-
الشيخ إمام تاريخ حافل.. مواقف وطنية وأغاني خالدة في ذاكرة الأجيال
حفزت أغاني "الشيخ إمام" الثورة على الظلم، فدخل السجن مرات ومرات، حتى أصبح أول معتقل بسبب الغناء في العالم العربي.
قدم إمام عيسى مع رفاقه من الشعراء، مثل أحمد فؤاد نجم ونجيب شهاب الدين، الذي رحل عن عالمنا قبل فترة قريبة، العشرات والعشرات من الأغاني الوطنية والثورية. وكانت الأغنية التي كتبها شهاب الدين "يا مصر قومي وشدي الحيل" أيقونة الثورة المصرية، في يناير 2011.
فنان الثورة
كرّس الشيخ إمام، جلّ موهبته الموسيقية والغنائية بمصاحبة الشاعر أحمد فؤاد نجم، لهدف أوحد، ألا وهو "الثورة" والتحرر، عكس الشيخ سيد درويش الذي كانت الموسيقى بالنسبة إليه هي الهدف في حد ذاته.
اقرأ المزيد: زعماء مصر والبحرين والأردن يناقشون قضايا المنطقة والتعاون العربي
كانت وما تزال أغانيه تحاكي الثورة والحرية والانعتاق من القهر والظلم، إذ إنه غنى "اتجمعوا العشاق في سجن القلعة، اتجمعوا العشاق في باب الخلق، والشمس غنوة من الزنازن طالعة. إضافة إلى ومصر غنوة مفرعة في الحلق"، كما نعى المناضل الأرجنتيني تشي غيفارا من كلمات الفاجومي، وقال: "غيفارا مات.. غيفارا مات.. مات المناضل المثال".
وعقب هزيمة يونيو/ حزيران، غنى إمام بألم "ناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطاحة، والبقرة حلوب.. تحلب قنطار لكن مسلوب.. من أهل الدار".
ولم تتوقف أغانيه عند هذا الحدّ، فقد غنى بعد النصر "دولا مين ودولا مين دولا عساكر مصريين، ودولا مين ودولا مين دولا ولاد الفلاحين، دولا الورد الحر البلدي يصحا يفتح أصحا يا بلدي، دولا خلاصة مصر يا ولدي دولا عيون المصريين".
نشأته
إمام محمد أحمد عيسى، اسمه الحقيقي، ولد في 2 يوليو 1918، وتشير سيرته أنه لم يتزوج نهائياً، حتى توفي في 7 يونيو 1995، بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة، وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت.
أصيب في عامه الأول بمرض الرمد الحبيبي وبسبب الجهل واستخدام طرق شعبية متخلفة في علاجه فقد الصغير بصره، وأراده والده أن يصبح شيخاً مهماً فأخذه للجمعية الشرعية في القرية ليحفظ القرآن.
كما عرف بذاكرته القوية جداً وذكائه واستطاع حفظ القرآن في سن الحادية عشرة، وفصل من الجمعية بالإجماع بعد علمها أنه يستمع للإذاعة رغم أنه كان يستمع للقرآن عبرها. وعلى إثر ذلك طرده والده من القرية ومنعه من العودة حتى إنه لم يحضر جنازة والدته.
وفي العقد الثالث من القرن الماضي، تعرف الشيخ إمام إلى الشيخ زكريا أحمد من طريق الشيخ درويش الحريري، فلزمه واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد ملولاً، لا يحب الحفظ، فاستمر معه إمام طويلاً، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفاخر بهذا.
بدايته الموسيقية
في القاهرة تعرف على الشيخ درويش الحريري فأعجب بصوته وتولّى تعليمه وعرّفه على كبار المطربين والملحنين، ومنهم زكريا أحمد، واستعان به زكريا أحمد في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقاط الضعف فيها، وكان الشيخ إمام يحفظ ألحان أم كلثوم لكن الألحان بدأت تتسرب قبل أن تغنيها أم كلثوم، فقرر زكريا أحمد الاستغناء عنه.
تعلم عزف العود على يد كامل الحمصاني، وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين، حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن، وتحول إلى مغنٍّ واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.
وفي بداية الستينيات، تعرف على رفيق عمره، أحمد فؤاد نجم، وجرى التعارف بين نجم والشيخ إمام من طريق زميل لابن عم نجم كان جاراً للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب للشيخ إمام والتعرف إليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كل منهما بالآخر.
وفي لحظة تاريخية ذاع صيت الثنائي نجم وإمام، والتفّ حولهما المثقفون والصحافيون، وخصيصاً بعد أغنية: "أنا أتوب عن حبك أنا؟"، تلاها "عشق الصبايا"، و"ساعة العصاري"، واتسعت الفرقة، لتضم عازف الإيقاع محمد علي، فكان ثالث ثلاثة كوّنوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء، ساهم فيها العديد، ولم تقتصر على أشعار نجم، فغنت لمجموعة من شعراء عصرها، أمثال: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زيّاد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحي، وفرغلي العربي، وغيرهم.
هزيمة الـ 67
وبعد هزيمة 1967، قُبض على الشيخ إمام ورفيقه فؤاد نجم، بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969، لكن القضاء أطلق سراحهما، إلا أنَّ الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حُكم عليهما بالسجن المؤبد، ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
لم تمنع جدران السجن أغانيهما من أن تصل للوطن العربي وأصبحت هذه الأغاني أيقونة، ومن خلف القضبان أطلقا أغانٍ ضد سياسات السادات ورددت هذه الأغاني على لسان كل عربي وبقيا في السجن حتى اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
قد يهمك: الفن المصري يفقد أحد أعمدته بوفاة الفنان "سمير صبري" عن عمر ناهز 86
وفي منتصف الثمانينيات، تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا وقد لاقت إقبالاً جماهيرياً كبيراً وفتحت الباب للعديد من الجولات في البلاد العربية والأوربية لإقامة حفلات لاقت نجاحات كبيرة.
لكن الخلافات في هذه الفترة توسعَّت بين ثلاثي الفرقة، الشيخ إمام ونجم ومحمد علي عازف الإيقاع، ولم تنتهِ إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة.
وفي الختام، نستنج أن الشيخ إمام عاش فقيراً ومات كذلك على الفقر، لكنه كان غني النفس ولم يساوم قط على القضايا الوطنية والعروبية طيلة حياته.
ليفانت
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!