الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الشمال السوري بين تعويم جبهة النصرة أمريكياً وضمّه تركياً

الشمال السوري بين تعويم جبهة النصرة أمريكياً وضمّه تركياً
علي نمر

ركزت بعض الدراسات والأبحاث التي نشرت في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع استلام جو بايدن الإدارة الأمريكية، على قضية تعويم جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، لا بل وصل بالأمر ببعض الأقلام إلى الترويج لقائدها الإرهابي، "أبي محمد الجولاني"، متحججة أنّ هيئة تحرير الشام، المسيطرة عسكرياً ومدنياً عبر «حكومة الإنقاذ» على إدلب وريفها، لم تعد كما كانت من قبل؛ وأنّ ربطها بجبهة النصرة لن يأتي بالفائدة، لا بل ستوقف العملية السياسية لسوريا ككل. الشمال السوري


وهذا ما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخطيط والاعتقاد أنّ إعادة رسم استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في المنطقة تبدأ من إدلب، لكن ليس عبر الحلول العسكرية؛ وإنما من خلال تعويم جبهة النصرة، الحل الذي تنتظره تركيا، الحليفة لها في حلف الناتو، بفارغ الصبر لإقامة كانتون على حدودها، تكون لها حصة الأسد، سواءً من الجانب الاقتصادي، أو العسكري، باستخدام الفصائل العسكرية الموجودة فيها ضد أيّ توجه نحو الحل السياسي، اعتماداً على القرار الدولي 2254، تارة بحجة الحفاظ على حدودها، وأخرى بزعم التهديدات التي تأتيها من حزب العمال الكردستاني على أمنها القومي عبر سوريا.


إنّ التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، حول اتخاذ تركيا خطوات لاستمرار الاستقرار في إدلب، بتنسيق أمني على المستويات كافة بين الحكومة التركية والقوات المسيطرة على الشمال السوري، وخاصة إدلب، وصلت إلى حدّ الوقاحة، رغم كشفه لخطط أنقرة المتناغمة مع التوجه الأمريكي، وذلك حين قال إنّ «السنوات العشر الماضية انتهت بمخاض عسير، وإحباطات كبيرة، وما تبقى هو الشمال السوري فقط؛ وهي الآن بانتظار ما سيقرّه الشعب السوري في هذه البقعة عبر استفتاء حول تقرير مصيرهم وماذا يريدون؟ هل هدفهم الاستقلال، أم الانضمام لتركيا، أم العودة للحضن السوري؟ وأنّ أنقرة ستضع كل هذه النقاط على طاولة التفاهمات الدولية».


وهذا ما أكدته ربا حبوش، نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، من أنّ الائتلاف يتجه للإعلان عن إدارة ذاتية في الشمال، على شكل كانتون منفصل تماماً، وهذا ما يوضح مطامع تركيا واحتلالها وتتريكها لمدن سورية كاملة في الشمال، والضغط على هيئة التفاوض المعارضة بعدم القبول لأيّة اتفاقات، وخاصة القرار الدولي 2254، الوحيد الذي يمكن أن يضع حداً للمأساة السورية، بالإضافة إلى تحريك أنقرة الفصائل المرتزقة التابعة لها عسكرياً عند أيّة توافقات بين السوريين أنفسهم.


ستعمل واشنطن خلال الفترة القادمة على إزالة وصف «الإرهاب» على هيئة تحرير الشام، وتغلق الملفات المتعلقة بجبهة النصرة، كخطوة أولى نحو التعويم أولاً؛ وعدم استخدام القوة العسكرية بحقها من أطراف دولية أخرى ثانياً، وما قاله السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، خلال مقالٍ له في صحيفة «الشرق الأوسط» من أنّ «بلاده لم تفهم ما يجري في سوريا على الوجه الصحيح، وإلى عدم وجود حل عسكري» يذهب أيضاً في هذا الاتجاه، وما جاء في أحد الأبحاث الخاصة عن هذا التوجه، يترك أكثر من إشارة استفهام عندما قال معدّوه، إنّه «يمكن لأفكار إبداعية تقدمها واشنطن أن تساعد في كسر الجمود وأن تحدث سابقة مفيدة». لا أدري ما الفائدة التي يتم الحديث عنها في وقت كان المسؤولون الأمريكيون دائماً يصفون إدلب بأنّها «أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 أيلول/ سبتمبر»، وأقصد هنا المنطقة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، والفصائل المسلحة التابعة لها، وليست إدلب بأهلها ومدنييها ومعارضتها المعتدلة.


