-
الرسالة الرابعة والستون.. لا يدرك مساحة الحبّ غير القلب
لكن ما زال لديّ الكثير من المهمّات، أصبت بعدوى الغرق في العمل، مثلك تماماً، لكن لا بأس، لعلّك تجدين وقتاً ولو قصيراً لنتحدّث فيه خلال هذا اليوم أو غداً. أتمنى أن تقرئي رسالتي وأنت تتمطين في فراشك في هذا الصباح التشريني الجميل. مع أنني أظنّ أنك صرت منخرطة في معمعة العمل. لكن ربّما حالفني الحظّ هذا اليوم، وتحققت رغبتي، ونلت شهيّة خاطري.
لقد أسعدني جداً ثناؤك على الرسالة السابقة، وكدّر ذاك السرور أنك لم تردِّ عليها كتابة، لقد أصابك شيء من الخوف أيضاً، وهذا ما توقعته على أي حال. لماذا تخافين من مغازلتي وحبي؟ ولماذا تخافين من الكتابة إليّ؟ تذكري أنني كلما كتبت إليك كأنني أمارس الحب معك. كم أشتاق لهذا الفعل يوماً ما؛ فأنا أشتاقك حد الغرق في مياه شهوتك، لعله يكون في يوم شتاء ممطر، فيدفئني جسمك، وتشبعني ثمارك.
حالتنا ليست غريبة أيتها المشتهاة كتفّاحة، بل إنّ مثلنا في عالم الكتابة كثيرون، لكنهم لا يخافون، ولا يستترون، بل يكتبون ويعلنون الحبّ أعلى من نخلة في سماء أريحا. أضع بين يديك هذا الموقف للكاتبة الكويتية ليلى العثمان وما كتبته في حق الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل. كتبت ذلك في أحد أعداد مجلة العربي منذ سنوات، وقد احتفت المجلة بالراحل إسماعيل فهد إسماعيل، وما زلت محتفظاً بما كتبته:
"أمام هذه القامة الكبيرة تعجز الكلمات، مهما ازدهرت بمعانيها عن التعبير، عن بعض ما أحمله في قلبي لهذا الإنسان من حب كبير، لا يخجل القلب أن يعترف به، حب كما صورته في كتابي (المحاكمة). أحببتُ إسماعيل ذاك الحبّ الذي لا توجد له تفاسير في معاجم الكتب، حبّ غير مصنّف في أيّ خانة من خانات الحبّ، كما أحمل له غير الحبّ اعتزازاً ومكانة ذات قيمة لا يدرك مساحتها الكبيرة غير قلبي".
أرأيت كيف أنطقها الحبّ؟ لا أخفيك سرّاً أنني شعرت بشيء من الشبه، وتمنيت أن تكتبي عني كتابة مشابهة، لا يهم إن كانت في حياتي أو بعد أن أغادر هذه الفانية، فالروح ستعرف محبيها. ما أثار فيّ الانتباه ما قاله المحرر نقلاً عن ليلى العثمان، وفيه بيان لاستحقاق هذا الحب وهذا الثناء وهذا الوفاء:
"إن إسماعيل هو الرفيق الأصيل في سفرها عبر الحياة منذ أن عرفته، وهو الصديق الصدوق عبر مسيرتها الأدبية، لأنه وحده من عرفها جيداً، ففرح لفرحها ونجاحها، واحتمل لحظات جنونها وأخرجها ذات يوم من مشكلة كبيرة، وهو وحده الذي يعرفها جيداً".
هل تجدين فيّ شبهاً لإسماعيل كما وجدت فيك شبهاً بليلى؟ يا ليتك تسعدينني فتكتبي لي رداً ولا تكتفي بمحادثتي هاتفياً، مع أن صوتك عبر الهاتف شهيّ، لكن الكتابة أخلد وأدوم. كلما كتبت لي دخلتِ فيّ أكثر وأكثر. لا تخافي من الكتابة، فهي الحياة والشهوة والجمال والحبّ والخلود. أسعدني جداً أنني سأكون شريكاً لك في مشروع الكتابة التي شرعتِ به، بل متلهف أن ننجزه سوياً بأسرع ما يكون، فقد أعجبتني الفكرة جداً.
لم تكن ليلى العثمان هي الوحيدة التي كتبت ما كتبته لإسماعيل فهد إسماعيل، هناك أخريات كتبن، ولعلّ اطلاعك على الأدب العالمي والعربي والفلسطيني وفّر لديك الكثير من الأمثلة. تستحضرني أيضاً الكاتبة غادة السمان وما كتبته وتكتبه باستمرار عن غسان كنفاني، والغريب أن غادة السمان كتبت عن غسان بعد اغتياله أكثر ما كتبت له وهو حيّ. مفارقة يصنعها الحبّ، وتهندسها الكتابة ذاتها. الآن غادة تكتب كثيراً عن غسان بحب ظاهر، تكتب في ذكرى ولادته أكثر مما تكتب في ذكرى اغتياله، لقد التفتُّ إلى ذلك في كتابي "استعادة غسان كنفاني" وكتبت عن علاقة غسان كنفاني بغادة السمان.
ما زلت عند وعدي لك، أتمنى أن أراك قريباً، نشرب الحبّ والقهوة ولذة الوصال، ونكمل أبجديتنا الناقصة، أحبك كما أنتِ شهية مجنونة، بهية كفراشة، قويّة كسطوة صوفي حالم. وما زلت منتظراً تلك "الصورة الموعودة" فلحمك الشهيّ يثير فيّ جنون الحب والشهوة واللذة أيتها الجميلة الطاغية في اشتهائها واحتدام جنونها. أرجوك إن تأخرتِ عني في المجيء لا تتأخري عني في الكتابة، ولا تتوانيْ عن استحضارك في بهاء الضوء تحت أعين القمر.
ليفانت: فراس حج محمد
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!