-
الذكاء العاطفي.. هل ينجح به الساسة؟
في ثلاثينيات ق 20، ذهب أوليفر ويندل هولمز قاضي محكمة عليا سابق – وهو أحد محاربي الحرب الأهلية الأميركية القدامى - لمقابلة فرانكلين د. روزفلت، زميل هارفارد ولم يكن طالبا متميزا. وعندما سُئل عن انطباعه عن الرئيس الجديد بعد ذلك، قال ساخرًا: "إنه يتمتع بذكاء من الدرجة الثانية؛ ومزاج من الدرجة الأولى". وقد يتفق أغلب المؤرخين على أن نجاح روزفلت كقائد كان راجعا إلى ذكائه العاطفي أكثر من اعتماده على ذكائه التحليلي.. فالتوازن العاطفي لأمثال هؤلاء على تقدير ما يملكونه وما حققوه، بعيداً عن الأفكار والمشاعر السلبية من السيطرة على تفكيرهم، هو مفتاح نجاحهم لأنهم ركزوا على الجانب الإيجابي في حياتهم، وبالتالي هيأوا لأنفسهم توازن صحي بعيداً عن كل ما يُضايقهم بالحياة، وقد يكون ناجحاً ولا يُحب أن يرى أعماله ونجاحه أحد، حيث إن التفكير في الجانب المشرق من حياتنا وما نشعر بالامتنان من أجله يساعدان على الخروج من نمط التفكير السلبي والمزاج العاطفي السيئ لحياة أرقى.
وعلى مدار القرون السابقة، حاول علماء النفس قياس الذكاء واختبارات حاصل الذكاء العام، وأبعاده من خلال الفهم اللفظي والمنطق الإدراكي، فوجدوا أن درجات الذكاء تتنبأ بنحو 10% إلى 20% في مستويات النجاح. والبقية الأكبر نتاج مئات من العوامل التي تنشأ بمرور الوقت وفق الواقع والتجارب المعاشة، ففي الشهر الماضي، نَشر خمسون من مسؤولي الأمن القومي السابقين ممن كانوا في مناصب حساسة بدءً من ريتشارد نيكسون إلى جورج دبليو بوش، رسالة تقول إنهم لن يصوتوا لصالح ترامب لأنه يفتقر إلى المزاج الذي يؤهله لمنصب الرئيس، بل لا يشجع وجهات النظر المتعارضة، ويفتقر إلى ضبط النفس ومُتهور، ولا يقبل الانتقادات. أو كما قد يقول هولمز، أصبح ترامب غير مؤهل بسبب مزاج من الدرجة الثانية.
وهُم يرون أنه يجب أن يتصف رئيس الولايات المتحدة بالانضباط، وأن يُسيطر على مشاعره، ولا يتصرف بهمجية إلا بعد تفكير ودراسة متأنية، وذلك وفق نظرية القيادة الحديثة، أن المرشح يعاني من نقص الذكاء العاطفي، التمكن الذاتي، والانضباط، والقدرة على التعاطف مع الآخرين وهي الملكات التي تسمح للقادة بتوجيه عواطفهم الشخصية واجتذاب الآخرين. وعلى عكس الرأي القائل بأن المشاعر تتداخل مع الفكر، فإن الذكاء العاطفي - الذي يضم اثنين من المكونات الرئيسية، التمكن من الذات والتواصل مع الآخرين- يستخدمه القادة لإدارة "الكاريزما" لأنهُ يُشير إلى أن القدرة على فهم وتنظيم العواطف من الممكن أن يجعل عملية التفكير في المجمل أكثر فعالية عبر إدارة الانطباعات التي نتركها ورائنا كتدريب الجنرال الصارم جورج باتون على التجهم أمام مرآة، وكأنهم ممثلون بارعون. فكل من التمثيل والقيادة يجمع بينهما ضبط النفس والقدرة على التصور. كما حافظ روزفلت على مظهرها رغم الألم وصعوبة الحركة على ساقيه اللتين أعجزهما شلل الأطفال، بعكس نيكسون كان يمكنه أن يقيم إستراتيجية فعّالة على السياسة الخارجية؛ ولكنه كان أقل قدرة على إدارة مشاعره التي دفعته إلى خلق "قائمة من الأعداء" وتسببت في سقوطه في نهاية المطاف، وكما أشار عالِم النفس رودريك كرامر من جامعة ستانفورد، كان الرئيس ليندون جونسون متنمراً.
وفي حالة ترامب المشاكس، يلجأ، في إشباع حاجته النرجسية إلى السلطة، بالتمثيل البارع، تمكن من اكتساب قدر هائل من الدعاية المجانية، بالسيطرة على الميدان الجمهوري إعلامياً ومجتمعياً، باستخدام تصريحات "صحيحة سياسيا"، والاستغلال الذكي للبرامج الإخبارية التلفزيونية ووسائل الإعلام الاجتماعي، فحشد حولة أكثر من نصف المجتمع الأمريكي، من خلال تضخيم حالة السخط والاستياء بين شريحة من السكان، كل ذلك وهو يرتدي ملابس مناسبة وقبعة بيسبول حمراء تحمل شعار "فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، لكنه فشل في ضبط النفس مؤخراً بالانتخابات العامة على نحو هدام في كثير من الأحيان، وكانت النتيجة أنه -خلافا لنيكسون- أنه صار ساذجا خاصة إذا تعلق الأمر بفهم شؤون العالَم.
هذا العجز في الذكاء العاطفي هو إساءة لاستغلال السلطة وهي ممارسة قديمة، وذلك ما كلف ترامب خسارة دعم الساسة والقادة والخبراء داخلياً وخارجياً، لكن ضعف (جون بايدن) ألعن منه، خاصة أمام التعنت الإسرائيلي ودعمه لها ضد القرارات الدولية وأعرافها.. فقد حذر لورد أكتون في تعليقه الشهير فإن السلطة تفسد حقا، ولكن القائد الذي يفتقر إلى السلطة (القدرة على حَمل الآخرين على القيام بما يريد) يعجز عن ممارسة القيادة.. وعلينا جميعاً أن نفهم المشاعر، ولتكُن عزيزي القارئ.. ذكياً عاطفياً.
ليفانت: إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!