أدخلت تركيا عشرات الألوف من جنودها بكامل العتاد العسكري خلال عامٍ وأكثر، إلى الريف الإدلبي، بهدف التوسّع في الأراضي السورية، وتهديد الاتحاد الأوروبي بفتح الحدود أمامهم للهجرة عند أيّة ضغوط أوروبية، ومن جهة أخرى لإظهار أنّ انفصال هيئة تحرير الشام عن جبهة النصرة ليس بالقول فقط؛ وإنما فعلاً وقولاً، وتأكيد رواية ابتعادها عن الشبكات الجهادية العابرة للحدود، وهذا بحد ذاته تخطيط متفق عليه مسبقاً على تعويم الجبهة، التي في الحقيقة لم تغير من مواقفها، وهذا ما أكده يحيى بن طاهر الفرغلي، القاضي الشرعي والقيادي البارز في التنظيم الإرهابي هيئة تحرير الشام، من خلال منشورٍ على قناته في «تليغرام»، الأسبوع الماضي، من أنّ «رفض الهيئة للديمقراطية والعلمانية يعد من ثوابتها، والتي لا يمكن أن تتنازل عنها»، وشرح «الفرغلي» تلك الثوابت على أنّها «تحكيم شرع الله عز وجل وإعلاء كلمته بالجهاد، وحماية أهل السنة والجماعة بما نستطيعه في إطار ما يسمح به الشرع الحنيف، وعدم سلوك الطرق المنحرفة كالبرلمانات وما شابه من أجل تطبيق هذا الهدف، وعدم رهن جهادنا وقرارنا لغيرنا، سواء كان داعماً أو غيره، ولا عزاء للمشوشين».


إن هذا التصريح يؤكد أنّ الأفكار الإبداعية الملحة التي تتحدث عنها بعض الأقلام باسم الإدارة الأمريكية، ليست سوى «ذر الرماد في العيون»، وحتى إن قامت هيئة تحرير الشام بتقديم بعض التنازلات ستكون تكتيكية من أجل التخلص من تصنيفها كمنظمة إرهابية، بدعم وتخطيطٍ أمريكي-تركي، على أمل أن تستطيع من خلاله ملء الفراغ في الشمال السوري تمهيداً لإقامة الكانتون التقسيمي المنتظر تركياً، بتنفيذ من الائتلاف الوطني المعارض الذي سمح وأباح لتركيا باحتلال مدن سورية عدّة، وعلى رأسها عفرين وسري كانييه/ رأس العين، وتل أبيض، لكن ما لا خلاف عليه أن هيئة تحرير الشام، ليست معارضة أو قوة سياسية كي يتم فكّ عقدتها في إدلب سياسياً، حسب المقاربات الأمريكية وسياساتها الجديدة التي لم تعلن عنها نحو المنطقة، ولن تفيد معها أيضاً استخدام سياسة العصا والجزرة مع تنظيم يعتبر وريث شرعي لتنظيم القاعدة ونهجه على حساب الأهداف التي خرج من أجلها الشعب السوري، وفي مقدمتهم قادة الحراك الشعبي الأوائل في إدلب وريفها، كما باقي أشقائهم في المدن السورية الأخرى، ما يشّي أنّ هناك متهاوشين جدداً، بهمة القدامى، والصيدة ما تزال هي ذاتها سوريا بقديمها وجديدها. الشمال السوري



علي نمر


ليفانت - علي نمر ليفانت 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!