الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
السويداء.. كرة النار
أسامة هنيدي

ليس من الغريب أو المستغرب أن تعود الحناجر للهتاف في الساحات السورية وفي الجنوب السوري بعد اثني عشر عاماً من انطلاقتها من الجنوب أيضاً، فما عجزت عنه الجيوش وما فشلت به المصالحات عاد ليظهر بزخم جديد في لحظة إقليمية ودولية حرجة هذه المرة فلماذا الآن وما هي المستجدات وما الذي تغير؟

للإجابة عن هذه الأسئلة ربما يلزمنا أن نعاين ما حدث منذ انطلاق الثورة والنظر إلى كرة الثلج التي تدحرجت آخذة معها السوريين مرة نحو الموت ومرة نحو الاعتقال وأخرى نحو التهجير القسري دون أن نغفل المسؤول عن صناعة هذه الكرة التي عصفت بحاضر السوريين ورمت بهم في براثن مستقبل ومصير مجهولين.

لقد عمل النظام في سوريا بطاقة إنتاجية قصوى على تصدير أدوات الموت المتنوعة في سوقه المحلية وعندما تراخت تلك الطاقة استعان بمصانع خارجية إقليمية ودولية لإغراق السوق المحلية بالجريمة المنظمة والمخدرات وآلة القتل والترهيب وآخر أداة صنعها من كل ذلك هي سياسة الإفقار المنهجية بحق شعبه الذي يرزح بالأصل تحت خط الفقر من جميع النواحي. فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن للقابعين والساكنين فوق واحدة من أغنى مناطق العالم بالمياه الجوفية ألا يجدو مياه الشرب في مدنهم وبلداتهم وقراهم بعد أن حرمهم النظام من حفر آبار ارتوازية واكتفى بآبار "المكرمة" الوقحة.

وفي محافظة لا صناعة فيها ولا تجارة ولا مرافق سياحية وجل اقتصادها يأتي من الأعمال الزراعية وتحويلات المغتربين من أبنائها ومع القبضة الأمنية المشددة في بداية الثورة كان من الصعب أن تتحرك الكتلة الأكبر من المحافظة في حدث الثورة رغم المحاولات الحثيثة التي بذلها سواء نشطاء السويداء في التظاهر والتي كانت ما تقابل بالاعتقالات والقمع أو بانخراط بعض المنشقين لتشكيل جسم عسكري تحت لواء الجيش الحر كما فعل الشهيد خلدون زين الدين، أو من بيان المحامين الأحرار في السويداء والذي كان سباقاً في الانتصار لشعارات الثورة السورية منذ بدايتها، أما اليوم وبعد أن حول النظام السويداء إلى منطقة خطف منظم الأمر الذي صار السوريون معه يتندرون على الذاهب إلى السويداء وينصحونه بتوديع أهله وبعد أن أغرق سوق السويداء بالمخدرات وحول جزءاً من أرضها إلى معبر ينقل كل أنواع السموم إلى المملكة الأردنية وعبر ميليشيات منظمة تتبع له مباشرة وبعد جلد الناس سواء بالرواتب الهزيلة أو بالخدمات شبه المعدومة ومع انهيار الليرة السورية أمام الدولار باتت اللعبة مكشوفة للجميع.

لا نقول هذا الكلام تمييزاً للحيف الواقع على جميع السوريين بل للقول إن محاولات إضافة مساحيق التجميل لهذا النظام باءت كلها بالفشل من المبادرة العربية لأستانة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية وصولاً إلى مجاهرة النظام ببيع مرافق البلاد للمحتل الروسي الذي لا يفوضه به دستور ولا قانون وضعي بوصفه هو نفسه عديم المشروعية.

يبدو أن كرة الثلج التي صنعها الاستبداد بنفسه تتحول بفعل الهبة الشعبية الوطنية والمسؤولة في السويداء والمغطاة دينياً من مشيخة العقل واجتماعياً من عدد من الوجهاء الاجتماعيين البارزين والتي لاقت جارتها درعا مهد الثورة وفي غيرها من المحافظات، يبدو أن تلك الكرة ستتحول إلى كرة من النار تلتهم النظام الاستبدادي مرة وإلى الأبد.

ليفانت - أسامة هنيدي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!