الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الدبيبة والقذافي.. مرايا الانتخابات الليبية تعكس كتلة ملغمة من التناقضات

الدبيبة والقذافي.. مرايا الانتخابات الليبية تعكس كتلة ملغمة من التناقضات
رامي شفق
ثمانية وتسعون مرشحاً أغلقت من خلالهم المفوضية الوطنية العليا باب الترشح لمنصب الرئيس في الانتخابات الرئاسيّة الليبية، المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري.

ما كان حديثاً متداولاً وقع يقيناً نحو بعض الأسماء التي انخرطت في الانتخابات الرئاسية. بيد أن واقع الأمر أن الصراع لا يدور عبر تلك الأسماء بشخوصهم، بل يقع حول صفاتهم الوظيفية ومن يمثلهم داخلياً ودولياً وإقليمياً.

لا تعدو أهمية الاستحقاق الانتخابي الرئاسي كونه الأول فقط في تاريخ ليبيا، خلال العشرية الأخيرة، بل يتجاوز ذلك حيث يستقر في خانة ترسيم ملامح العلاقات الدولية وهندسة أركانها وقواعدها، وبالتبعية، صياغة ملامح النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

قراءة العدد الكبير من المرشحين المحتملين الذين تقدّموا لمنصب الرئيس، يدفع نحو عديد التأويلات التي تنتظر أسماء بعينها عبر القائمة الأولى التي ستعلنها المفوضية يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، وكذا القائمة النهائية خلال الأسبوع الأول من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، وذلك من خلال عدة اعتبارات تكتيكية طرحت عناصرها من خلال انخراط تلك الأسماء في الاستحقاق الانتخابي.

اقتحام السيد عبد الحميد الدبيبة في نهاية مهلة التقديم كمرشح محتمل رغم منطوق المادة 12 من قانون الانتخابات الذي يمنعه من الترشح كان مقصوداً ومتعمداً؛ وذلك لإحداث التوازن المطلوب داخلياً ودولياً عبر سيناريو إقصاء سيف الإسلام القذافي من قوائم المرشحين.
يأتي ترشح الدبيبة في حقيقته وهو يحمل كتلة ملغمة من التناقضات؛ إذ ظل رئيس الحكومة يتحدث عن ثغرات المشهد الانتخابي، وأن لا معقولية في انتخابات دون قاعدة دستورية وعبر قانون إقصائي. وفي جانب آخر يتحرك بكل طاقته نحو الترشح وإجراءاته القانونية، ويعمل بحسب منصبه على إجراءات شعبية تدفع حضوره نحو العلن، ويظهر وسط تجمعات شبابية ترفع صوره، بينما تنادي باسمه في رسالة واضحة نحو الداخل والخارج أنه كتلة وازنة ينبغي الالتفات لها وعدم تنحيتها.

ومن ناحية أخرى، يعمل خالد المشري، الكادر الإخواني، على توتير الأجواء، وكذا الإعلان عن فساد المشهد برمته. وهو في حقيقة الأمر يعمل لذات المصالح التي يتبناها الدبيبة في تسخين مسرح الأحداث، ثم توظيف كافة احتمالات التوتر ونسف المشهد بكافة أركانه ومعطياته.

الثقل الداخلي الذي يحظى به سيف الإسلام، على عدة مستويات، تبدأ من وضعه العائلي، وتمركزه القبلي ورعايته دولياً من قبل روسيا. وبالتالي ينبغي أن يواجهه مرشح بنفس الاعتبارات وهو ما تحقق في الدبيبة الذي يحظى بحضور ثقيل في مصراته، ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية. واشنطن دفعته لمنصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية فضلاً عن كونها ترى في المرشح فتحي باشاغا ابن مدينة مصراته مرشحاً بديلاً، يمكنه أن يحمل الأهداف الأمريكية في ليبيا نحو مستقر آمن في المديين، القريب والمتوسط، ويتمتع بعلاقات إقليمية مقبولة.

