الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الدولة السورية القادمة وماهيتها
فيصل أبوزيد

إن المشكلة القائمة للتعايش بين المكونات السورية المتنوعة, هي مشكلة معقدة ولها جذور تاريخية وجغرافية وسياسية, باعتبار سورية هي خليط من المكونات الاثنية والدينية والطائفية, وذات خلفيات ثقافية وسياسية واقتصادية مختلفة, ونظرا لظهور مؤشرات باقتراب الازمة السورية من بلوغ مراحلها النهائية حسب المعطيات والأحداث الدولية, حيث يبدو انه هناك تفاهم روسي امريكي اسرائيلي على إنهاء الصراع في سوريا بعد الاتفاق على تقاسم النفوذ والمصالح, واختيار كل طرف لحليف سوري يحقق مصالحه ونفوذه المستقبلي, لذلك فان تلك المشكلة بحاجة الى عمل جاد ودراسة عميقة وواسعة لطبيعة العلاقة بين المكونات السورية المختلفة للوصول الى حلول جذرية.


ومن هنا كثر في الآونة الآخيرة الحديث والجدل بين الكتل والنخب السياسية المعارضة, حول ماهية المشاريع السياسية المطروحة لسوريا المستقبل, وانقسم أصحاب تلك المشاريع الى فريقين سياسيين و برؤى مختلفة عن بعضهما البعض, حيث ان احدهما يدعو الى دولة المواطنة بينما يذهب الفريق الآخر بدعوته الى الدولة التي يراعى فيها الخصوصية الاثنية والدينية والطائفية, وبات كل فريق يبحث عن دعائم وحقائق وبراهين تثبت مشروعية مشروعه السياسي وأفضليته في المرحلة القادمة, وانغلق كل فريق على ذاته مقابل التركيز على مساوئ مشروع الفريق الآخر, وساد بين الفريقين مزيدا من اللاتوافق والخصام بظهور خطاب الكراهية وسيادته على خطاب التسامح وتقبل الآخر, ولم يسلم كل من قال أنا مختلف من خطاب الكراهية القائم على التعصب للانتماء سواء كان اثني او ديني او طائفي, الى درجة وصل الحال ان البعض لم يتوانوا في النفي الهوياتي للآخر المختلف وتبادل التهم من قبيل الخيانة والتبعية لأجندات خارجية.    


حيث يصر الفريق الاول على أن تكون سوريا المستقبل هي دولة المواطنة او الوطنية, ولا ينبغي أن يكون لها علاقة بأي أيديولوجيا قومية أو دينية أو طائفية, وانما دولة وطنية من خلال ارتباطها بالمواطنة الكاملة وتتجاوز كافة الانتماءات الإثنية والدينية والطائفية التي قد تجزأ الدولة وتقسمها الى دويلات, ومعتمدين على فرضية ان أحداث تسعة أعوام من الثورة اوجدت مكونات مناطقية وطائفية وظهرت مخاطر تفتيت الوطن وتفكيك مؤسساته,  وفي هذا يدعون الى عقد مؤتمر وطني يتشارك فيه الجميع, بعيدا عن كل الحسابات الخاصة والانتماءات الايديولوجية الصغيرة قياسا للانتماء الوطني حسب رؤيتهم, مستندين على فكرة ان التقوقع حول الانتماءات الصغيره وتفضيلها على الانتماء الكبير للوطن بمفهومه الواسع, لن يقود الا الى المزيد من الصراع والتفرقة بين السوريين, واطالة عمر النظام, وبالتالي مزيدا من الدمار والتضحيات, ومعظم أصحاب هذا المشروع هم من المعارضين السياسيين المستقلين والغير منتمين الى أي جسم من أجسام المعارضة المختلفة.


في الجهة المقابلة يصر الفريق الآخر وفي مقدمتهم الطرف القومي الكوردي في المعادلة السورية على لامركزية الدولة, أي سورية الفيدرالية الديمقراطية التعددية وفقا لمعايير إثنية او دينية او حتى طائفية مع الابقاء على الكيان السوري كدولة متحدة مستقلة وذات سيادة.  


مستندين بذلك على انعدام الثقة بين المكونات المختلفة, وامكانية اغتصاب السلطة من قبل فئة دون سواها على مراكز القرار, واعادة انتاج الدكتاتورية, وصهر باقي المكونات في بوتقة ذلك المكون الحاكم في ظل دولة المواطنة المزعومة, وخصوصا بعد ان بدا واضحا للكورد او حسب ما يرونه ويعتقدون به, ان سياسية وأد الطموح الكوردي بخصوصية قضيتهم وعدالتها هو المهيمن على خطاب وسلوك واجهات المعارضة من المكونات الأخرى, وان فكر تلك المعارضة وخطابها لا يختلف كثيرا عن فكر النظام القائم وخطابه.


 


إن انعدام الثقة بين المكونات السورية المختلفة التي زرعها النظام المستبد طيلة فترة حكمه, يجعل من الصعوبة الوصول الى حل يرضي الفريقين المتناحرين او المتعارضين بشأن شكل الدولة القادمة, لذلك فإنه قبل طرح أي مشروع سياسي لشكل سوريا المستقبل, يجب إعادة بناء الثقة بين مختلف المكونات السورية اولا, وذلك لا يأتي الا من خلال اجراءات عملية ملموسة يقوم بها كل فريق على أرض الواقع, ليبرهن للآخرعلى صدق النوايا, ولن يكون ذلك ممكنا في ظل غياب ثقافة الحوار, فالحوار بين الخصوم هو الطريق الاسلم لحصول توافق فكري ثقافي بينهم وهو الاساس في بناء الثقة وترسيخ مبدأ التعايش.


كما ان أي مشروع سياسي يتم طرحه يجب ان يحظى بموافقة دولية, ولا سيما تلك الأطراف المتحكمة بالملف السوري للحصول على الشرعية الدولية, وهذا لا يلغي فرضية القبول الشعبي ودور السوريين في الموافقة عليه من عدم الموافقة, حيث ان اي مشروع يجب أن يحصل على دعم شعبي يؤمن له الشرعية الوطنية بجانب الشرعية الدولية, لذلك فإن المطلوب من كل فريق هو الحصول على الشرعيتين الدولية والشعبية لمشروعه السياسي, وماهية الميثاق الوطني الذي سيعتمده في البناء خلال الفترة الانتقالية, وخارطة الطريق التي ستتبعها للوصول بالدولة السورية الى بر الامان.


فيصل أبو زيد

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!