الوضع المظلم
الأحد ١٠ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الصين والهند: بؤرة صراع لن يتحمّل العالم تفجرها

الصين والهند: بؤرة صراع لن يتحمّل العالم تفجرها
الصين والهند


رغم المشكلات المعقّدة التي تعترض العالم اليوم، وبالأخصّ في ظلّ انتشار فيروس كورونا الفتّاك، لكن لا يبدو أنّ ذلك يقم عائقاً أمام البشرية للاقتتال على المزيد من مساحات السيطرة وخيرات الشعوب، أو توسيع الحدود وزيادة الرقع الخاضعة لكل دولة، حتى ولو كانت تلك الدول، من الكبرى في المساحة، كالصين والهند.


فالجانبان اللذان خاضا سابقاً ما عرف بـ”الحرب الصينية-الهندية” المعروفة، كذلك، باسم الصراع على الحدود بين الصين والهند، والتي بدأت في الـ20 من أكتوبر عام 1962، يبدو أنّهما لا تستبعدان تجددها، رغم ما تحمله من مخاطر جمة، مع امتلاك الطرفين للأسلحة النووية، وجيوش جرارة، في زمن باتت فيها الحروب لا تقتصر على طرفين، بل تصل آثارها العالم، كما حصل مع فيروس كورونا الذي بدأ في الصين، وها هو ينتشر كالنار في الهشيم بالولايات المتحدة.


 


الحرب السابقة، انتهت بانتصار الصين في 21 نوفمبر 1962م، أي أنّها كانت حرباً قصيرة استمرت لقرابة شهر واحد فقط، كانت الحدود في جبال الهيمالايا المتنازع عليها ذريعة رئيسية للحرب، حيث شنّ الصينيون هجمات متزامنة في لاداخ وعبر خط مكماهون في 20 أكتوبر 1962، لعدم قدرتهم على الوصول إلى تسوية سياسية على الأراضي المتنازع عليها على طول حدود الهيمالايا البالغ طولها 3,225 كيلو متراً.


فيما كان السبب الرئيسي للحرب، هو السيطرة على إقليم أكساي تشين وأروناجال برديش، اللذين يفصل بينهما مسافات شاسعة، فيما يملك أكساي تشين، الذي تزعم الهند أنّه ينتمي إلى كشمير، وتزعم الصين أنّه جزء من شينجيانغ، طريقاً مهماً يربط بين منطقتي التبت وشينجيانغ الصينية، وقد انتهت الحرب بإعلان الصين وقف إطلاق النار في 20 نوفمبر 1962، وأعلنت في الوقت نفسه انسحابها إلى «خط السيطرة الفعلية» المزعوم.


الصراع يتجدّد عقب 58 عاماً


وعقب 58 عاماً، يبدو أنّ الصراع يتجدّد بصورة مشابهة للأولى، حيث بدأت النزاعات الحدودية تعود إلى الطرفين، وهو ما استهجنه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وأحد كبار زعماء الكونغرس، في الثاني من يونيو، عندما قال إنّ بكين تتنمّر على الهند، بالتهديد بمواجهة عسكرية على حدود متنازع عليها بين البلدين.


وأوضح بومبيو، في تصريحات لمؤسسة بحثية اسمها “معهد المشروع الأمريكي للسياسة العامة”، ونشرتها وزارة الخارجية، بأنّ نقل بكين لقوات إلى خط المراقبة، يشابه سلوكها الشديد فيما يرتبط بفيروس كورونا المستجد وبحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ، وأردف بالقول: “تلك هي نوعية الإجراءات التي تتخذها الأنظمة الديكتاتورية”، فيما قال من جانبه، إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، إنّ على بكين احترام القوانين واللجوء للدبلوماسية لتسوية مسألة الحدود مع الهند، واستكمل قائلاً: “أشعر بقلق بالغ حيال الاعتداء الصيني على طول خط المراقبة الفعلي”، مضيفاً في بيان: “تظهر الصين مجدداً استعدادها للتنمّر على دول الجوار بدلاً من حلّ الصراع بموجب القانون الدولي”.


 


وجاءت التصريحات الأمريكية عقب إشارة مسؤولين أمنيين هنود ووسائل إعلام محلية، أنّ كلاً من نيودلهي وبكين تحشدان آلاف الجنود منذ أسابيع في ثلاثة أو أربعة مواقع، على الحدود في منطقة الهيمالايا، عقب أن توغّلت قوّات صينية في منطقة هندية، فيما كانت بكين تفنّد خرقها “خط المراقبة الفعلي” الذي يمتد لمسافة 3488 كيلو متراً بين البلدين، وتدّعي أنّ الاستقرار يسود المنطقة الواقعة قرب نهر غالوان وبحيرة بانغونغ تسو في منطقة لاداخ الهندية الصحراوية النائية التي تغطيها الثلوج.


