الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
السودان دولة الموارد.. خط أحمر
إبراهيم جلال فضلون (1)
لماذا يطلق السودانيون مصطلح كيزان على" الإخوان"؟ لأنّه ببساطة قد ارتبط بأفاعيل التسلّط الإخوانية، فمُنذ ثمانينيات القرن 19 وحتى موجة الهجرة العكسية إلى أوربا وإسرائيل ودول أميركا، بعد عمليات التأميم الواسعة التي طالت ممتلكاتهم أوائل سبعينيات القرن السالف، وضع العالم اليهودي بصماته على كافة مناحي الحياة ومجالاتها في أُمتنا السودانية، واندمجوا في تعايش مع شعبه المُسالم.. فكان الحُضن الأكثر دفئاً لليهود كما كانت مصر شقيقتها وللآن، وهي "الخرطوم" التي استضافت مؤتمر اللاءات الثلاث الشهير عام 1967، وبعدها بـ4 سنوات أممت مُمتلكات اليهود، ما أجبر الكثير منهم على الهجرة، تاركين وراءهم عائلات ارتبط اسمها بالصناعة والتجارة بل وحتى الفن.

لكن، لا يبقى الحال كما كان، فالأمور بدأت تتبدل إيجابياً أعقاب ثورة ديسمبر 2019 في السودان، لتملق فئة جديدة، جففت «لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الأموال العامة»، في السودان، منابع ذلك التنظيم الإخواني، منها 12 شركة تابعة لحركة حماس الفلسطينية، كفرع لها، والتي كانت حاكمة للسودان، إبان عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، لتتكرر المسألة في ضربة هي بداية فارقة في اتجاه استعادة الهوية السودانية المُضيعة، واستعادة سيادة الدولة التي ينخر في عظامها "سُوس" الماسونية، والشيوعية والاشتراكية، منتهية بتنظيمات إرهابية، في مقدمتها الإخوان المسلمون، التي تم قطع رؤوسها في مصر وليبيا وتونس؛ وعدد من الدول العربية، ظانين أنهم قد يكون لهم قدم على التُراب السوداني.. بكسر الحاجز العقلي والنفسي الذي ظل يحول بين قُطبي الدولة، الشعب وقواته المُسلحة، وبين الشعب وواقعه الخارجي، منذ سقوط نظامهم في أبريل 2019؛ والذي حكم السودان بقبضة أمنية حديدية على مدى 30 عاماً؛ استغلّها التنظيم الإخواني بشبكاته الاقتصادية والعسكرية والإعلامية؛ عبر أدوات ثلاث لتهيئة المسرح لعودة حكمهم مُجددًا، مُستندين إلى شبكة واسعة من مراكز النفوذ المالي والإعلامي والعسكري، التي تمكنوا من بنائها خلال العقود الثلاثة الماضية.. وتمكنهم خلالها من بناء قاعدة مالية ضخمة قدّرت بأكثر من 100 مليار دولار؛ وهو ما جعل الأمر يبدو صعبا للغاية، عكس البلدان التي مرت بتجارب مشابهة، حيث كان التمكين الإخواني في السودان تمكيناً كلياً في كافة مفاصل الدولة المدنية والأمنية بعد وصول التنظيم للسلطة عام 1989، كأول جماعة إخوانية تسيطر على الحكم بشكل كامل في العالم العربي، بعدما ظهر أواخر أربعينيات القرن الماضي في شكل شبكات صغيرة ومحدودة؛ موسعاً رقعتهُ من أجل تحقيق طموحاته في الوصول إلى الحكم.

وبالفعل استخدم تلك الشبكات في تنفيذ أول محاولة انقلابية في العام 1959؛ أي بعد ثلاث سنوات من استقلال البلاد من الحكم الإنجليزي في 1956. ثُم عام 1989، لتجده في ألوان ومُسميات منذ نشوئه عام 1949، (من حركة التحرير الإسلامي تحول إلى تنظيم الإخوان، ثم جبهة الميثاق، ثم الجبهة الإسلامية، وأخيراً المؤتمر الوطني الذي تفرع منه المؤتمر الشعبي في تسعينيات القرن الماضي).. وتحويلهم الدولة إلى "دولة الحزب"، مُستخدمين ما سرقوهُ من قوت الشعب الحُر في بناء علاقات مع العديد من التنظيمات الإرهابية والمشابهة في العديد من البُلدان، كطهران وتُركيا وقطر وأشباههما من التابعين، كحزب الله والحوثيين وغيرهم، وهو ما زجّ باسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ليعيش الاقتصاد السوداني حالياً ترهلاً كبيراً، بخسائر مُباشرة وغير مُباشرة قُدّرت بنحو 700 مليار دولار.

لقد استفاق السودانيون، على وقع محاولة انقلاب فاشلة، أحبطها مجلس السيادة والشعب، وقوفاً في وجه محاولة تقويض التحوّل المدني، بعدما تمكّنت عناصر إخوانية، من التسلل لقاعة الصداقة بالخرطوم وحضور محفل سياسي تحت لافتة "الثورة"، وقد انتاب الشارع السوداني مخاوف كبيرة لما يُخطط له الإخوان، بدأت ملامحه في شرق السودان عبر وجود قيادات عسكرية موالية للإخوان داخل المؤسسة العسكرية، ورُغم التهدئة التي سادت في الخطاب بين المكونين العسكري والمدني، الأيام الماضية، أعادت تغريدة لـ"مني أركو مناوي"، القيادي في إعلان الحرية والتغيير، تقليب المواجع، وذلك عن رسالة في خطاب منسوب إلى مجلس السيادة يدعو فيه البعثات الدبلوماسية لحضور توقيع ميثاق الحرية والتغيير، وهو ما نفاه المجلس السيادي، لتنكشف الألاعيب الإخوانية، وتأكيد المجلس حماية القوى العسكرية لمكتسبات الثورة في البلاد، والمرحلة الانتقالية الديمقراطية، والسعي مع كافة الفرقاء في الوطن من أجل تهدئة الأجواء، والعمل على أهمية الشراكة القائمة في البلاد، وضرورة إكمال التحوّل المدني الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة والمُضي قُدماً في تفكيك جماعة الإخوان الإرهابية، وتطهير مؤسسات الدولة من منسوبيها.

إننا نثق بشعبنا الأبي وجيشه الحامي وشقيقته الكُبرى مصر، ومن يُحب تلك الدولة في تصحيح مسار الثورة وإنهاء اختطافها من قبل مجموعة ما بتوسيع المشاركة واستبعاد كافة القوى التي تم إقصاؤها من لجان المقاومة وعائلات الشهداء وغيرهم، باستثناء الفلول وحلفائهم، فما الترويج الإخواني لتمثيلهم سياسياً مُجرد (فرفرة) لمذبوح يحتضر، محاولاً التعلق في قشة تُنجيه من عقاب سوداني كاسح لشعب حُر يعرف طريقهُ، عبر وضع الميثاق لعدد من الأهداف، من بينها العمل على تحقيق نظام فيدرالي، والمشاركة في عملية صناعة وبناء الدستور والتأكيد على وحدة وبناء الجيش والاهتمام بقضايا المجموعات المُهمشة.

إننا الآن أمام تحدٍّ كبير، والعالم كله للأسف يمرّ بعواصف جمة متعددة في ظل وباء فتاك وغيره من التحديات العالمية، لذا على المُحيط العربي والعالم مد يد العون لدولة الموارد، فاستقرار السلام في السودان هو التزام ومسؤولية ضد مخططات خارجية، وهي تقع على عاتقهم أيضاً.

إبراهيم جلال فضلون

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!