-
السويداء.. أحداث غامضة وصراع الأجنحة الأمنية
كان التخوّف على أشدّه من إمكانية نشوء حالة صدام في السويداء بعد الحملة الأمنية الواسعة التي شهدتها المحافظة، إثر مظاهرات شعبية واسعة استمرّت لقرابة شهر تقريباً، استدعت استنفاراً أمنياً واسعاً واستقدام عدد هائل من قوى الأمن والجيش إليها وانتشارهم في كل مفارق المدينة.
فيما توقعت أوساط سياسية وشعبية أن يعاد تكرار ما حدث في درعا الصيف الماضي، بحيث يؤدي ضغط النظام على الأهالي بهذه الطريقة إلى وصولهم للاضطرار بالتخلي عن قوى حمايتهم الذاتية من فصائل محلية وتسليم أسلحتهم، بوساطة وتواطؤ روسي. لكن مجريات الأحداث لليوم تسير باتجاه مختلف. حيث تتالت عمليات التصفية الفردية لأشخاص غير معروفين بنشاطهم السياسي ولا الشعبي. والملفت في هذا بروز فصيل يدعى "المقاومة الشعبية" كمتهم رئيسٍ في تنفيذ هذه العمليات.
والملفت أكثر أن يقوم أحد أبرز أفراد عصابات الخطف في السويداء، والذي يصرح بتبعيته للأمن العسكري، بالإعلان أن هذه المجموعة، المقاومة الشعبية، تتبع مباشرة لفرع الأمن الدولي، وذلك بعد أن قامت مجموعته بتسليم المتهمين بقتل مواطن وابنه على طريق السويداء شهبا. وحتى يكتمل المشهد، نشر أيضاً اعترافات مرتكبي الجريمة بأنهم كانوا يقصدون شخصاً آخر ولكن تشابه مواصفات سيارة المغدور مع المستهدف جعله هدفاً مجانياً.
تتكرر الحادثة مرة أخرى، وبنفس المعطيات، ملثمون يقومون بقتل ضابط طيار متقاعد، يقول مقربون منه إنه لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بأي حدث في السويداء. وأيضاً يبرز مبرر القتل بأن مواصفات سيارته تتشابه مع مواصفات سيارة الشخص الثالث المتبقي ممن اتهموا بقتل "أبو ياسين الشيعي" المنحدر من بصرى في ريف درعا، قبل أعوام، أحد أكبر مروجي المخدرات في السويداء. ما يشير إلى أن من نفذ العملية يتبعون هذه المرة لجهاز أمن مختلف يتبع لتوجيهات إيرانية، فيما الحادثة الأولى تشير إلى تبعية منفذيها لأجهزة أمنية تتبع لتوجهات روسية.
القاسم المشترك بين الحدثين هو التشابه بمواصفات السيارة والمقصود مختلف، والثاني إفادة شهود على الحادثين برؤية سيارة تحمل ملثمين نفذوا العملية مع عدم التأكد من أنهم ذات الأشخاص. وبين هذين الحدثين الغريبين، جرت عدة عمليات فردية قام بها مسلحون بمداهمة مستشفى ومحاولة قتل ممرض وغيرها من أحداث اعتادها الناس وعرفوا فاعليها، فيما كان الاستثناء في هذين الحدثين مختلفاً.
اقرأ المزيد: تقرير سري: بدء ورشة عمل جديدة لإنتاج أجهزة طرد مركزي في مفاعل نطنز
في هذا السياق، فقد تمت في السنوات الأخيرة تصفيات علنية لمجموعات محلية وأفراد عدة، كان القاسم المشترك بينهم أنهم يقفون في وجه طرق تهريب المخدرات والأذرع الإيرانية، وكان أشهرها مجموعة منطقة صلخد، والمتهم زعيمها وقتها بالمشاركة بتصفية "أبو ياسين" ذاته. هذا فيما تشير التقارير المتتالية، إلى حجم وكمية التهريب التي تنفذها هذه العصابات من مخدرات عبر حدود بادية السويداء الشرقية المحاذية للحدود الأردنية، فكيف وإن كانت الشهادات المحلية تؤكد أن غالبية الحملة التي توجهت للسويداء بحجة الأمن أثناء المظاهرات التي أشرنا إليها أعلاه، قد توجهت إلى ذات المنطقة في ريف البادية الشرقية وتمركزت فيها، مع بقاء قوة قليلة منها داخل المدينة.
اقرأ المزيد: مليشيا "فاطميون" تفرض إتاوات مالية على أصحاب المعامل في تدمر
وفقاً لهذا السيناريو، فالسويداء اليوم، تتنازعها أذرع التهريب بدعم من الأجهزة الأمنية، ولكن هذه مختلفة فيما بينها على حصصها، ما يفسر تباين نوع الاغتيالات الفردية فيها مع تشابه طرقها. فيما يصبح السيناريو المرجح للحملة الأمنية تلك هو الحفاظ على خطوط التهريب للمخدرات آمنة وبأدوات عصابات محلية من جهة، وإرهاب الشارع الشعبي وإسكاته عن مطالبه من جهة أخرى، وهكذا يتحقق غرضان في آن معاً.
وتبقى الأسئلة الأهم: هل ستبقى السويداء عرضة لهذا التمزيق الداخلي؟ وهل سيبقى سلاح الفصائل المحلية بعيداً عن الملاحقات ومحاولة نزعه؟ وما هو المخطط لذلك؟ وما دور صراع الأجنحة الأمنية وتبعية كل جهة فيها لروسيا أو إيران في المستقبل القريب حين الاقتراب من سلاح الفصائل المحلية وأفرادها وأثر ذلك على مستقبل المنطقة الجنوبية برمتها في السياق الدولي حول الملفات الروسية والإيرانية كل على حدة دولياً؟
ليفانت - سالم المعروفي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!