيبات من الذل والهوان العالمي بمقدمة شرطية واهنة -أميركا الغادرة- لتقع أفغانستان مجدداً تحت عباءة «طالبان»، التي أطلقت شرارة هجمات 11 سبتمبر وشرارة مغامرتين أميركيتين باهظتين، لترزح الآن تحت ليل طويل.
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!