الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الغرب وسياساته الراعية للدكتاتورية.. وجيل الأزمات في إيران

الغرب وسياساته الراعية للدكتاتورية.. وجيل الأزمات في إيران
د. محمد الموسوي

هل سيستمر الغرب في نهجه برعاية المشاريع الدكتاتورية في إيران ليستمر استنزاف دول وشعوب الشرق الأوسط.. سؤال موجه للعرب قبل الغرب ويترتب عليه صناعة أحداث ورؤىً جديدة تضع النقاط على الحروف وتبني ثوابت حصينة للمستقبل.

بداية أعتذر لأجيال اليوم من الشباب في بعض دول الشرق الأوسط وإيران فقد كنت غير منصف بحق الشباب بدءاً من جيل الثمانينيات من القرن الماضي وصعوداً حتى أولئك الذين ولدوا بعد الألفية الثانية إذ كنت أنطلق في تقييمي لهم من مجتمع مثالي نوعاً ما، ومتشائماً كثيراً بشأنهم، ولم أكن أعول عليهم متخوفاً عليهم، ومنهم وذلك بسبب نشأتهم في ظروف كارثية أو صعبة أو متقلقلة في أهون وصف، لكن الأيام أثبتت لي صحة حديث المصطفى (ص) بأن الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة، هذا وإن لكل أمة ما تزرعه الأمهات في أبنائها وأحفادها الذين يخلفنها في المجتمع، وقد أثبتت الأيام أني كنت على خطأ في تقييمي أو تسرعت في ذلك فأحداث اليوم ومفاجآت هذه المرحلة تثبت أنهم من سيصنع التغيير وأن لكل جيل مسيرته، وكم للمرأة الأم والأخت والزوجة والصديقة والمعلمة من دور هام وبارز في صناعة الأحداث والمستقبل. 

من يسمع ويقرأ عن إيران كدولة ليس كمن يعرفها، ومن يسمع ويقرأ عن الشعب الإيراني ليس كمن يعرفه، ولا يمكن لشخص ما وإن علت قدراته وإمكانياته أن يخمن ويقدر حجم وشكل أفعال وردود أفعال الجيلين الشابين الحاليين من أبناء الشعب الإيراني بدون أن تكون لديه قراءة مفصلة تامة عن هوية الشعب الإيراني وما مر به طيلة الـ 100 سنة الأخيرة على الأقل أو يكون متبحراً في مسيرة حياة الشعب الإيراني منذ خمسينيات القرن الماضي الميلادي.

مجتمع نبت على الحياء والرضى والصبر والكفاح من أجل متطلبات الكرامة والإنضباط بالأخلاق والأعراف قبل قوانين السلطات المتعاقبة، ويربي أبناءه ذكوراً وإناثاً على الفضائل والمروءة والجلادة والإنسانية كيف له أن يتقبل أمثال الشاه وأبيه والملالي وكبيرهم وابن الشاه وشركائه في نظام الملالي، وكيف سيتعامل مع مخططات الغرب لفرض إحدى الخيارات القبيحة على الشعب الإيراني.

سحر خطاب الادعاء بالدين والمذهبية

يعد الخطاب الوطني هو الأفضل من نوعه في التعاطي مع قضايا كافة مكونات المجتمع المكون للدولة الواحدة، وفي الوقت ذاته يصعب هذا الخطاب العام الشامل الحاضن للكثيرين من المدعين إذ يتطلب قدرات فكرية وسمات أخلاقية عالية ورؤية واسعة ثاقبة وتوجه نقي مترفع يشمل الجميع بالاهتمام والرعاية ويقف على مسافة واحدة من الجميع ويظللهم بمظلة العدل والمساواة وفق قانون يعرفهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

من المُسلم به أن لكل مسيرة إخفاقات وجوانب مضيئة وأخرى مظلمة وعادة ما تكون القوى الوطنية الحقيقية أو كل ما يرتبط بالحقيقة ضمن الجانب المضيء وينحصر الجانب المظلم في طابور الأدعياء الكبير وما يلتف حولهم ممن هم على شاكلتهم من الطفيليين والنفعيين أضف إليهم المخدوعين والمغرر بهم الذين سيكتشفون فيما بعد وبعد فوات الأوان أنهم كانوا أدوات مغيبة وحطبٌ لمحرقة مسيرةٍ خاطئة.