حيث توصلت كل من الهند والصين، في الخامس من يونيو، إلى اتفاق على تسوية نزاعهما الحدودي في منطقة لداخ عبر القنوات الدبلوماسية، وذلك وفق بيان صادر عن الخارجية الهندية، والذي أتى قبل يوم من لقاء بين قادة عسكريين من كلا البلدين قرب منطقة النزاع، لمناقشة سبل وقف التوتر، فيما أشار مسؤولون هنود أنّ الجانبين سيركزان على سحب تعزيزات أمنية تابعة للجيشين الهندي والصيني من لداخ.


فيما أوضحت الصين، عبر متحدّث باسم الخارجية، للصحفيين، أنّ الوضع في المنطقة الحدودية بين الصين والهند “مستقر وتحت السيطرة”، مشدداً على مواصلة الجانبين الاتصال عبر قنوات دبلوماسية وعسكرية ومواصلة مساعيهما “لإيجاد حلول ناجعة للمسائل العالقة”.


الوقائع تُعاكس المزاعم الصينية


لكن، وعقب فترة وجيزة، لم تتجاوز العشرة أيام، تحوّلت كل المزاعم الصينية بحلّ الخلاف مع الهند بأسلوب دبلوماسي، إلى مواجهة عسكرية، عندما أوضحت وزارة الدفاع الصينية، في السادس عشر من يونيو، سقوط قتلى نتيجة اشتباك بين جيشها وعناصر من الجيش الهندي، على الحدود بين البلدين، موجهةً الاتهام للهند باجتياح خط منطقة سيطرة الصين، وإعداد “هجوم استفزازي”.


وذكر الناطق الرسمي باسم الدائرة الغربية العسكرية للجيش الصيني، العقيد تشجان شويلي، في بيان: “خرقت القوات الهندية، مساء يوم 15 يونيو، في وادي نهر غالوان على الحدود بين الصين والهند، التزاماتها من خلال اجتياح جديد لمنطقة السيطرة العملية حيث خططت لشنّ هجوم استفزازي، ما أدّى إلى نشوب اشتباك حادّ بالأيدي أسفر عن سقوط ضحايا”، وذلك عقب أن أوضح الجيش الهندي، في وقت سابق، مصرع 3 من عسكرييه، بينهم ضابط برتبة عقيد، نتيجة اشتباك عنيف مع عناصر القوات الصينية، في منطقة لاداخ، على الحدود بين البلدين.


 


لكن المعلومات اللاحقة، كشفت وفق الجيش الهندي، عن مقتل 20 من عسكرييه جرّاء الاشتباك العنيف مع القوات الصينية على الحدود بين البلدين، حيث قال في بيان، إنّ 17 عسكرياً فارقوا الحياة جرّاء إصابتهم بجروح خطيرة خلال الاشتباكات مع القوات الصينية، في منطقة لاداخ بوادي نهر غالوان، على الحدود بين البلدين، فضلاً عن ضابط وجنديين اثنين قتلوا خلال المواجهة سابقاً.


موقفٌ محرج بالنسبة للجانب الهندي، دفع رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في السابع عشر من يونيو، إلى التعهد بـ”ردّ حاسم على أي استفزاز” صيني، حيث أكد على أنّ ضمان وحدة البلاد وسيادتها يبقيان على رأس أولويات حكومة نيودلهي، وأردف متوعداً بكين: “الهند تتطلع إلى السلام، لكننا سنردّ بحزم على أي استفزاز”.


العالم لا يريد حرباً بينهما


ومع المخاطر الكبيرة التي قد يحملها أيّ نزاع مسلح واسع بين الطرفين، دعت الأمم المتحدة، في السابع عشر من يونيو، كلّاً من الهند والصين إلى التحلّي بأكبر قدر من ضبط النفس، حيث ذكر فرحان حق، الناطق الرسمي باسم الأمين العام: “بعثنا رسالة واضحة مفادها أنّنا قلقون إزاء تقارير عن حدوث أعمال عنف وسقوط قتلى على خط السيطرة الفعلية، ونحن ندعو كلا الطرفين إلى التحلّي بالقدر الأكبر من ضبط النفس”، وأردف “حق” في تصريحه، أنّ المنظمة تلقّت بارتياح تقارير تفيد بأنّ بكين ونيودلهي تتواصلان من أجل خفض التوتر بينهما.


 


رسالة يبدو أنّ هناك رغبة مشتركة في الاستجابة لها، حيث ذكرت وزارة الخارجية الصينية، في الثالث والعشرين من يونيو، أنّ كلّاً من الصين والهند قد اتفقتا على تنفيذ خطوات لتخفيف حدّة التوتر على امتداد شريط حدودي متنازع عليه بينهما، عقب مواجهة مسلحة وقعت، هناك، الأسبوع الماضي، مع العلم أنّه الإعلان الثاني من نوعه، منذ بداية يونيو، لتبقى العبرة في التطبيق، وتجنيب العالم ويلات حرب جديدة، ومهجّرين جُدد، فدولة مثل سوريا، شرّدت فيها الحرب بضعة ملايين، لا يسع العالم مُواجهة تبعات تهجيرهم، فكيف بدولتين تضمّان معاً 2.7 مليار إنسان، وفق إحصاءات العام 2018.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة







 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!