الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الضَياع والضِباع
باسل كويفي

في الوقت الذي أخذت فيه دول عربية مثل الإمارات والسعودية بتأكيد استقلاليتها عن واشنطن وتنويع شراكاتها على المستوى الدولي، زادت أهمية علاقات أبو ظبي والرياض مع روسيا، ولهذا فإن عودة العلاقات مع سوريا يُسهم في تقريب وجهات نظر مجلس التعاون الخليجي من موسكو، إلّا أنه ليس الدافع الوحيد للتقرب من دمشق.

فأبواب دمشق السبعة بكل تأكيد هي مفاتيح حلول الاستقرار والأمن في المنطقة للعديد من القضايا "ابتداء من مكافحة تهريب المخدرات (اجتماع أردني سوري عسكري أمني في عمان 23 يوليو)، الأمن الإقليمي، إعادة العلاقات مع تركيا، التعافي المبكر من أجل عودة اللاجئين، الحل السياسي ومتطلباته، العفو العام وإطلاق سراح المعتقلين والمغيبين من جميع الأطراف، وصولاً إلى إدارة العلاقات مع إيران"، أي أن سوريا لم تكن مجرد ساحة حرب بالوكالة في ظل الحرب الباردة التي قامت في القرن الحادي والعشرين بين الولايات المتحدة من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، بل كانت ولم تزل لاعباً رئيسياً في استقرار المنطقة بالرغم من تقلص أوراقها وأدوارها بعد ما يزيد عن عقد من الحرب والعقوبات وتفشي الإرهاب.

من زاوية أخرى، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عن عدم اهتمامهم بتطبيع العلاقات مع دمشق، والإصرار على عدم رفع العقوبات، بيد أنها لن تمنع دولاً أخرى من ذلك، بحسب ما ذكره دبلوماسيون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودون وجود أي خطة أو برنامج واضح لعودة السلام والاستقرار المستدام.

 ويقضي بإنهاء الحرب، في ظل أزمة اقتصادية عالمية تلقي بظلالها الثقيلة على بعض دول المنطقة، مما وجه ضربة قوية للاقتصاد السوري كما دعم التموضع الإيراني والروسي فيها.

في خضم هذا الصيف الحار والتحولات السياسية والتدحرجات الدراماتيكية وضياع البوصلة في سياسات متعددة لدول عديدة، يبرز السؤال الهام عن كيفية معالجة الأزمات وصناعة السلام، لعل المهتمين في الشأن العام والسياسة الدولية والإقليمية يبدو لهم بوضوح، أن العالم يتغير نحو نظام عالمي متعدد جديد، تتضح معالمه من نشوء نظام إقليمي جديد، قد تساهم مجاميعها في إصلاح ميثاق الأمم المتحدة وتحديث عمل منظماتها لتمكينها من حل الأزمات وإحلال السلام المستدام، ضمن قيّم إنسانية أخلاقية ممنهجة ومُعتمدة لدى جميع دول العالم وفق معايير متوازنة ركيزتها منظومة حقوق الإنسان واحترامها ونبذ العنف وخطاب الكراهية والتمييز للحد من الفقر والتغير المناخي والمساواة في التنمية والتطور المستدام.  

 ولعل من المصادفة فيما تضمنه هذا المقال من هواجس مختلفة تتوازى مع ما كتبه الأستاذ عريب الرنتاوي: "على نحو متزامن، قرر البرلمان الأوروبي من جانب واحد إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان في تعارضٍ مع إرادة أهله وحكومته، وقرر برنامج الغذاء العالمي خفض المساعدات للاجئين في مخيمات الأردن بمقدار الثلث (من 32 إلى 21 دولاراً للفرد شهرياً)، بعد إخراج 50 ألفاً منهم من قوائم متلقي المساعدات كلياً، بدعوى تركيز الدعم على الأسر الأكثر احتياجاً. هذا التزامن المُريب بين القرارين يخفي خلفه أهم ملمحين للنظرة الغربية الشاملة إلى ملف اللجوء بعامة، واللجوء السوري بخاصة؛ الأول هو احتجاز موجات اللجوء، القديمة منها والجديدة، في دول جنوب المتوسط، ومنع انتقالها إلى دول الشمال، والآخر هو التخفف من أوزار مسؤوليتهم وإلقاء أعباء استضافتهم على كاهل الدول المضيفة المنهكة مالياً واقتصادياً. وتزداد المسألة تعقيداً حين تنبري دول أوروبية (ومعها بريطانيا والولايات المتحدة) للوقوف ضد أي محاولة أو مبادرة للانفتاح على دمشق وحكومتها، للبحث عن حلحلة كثير من الأزمات المرتبطة بتداعيات الأزمة السورية، ومن بينها ملف اللجوء. وكما يتضح، لا يريد الغرب حلاً لمشكلة اللاجئين بعودتهم إلى ديارهم قبل تسوية الحساب مع دمشق وحلفائها، وهو ليس بوارد استقبال المزيد منهم، بل بصدد إعادة تهجير بعضهم، والأخطر أنه بات يضيق ذرعاً بالأعباء المالية لبرامج المساعدات والتأهيل، ولا سيما بعد الحرب الأوكرانية، ويسعى لتحميل كلفتها لدول وحكومات لا تكاد تقوى على توفير المتطلبات الأساسية لمواطنيها. بيان البرلمان الأوروبي، كعينة للخطاب الغربي، جاء طافحاً بالمواعظ حول حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مع أنه يتجاهل حقيقة أنه يلقي العبء على الضعفاء، ويغضّ الطرف عن تنكّر الأقوياء من دول الغرب وحلفائه لهذه المنظومة الأخلاقية والحقوقية، وهم الذين يتعاملون بقدرٍ عالٍ من "الاستعلاء" مع ملفّ اللاجئين لديهم".

وبناء على ما تقدم ورحلة الضياع في غابة الضباع، نقتبس أيضاً من مقال للدكتور بسام أبو عبد الله حول الأوضاع الإنسانية في سوريا "الآن على الرغم من صعوبة الأسئلة التي يطرحها الناس وهي كثيرة، وكثيرة جداً، لكن الإجابة ليست بإظهار العجز الذي يبدو أنه سيد الموقف، بل لا بد من حشد الجهود الوطنية والعقول المنيرة، لإنتاج حلول تخفف بالطبع من حدة ما نمر به من أحوال معيشية قاسية جداً، وهنا لا أؤمن أبداً بأنه لا حلول، وأننا عاجزون، بل لا بد من الاستنفار الكامل لما تبقى لدينا من طاقات وأفكار وخطط عمل لمواجهة الحاضر الصعب، والمستقبل غير الواضح، يؤدي إلى مزيد من هجرة الكفاءات والشبان، ورؤوس الأموال وخاصة أن الجباية تحولت إلى استراتيجية مخيفة، وهي سياسة قد تكون قصيرة النظر، لأن المطلوب هو تشجيع الإنتاج والعمل والحركة الاقتصادية، والمطلوب مكافحة الفساد الكبير الذي ينهش في الجسد السوري المتعب، ليبحث في المخارج والحلول".

وفي الختام، نتمنى أن تكون المخارج والحلول عبر مؤتمر وطني جامع في دمشق يضع القطار (الوابور) على السكة بعد أن طالت انزياحاته وكثرت أعطاله.

ولعل أغنية الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وكلمات المبدع أحمد رامي تشرح حالنا

ياوابور قولي رايح على فين

عمال تجري قبلي وبحري

تنزل وادي تطلع كوبري

حود مره وبعدين دوغري

ما تقول يا وابور رايح على فين

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!