سياسياً، عندما يصبح المدعون والمتسلقون أكثر إفلاساً مما هم عليه يلجؤون إلى خطاب الدين والمذاهب والفرق مؤججين خطاب وروح الشوفينية بالمجتمع لتنفيذ مخططاتهم والوصول إلى مآربهم، وعلى سبيل المثال كان الخطاب الوطني للدكتور محمد مصدق -رحمة الله عليه- أكبر بكثير من أن يستوعبه نظام فئوي شوفيني كنظام الشاه الذي لم يكن لديه خطابا تماما سوى أنه نظام يسخر قدرات وموارد وتاريخ دولة لخدمة فئة السلطة المغردة حوله ويلبي مصالح الغرب، كما كان خطاب الدكتور مصدق الوطني عصياً على فهم الملالي القريبين من أولي الأمر دائماً متنعمين حولهم ولذلك ساهم الملالي في العمل والتآمر على إسقاط مشروع الدكتور مصدق الوطني واستتب الأمر للشاه ولهم من بعده مستخدمين خطاب الدين والمذهب للتغرير بالمجتمع، خاصة الشباب الصغار والأميين والقرويين المحرومين من التعليم والوعي فأكبر ما قد يصلهم مُلا مُعمم بعمامة سوداء أو بيضاء (رجل دين مدعي لا يصلح لأن نسميه برجل دين فنسميه مُلا) نعم أكبر ما قد يصلهم هو مُلا محدود الوعي الديني يحل ضيفاً على القرية لعدة أيامٍ وليال يعبث بعقول شبابها ومراهقيها وبعض كبارها غير المحصنين بالمعرفة ويسهم هذا العبث في الإخلال بالمجتمع وقيمه الدينية إذ يخرج في الغالب عن الحقائق حيث يكون موجها لتعبئة الناس لخدمة اتجاه معين والسير فيه، وهكذا استخدم الملالي وكبيرهم خميني الذي جاء به الغرب كخليفة للشاه الدين لتسخيره وتطويعه على طريقتهم الوبائية للوصول إلى السلطة والتمسك بها ووصل بهم الأمر إلى إصدار الفتاوى غير الصحيحة باسم الدين غير آبهين بتشويه الدين ولا بالعواقب السيئة لذلك، وكل ذلك وكل شيء مباح من أجل السلطة حتى أصبح بمقدور البعض وصف ملالي إيران بأنهم ميكافيليين أكثر من مكيافيللي نفسه، وعلى الرغم من دموية الملالي وهمجيتهم وحملاتهم الإجرامية الإبادية التي لم تستثنِ طفلاً ولا حدثاً ولا امرأة ولا مسناً إلا أنهم لم يتمكنوا من القضاء على التيار الوطني ناهيك عن عبثيتهم في إدارة البلاد التي كانت واضحة تماماً بأنها إدارة فئوية داخل الفئة ذاتها، فلو حسبنا الملالي على الطائفة الشيعية لوجدنا أن بطشهم بالشيعة كان أكثر من بطشهم بغير الشيعة، وقد كانت أربعة عقود ونيف كفيلة بكشف غيهم وزيفهم وإجرامهم وفشلهم خاصة في ظل تعدد موارد الوعي والمعرفة بفضل التكنولوجيا الحديثة ولم يعد لتعويذة سحر الملالي أي تأثير سوى على فئة ضئيلة في الدولة كلها حدد حجمها قاليباف رئيس مجلس الملالي بأنها تمثل 4% من إجمالي المجتمع علما بأنه قد بالغ في ذلك أيضاً.. وإن يك صادقاً فـ 4% مشمولون بحق المواطنة والرعاية وراضون عن السلطة وأما البقية فليحمدوا خالقهم فالسلطة متفضلة عليهم بالبقاء أحياء.. وكثيراً من التناقضات والقراءات التاريخية البسيطة المتاحة لدى أجيال اليوم مع شرارة بسيطة كانت كفيلة بتأجيج الانتفاضة الإيرانية.

