-
الطائفية والمحاصصة في لبنان
غنى لبنان في تعداد مذاهبه ومشاربه وطوائفه، وهذه الفسيفساء التي يمتاز بها في الشرق. لبنان يتمثل فيه جميع العائلات الروحية، ويؤلف انسجامها واتحادها ووحدة عيشها ومصالحها وتآلفها، هذا الوفاق الوطني الدائم والمتبدل مع الزمن، والذي انبثقت منه فكرة لبنان واستقلاله، فأكثر ما يردد كل منا عن ظهرانية قلبه: "كلنا في التوجه الحقيقي والمساواة مسلمون، وكلنا في الأخوة والمحبة نصارى". كمال جنبلاط
عفوك يا معلمي، ليس هذا لبنان الذي وصفته، لأن فكرة المحاصصة فشلَت، تجربة تعددية الطوائف في لبنان والتي أدت إلى ما أدت من ويلات على الوطن، وأدت إلى التعصب الطائفي ومخاطره بمشاعر طائفية لا إيمانية، بكل أسف. الويل لوطن كثرت فيه الطوائف وقلّ فيه الدين.
يا معلمي اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون. لربما يعتقد البعض في الوطن ذي الأقليات والطوائف المختلفة أن أفضل وسيلة للتمثيل المناسب لهذه القوى، هو نظام المحاصصة.
وحيث تقوم المحاصصة الطائفية على تعريف المواطنين حسب انتمائهم وعددهم في الوطن، ويتم تحديد حصتهم في وظائف الدولة، بناء على حصتهم في تعداد السكان، وهو شكل من أشكال الحكم تم تصميمه بهدف حماية حصص الطوائف، إلا أنه أسيء استخدامه في تجربة لبنان، التي تم فيه تكريس الطائفية بشكل مقيت أدى إلى ضياع الولاء للوطن وسيادته، وأصبحت سيادة الطائفة على حساب سيادة الوطن، مما جعل الدولة دويلات متنافرة قابلة للانقسام والتقسيم، والانتماء للطائفة ومن ثم الوطن.
ونعاني من هذا النظام، والذي يعتقد أن فيه تمثيلاً عادلاً، لكن أصبح حسب تأثير القوى في كل طائفة، أو حسب نفوذها المحلي والدولي.
وبدلاً من أن يحقق نظام المحاصصة عدالة ومساواة بين الطوائف أصبح يذكي نار الطائفية، وأخطر ما في الطائفية هي أنها تلبي مشروعات التقسيم التي تجسد أحلام بعض القوى. وأحياناً داخل الطائفة الواحدة عبر القوى فيها.
فلدينا تجربة مريرة في ما يسمى المحاصصة.. حيث تحوّلت المحاصصة على المقاعد الرئيسة في المراكز (رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، وبعدها عدد المقاعد لكل طائفة في البرلمان، وبعدها التعيينات في المناصب الحكومية، حاكم مصرف لبنان، قيادة الجيش، قوى الأمن، الأمن العام، والمرافق العامة، حتى تعيين المدراء العامين في الوزارات تحول إلى مسألة "تكسير عظام" بين القوى السياسية الطائفية بحيث تحدث معارك وحرب ضروس حول كل منصب في الدولة. حتى بعض الوظائف العامة تعطل قرارها لعدم اكتمال عدد متوازٍ لها من الطوائف الأخرى.
الصراع على المناصب لم يعد حرصاً على النفوذ السياسي، لكن أصبح محاولة الاستيلاء على أكبر حصة من الحصص، والذي يعتبره مشاعاً له.
اختيار رئيس جمهورية معضلة، وتشكيل حكومة يمكن أن يستغرق شهوراً، ويتجاوز زمناًَ قانونياً أو منطقي، تعديل قوانين مهمة، وإقرار ميزانية لتسيير أمور الشعب يصلان إلى طريق مسدود.. وبعض القرارات لم تحسم، والسبب مزاجية البعض، أو مراعاة البعض لقوى خارجية، وظهر أثر ذلك في لبنان حول مسألة حسم اتخاذ قرار سياسي داخلي، لأكثر من استحقاق وطني.
كل شيء في لبنان محاصصة : شركات، مصارف، صحف، محطات تلفزيون وإذاعة، مستشفيات... كثيراً ما نسمع عبارة "هيدا حبيبنا من جماعتنا".
ومن هنا يصبح "الآخر" هو خارج دائرة الثقة، وخارج المواطنية، لأن مشروع الوطن في هذه الحالة يتم اختصاره داخل طائفة ما. وأصبح واضحاً أن قوة أي طرف في تركيبة المحاصصة، ليس من خلال تمثيله النسبي وغلبته العددية، أو عبر الطرق الديمقراطية، ولكن حسب قوة السلاح غير الشرعي أو قوة المال وأحياناً الدولة المتعاطفة معه خارجياً.
أيتها المحاصصة، كم من جرائم ارتكبت باسمك. ذلك جعل لبنان مهدداً بسقوط مشروع الدولة بسبب تركيبة، وحسابات نظام المحاصصة. ما زالت المحاصصة حاكمة في لبنان، مما يدفعنا إلى الصراخ ونحن في فراغ المركز الأول، وعلى أبواب أخرى للفراغ في العديد من المراكز. كانت المحاصصة نائمة، لكن عند كل استحقاق هناك من يوقظها في الأمس واليوم وفي الغد.
لربما.. ليس الوقت المناسب، للدعوة في لبنان لإنقاذه عبر مشروع كمال جنبلاط الإصلاحي كاملاً، ونظام انتخابي، دائرة انتخابية واحدة، ولكن بعد إلغاء الطائفية السياسية والامتيازات، والمحاصصة، وأن حق الاختيار في كل المناصب يقوم على الكفاءة والنزاهة وليس على المحاصصة الطائفية والمحسوبية القائمة على الطائفة. ويصبح المقياس ليس للطائفية، بل للأفضلية.
إذا أردتم حقاً وطناً لنا وللأجيال ولكل أبنائه دون تفرقة، تعالوا بكل إيمان ومواطنية، نبحث بهدوء فكرة بناء وطن على البرنامج الإصلاحي، ومن مبادئ فكر المعلم كمال جنبلاط العلمانية. وليكن وطناً حقيقياً ديمقراطياً علمانياً نموذجياً.. إذا سمح لنا البعض، بجدية فكرة بناء وطن.
ويبقى الفكر النقي المتحرر من كل قيود الجهل والتعصب المقيت بكل أنواعه، هو سبيل الخلاص والشفاء من كل العلل وذخيرة البقاء والاستمرار.
ليفانت - خالد بركات
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!