يتطابق ذلك السيناريو مع الأنباء المتطابقة التي تذهب نحو عقد لقاءات فيما بين باشاغا والمشير خليفة حفتر برعاية واشنطن، لجهة ترتيب توجه الكتل التصويتية فيما بينهما، بحسب مؤشرات التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
نحو أكثر من مليون ونصف بطاقة انتخابية تم تسليمها للمواطنين الليبيين، الذين لهم حق التصويت في الانتخابات القادمة، دون أن نعرف يقيناً مدى توزيع تلك البطاقات الانتخابية داخل الجغرافيا الليبية، ومدى تمركز الكتل التصويتية باعتبار أن العامل القبلي والجغرافي مؤثر ومحدد لأكثر من مرشح، لا سيما مع حقيقة أن الكتلة التصويتية للغرب الليبي تصل نحو مليون و800 ألف صوت، بينما في الشرق 800 ألف صوت فقط.

ثمة سيناريو محتمل تعمل عليه واشنطن لإقصاء الأهداف الروسية، وإضعاف مفعولها نحو تفكيك مشهد الانتخابات ودفع الفوضى عبر الفضاء الليبي، وذلك من خلال أن تكون العوامل الوازنة مستقرة بين احتمالية إقصاء كل من سيف الإسلام والدبيبة على المستوى الداخلي، وأن يضحى عنصر القوة الميدانية في الشرق الليبي، الذي يتحكم فيه حفتر، بعيداً عن المعادلة الانتخابية. غير أن ذلك السيناريو يسير عبر رمال متحركة نظراً لتمثل عدد كبير من ضباط وجنود الجيش الليبي داخل مظلة الانتماء لنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.

ثمة تحكم في السلطة الليبية حالياً وأدواتها التنفيذية عبر ثورة 17 فبراير، لا سيما في الغرب الليبي. ومن الصعوبة بمكان تصور أن يسمح هؤلاء بنفاذ الآخر نحو السلطة، وما يستتبعه ذلك من إجراءات عقابية محتملة ضدهم.
إلى ذلك، يمكننا التدقيق في الأهداف التي دفعت بعض الأسماء خوض غمار الانتخابات، رغم يقينها أن فرصها الضعيفة في تجاوز الانتخابات بنجاح أمر واقع أو محتمل، بينما تسعى في حقيقة الأمر نحو ترتيب صفقات انتخابية لمواقعهم وأمانهم، خلال المراحل القادمة من المشهد السياسي في ليبيا.

غير أن ذلك لا يعني أيضاً سوى أن عديد الأسماء التي تقدّمت، لا تمثّل سوى رصيداً انتخابياً للبعض الآخر، سواء كان ذلك بالإضافة أو الخصم، لا سيما إذا ما عبروا القائمة النهائية وأضحوا أمام صناديق الاقتراع.

ومن الضروري دراسة أن تستجيب المعطيات لاحتمالية أن تمر الجولة الأولى من الانتخابات، وقد طرح البعض بعيداً عن جولة الإعادة، خاصة من بين المستشار عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر والسيد أحمد معيتيق وفتحي باشاغا، باعتبار أن الثاني والأخير يملكان فرصاً تصويتية تؤهلهم للمنافسة على منصب الرئيس، لا سيما إذا ما ذهبت التصفية النهائية نحو دفع سيف الإسلام وعبد الحميد الدبيبة خارج الأسماء المرشحة، وارتضى كل منهما بواقع الأمر، وما كفلته القوى الدولية والإقليمية لكل منهما من أوضاع مستقرة.

ومن ثم، يبدو أن أفق الانتخابات الرئاسية يواجه غيوماً ثقيلة وسحباً كثيفة ليس من السهولة تصور سبل تحركها وخريطة توزيعها وانتشارها بدقة. وذلك يعود لطبيعة الاشتباك الدولي الذي يجري بين عدة أطراف دولية تتمركز حول الملف الليبي. ويبدو ذلك واضحاً ببن واشنطن ولندن وموسكو وباريس وروما.

كل من هذه الأطراف تحرّكها دوافع واعتبارات سياسية واقتصادية. وعلى خلفية ذلك تسعى نحو تهيئة كافة العناصر الوظيفية في الداخل الليبي صوب مصالحها في الفضاء الليبي.

رامي شفيق

ليفانت - رامي شفيق

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!