ثلاثة أجيال في إيران

نحن أمام ثلاثة متفاعلة مع الأوضاع الجارية في إيران بين أخ شاب أو أخت في أول الأربعينات وأخيه الأصغر أو أخته دون سن الثلاثين وابن أو بنت صاحب الأربعين عاماً في سن المراهقة أو في سن العشرين إلى جوار عمه عمها عمتها الثلاثيني/ة أو العشريني/ة وكل هؤلاء جميعاً هم أبناء الجيل الناجي من مهلكة الشاه ومن مهلكة الملالي، ولكم أن تتصوروا أن كل هؤلاء من سن الأربعين فما دون قد عاشوا حياتهم حتى من النطفة في ألم وقهر ونكبات متوارثة ويعيشونها باللحظة والتفاصيل مع الكبار وتكبر معهم الآلام والمعاناة، لكنها كبُرت وتفاقمت فقس وحش الفقر والقمع وتربى على يد الشاه ثم تعاظم وتوحش على يد الملالي الذين يدعون خلافة الله والولاء لآل البيت بالباطل، لو جالست هؤلاء الشباب من الأربعين سنة فما دون حتى سن مراهقين في الـ 13 عاما من العمر ستجدهم بسطاء أنقياء ذوي أحلام بسيطة نقية جميلة بجمال ما تربوا عليه.. بالطبع هناك إفرازات أخرى سيئة للمجتمعات البشرية لكنها لا تمثل عامة الشعب وتبقى فئات منعزلة مرفوضة بالمجتمع لكنها ذات سطوة لأنه تتشكل منها المتسلقة والمتردية والنطيحة التي تصل إلى السلطة في ظل تسلط نظام كالشاه أو الملالي الذين خلفوه واتبعوا نهجه بإحسان.. نعم لو تأملتم قوام جند الملالي في إيران والعراق ولبنان واليمن وسوريا ومناطق أخرى لوجدتموهم من تلك الفئات المتسلقة المتردية، وعودٌ إلى ثلاثة أجيال نبتوا وخرجوا من عمق المحنة ولو تفحصناهم جيدا لوجدناهم كل قطره من دمائهم معجونة بقصة من الألم.. إنهم أجيال النخبة أبناء النخبة الذين يخشى الشاه والملالي والغرب أمثالهم فمن رفض الشاه على مبدأ رفض الملالي على نفس المبدأ ويرفض ابن الشاه على نفس المبدأ ويستمر بقيمه وتراثه صابراً صامداً، ولم ينخرط مع الشاه الدموي ونظامه أو مع الملالي وزمرة سلطانهم الدموي البغيض إلا من سَفِه نفسه وانسلخ عن مجتمعه أجارنا وأجاركم الله من المُنسلخة، والمُنسلخة تتردى وتضمحل كما حدث مع نظام الشاه المخلوع ويحدث الآن مع الملالي وجندهم بل يحدث ما هو أكثر عندما تجد المُنسلخة ذاتها تنشق وتتشظى فيما بينها أمام قوة وشرعية ثورة المظلوم التي تقوم على ثلاثة أجيال ليس لديهم ما يخسرونه في حياتهم فيستميتون لأجل كرامتهم وكبريائهم وصل بهم الحد إلى إنكار الذات وتناسي متطلبات حياتهم .. نعم يريدون خبزاً وماء وطعاماً ودواء ومستقبلاً لكن كبرياءهم لم يسمح لهم بأن يطلبوه أو ينتظروه من حكومة لصوص باغية جاهلة مدعية تفوح منها رائحة الظلم والقتل والاستبداد والجريمة.. كبرياؤهم لا يسمح لهم بأن تمثلهم وتلبي مطالبهم حكومات على شاكلة نظام الشاه والملالي وابن الشاه رغم أن بهم خصاصة وبلغت حاجتهم حد الحدود لكنها الكرامة.. لذلك فإنهم هم من يقودون ثورة الكرامة اليوم في إيران.

الفضل للمرأة.. ومطلوب متصوفة لإنقاذ إيران ونقلها

نعم الفضل الكبير للمرأة الإيرانية في النهضة القائمة في إيران منذ أكثر من 100 عام، فهي المُلهِمة والمربية والمعلمة والثائرة المُضحية والحامية في ميادين المواجهات، وفي الانتفاضة الأخيرة الجارية في إيران هي المُلهمة والمحور والطليعة.. هي العطاء الفطري الغريزي الذي بفضله بُنيت أدبيات جديدة للثورة في إيران، فالمواقف والمشاهد التي جسدت المرأة الإيرانية وهي تدافع عن شباب صغار شبان وشابات لا تعرفهم سوى أنها تنتمي إليهم كقطعة منها لأنهم أبناء وطنها ولهم مستقبل يجب أن يرونه فانبرت مضحية لتنقذهم من بين مخالب وحوش النظام.. مشاهد مثيرة عملاقة المعنى قوية الرسالة أوجدت وعظمت روح الإيثار والتضامن بين جميع أبناء إيران على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، وهذا جانبٌ من المشهد وفي المشهد الآخر الكثير والكثير تشهد به الدماء المُراقة على الطرقات وما احتوت المقابر من ضحايا غادرت إلى بارئها مظلومة مغدورة، وما تزل السجون حاضرة للإدلاء بشهادتها عما جرى ويجري فيها.

الأوضاع في إيران أطلال وحطام وركام. الأوضاع لا تسمح باستبدال النطيحة بالمتردية والسيئ بالأسوأ أو العكس. الأوضاع تحتاج إلى متصوفة نموا على الصبر وساروا بالتضحية والإيثار لأجل الغير فهم وحدهم القادرون على إزاحة الركام والحطام وتحويل الأطلال إلى دوحة جميلة تصلح للعيش والنمو والازدهار، أوضاع لا تحتمل مشاريع الغرب التي استبدلت دكتاتور طاغية بدكتاتورية دينية وتريد أن تقول للشعب الإيراني إنكم إما أن تقبلوا بواقع الحال الجارية في إيران أو نصنع من أسمال بقايا الدكتاتورية السابقة كيانا ونأتيكم به، ويبدو أن بعض أهل الرشد السياسي الإيراني المعارض المكتوي بنار الغرب كان محقاً في تخوفه من أن يعتبر الغرب الثوار في إيران إرهابيين بعد أن كان نظام الملالي برمته إرهابياً من وجهة نظرهم وإعلامهم واليوم يرفض أن يصنف الحرس الثوري وما تتعلق به من قوى وفصائل ككيان إرهابي وبمعنى آخر قد يرى الغرب في نظام الملالي نظاماً ملائكياً ذا قداسة.. وهنا على الدنيا السلام.

بالعودة إلى أجيال الأزمات المنتفضة الآن في إيران الأجيال التي لن تقبل بأقل من الإطاحة بكل نماذج الدكتاتورية السابقة والحاضرة والمتأملة واقتلاعها من جذورها في إيران وقبرها إلى حيث لا رجعة، وقلب المعادلة، وقلب السحر على الساحر طال الزمان أو قصر؛ فهذه الأجيال لم تعد تعول على موقف من هنا أو هناك خاصة بعدما رأت مواقف الغرب العلنية التي تتناقض مع كافة التصريحات الانفعالية النارية التي كانت قبل أشهر وانطفت تماماً الآن؛ لا بل واتجهت باتجاه معادٍ تقريباً.

أما دول وشعوب الشرق الأوسط بعد هذه المواقف الغربية المساندة لمشاريع الدكتاتورية السياسية فعليها أن تعلم بأن نظرة الغرب لها ما تزال في إطار المزيد من الأزمات والاضطرابات لتستمر سياسة الابتزاز التي اتبعتها وتتبعها الحكومات الغربية جيلاً بعد جيل وتبقى مشاريع الدكتاتورية في إيران وسيلة لخلق الأزمات وابتزاز الدول العربية وتدمير شعوبها وإنهاء هيبتها ووجودها.

ليفانت - د.محمد الموسوي   

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!