-
الغنوشي في قصر قرطاج.. لمن الغلبة اليوم؟
بعد مضي أشهر عديدة على موجات من المد والجذر، تبرز حالة الانسداد السياسي في تونس، وكأن الوضع العام الداخلي عصي على الحلّ. بيد أنّ مباردات حلحلة الصراع عبر قوى سياسية عديدة تسعى نحو تقريب وجهات النظر بين الرئاسات الثلاث، لا تصل إلى أفق للحل أو انفراج، بقدر ما تكشف عن فجوات تفاقم من الأزمة وسط الاستقطاب الحاد والمتزايد، الأمر الذي تمتد تداعياته وآثاره على المواطن من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. قصر قرطاج
اللافت أنّ لقاء الرئيس التونسي، قيس سعيد، مع القيادي النهضوي السابق، لطفي زيتون، جاء في سياق محاولات الخروج من المأزق، حيث بدا أنّ هدف الأخير هو التنسيق والترتيب للقاء الرئيس التونسي مع زعيم الحركة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
من الصعوبة بمكان فهم مجريات الأحداث في تونس، خاصة نشاط حركة النهضة (فرع جماعة الإخوان في تونس)، ورئيسها، خارج سياق الأزمة المحمومة، والتي تترنّح فيها الحركة نتيجة لتطور سياق الأحداث وتعقدها، طيلة الأشهر الماضية، ومدى ما تعانيه النهضة، تنظيمياً وسياسياً، من نزيف مستمر في حسابها المزعوم لدى الشارع التونسي. إذ لا يمكن الحديث عن تردّي الأوضاع السياسية بين التونسيين إلا وكان النهضة وزعيمها ووكلاؤها ركناً أصيلاً في الحديث وضلعاً قائماً يتحمل مسؤولية الوقائع ومآلاتها.
ربما، سياق الأحداث في تونس لا يدفع نحو الاستغراب في تنسيق وترتيب هذا اللقاء الأخير. غير أن الواقع السياسي، سواء من الناحية الإقليمية والدولية، وحتى تأزم الأوضاع المحلية، وارتفاع منسوب الإحباط عند المواطن التونسي من كافة الفاعلين السياسيين يضغط على الغنوشي كثيراً، ويجعله يفكر كثيراً في حتمية حلحلة الأمور ودفعها بعيداً عن دائرة النهضة لتكون في مربع مؤسسة الرئاسة، أو حتى العمل على تحريك الأزمة وتقديم بعض من التسهيلات، أو بالأحرى التنازلات في مقابل الاحتفاظ بالتكتيك السياسي نحو التمكين. قصر قرطاج
وبحسب الوزير السابق والقيادي السابق في حركة النهضة، لطفي زيتون، فإنّ المبادرة التي تقدّم بها لكل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان من أجل اللقاء كانت "مبادرة شخصية". واعتبر زيتون أنّ اللقاء بمثابة خطوة في طريق الحوار (مبادرة الاتحاد)، والذي تعطل كثيراً. كما أنّ المبادرة التي قام بها ليست وساطة بقدر ما هي كسر جليد بين سعيد والغنوشي، وذلك من أجل الجلوس على طاولة الحوار وتجاوز الأزمة.
وقد بدا المستشار السابق لزعيم حركة النهضة، لطفي زيتون، مهندساً للقاء الذي جمع سعيد والغنوشي؛ وفيه يسعى الأخير حثيثاً نحو الوصول إلى نقطة واقعية بعيداً عن مرمى غضب المواطن التونسي، وقريباً من مسرح الأحداث مع مؤسسة الرئاسة، لا سيما أن تحالفه ورئيس الحكومة، هشام المشيشي، لم يصنع متغيراً حقيقياً في معادلة الأزمة وطرح المواطن على حافة الانهيار، مما بدا معه المجتمع التونسي على فوهة انفجار في وجه الجميع، وبالتالي، لا ضير أن تتحوّل الوجهة نحو الرئيس والتخلّي عن الحكومة ورئيسها لجهة إرضاء الرئيس التونسي، في مقابل أن تظلّ النهضة وزعيمها عنصراً في معادلة الحكم والقرار السياسي.
في النصف الثاني من الشهر الماضي، أعلنت حركة النهضة في بيان، أنّ الغنوشي التقى زيتون بطلب من الأخير موضحة أنهما ناقشا اقتراح القيادي السابق بعقد اجتماع بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية للتداول بشأن الأزمة السياسية في تونس. وألمحت الحركة إلى أنّه "في إطار حرص الغنوشي على الوفاء بقناعته الثابتة، أنه لا سبيل لحل مشكلات تونس إلا عن طريق الحوار، وافق على ترتيبات اللقاء". قصر قرطاج
بيد أن بيان الرئاسة الذي صدر عقب اللقاء لم يقدم أي إشارة على أن اللقاء الذي جرى بقصر قرطاج لم يكن بناء على أي وساطة من القيادي السابق (لطفي زيتون). وجاءت تصريحات الرئيس التونسي في لقائه اللاحق بالسيد زهير المغزاوي، أمين حركة لشعب، ضد حركة النهضة، وأشار في حديثه إلى مسؤوليتها المباشرة عما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
من جانبه، يتمركز قصر قرطاج عند نقاط أساسية يتمسك بها الرئيس ويستقر يقينه أن تونس باتت ذات نظامين؛ أحدهما نظام ظاهر، وآخر خفي يتحكم في البلاد. وعلى ذلك، يرى أهمية الانخراط نحو نظام سياسي جديد، وتعديل دستور 2014، وكذا يطرح الرئيس التونسي ضرورة كشف الحسابات البنكية لكل قيادات النهضة والكف عن محاولات الحركة الإسلاموية في عرقلة مؤسسات الدولة وضربها من الداخل.
طرفا الأزمة في تونس يحمل كل منهما تصوراً ضد الآخر. الرئيس قيس سعيد يرى أن ثمة تغييراً ضرورياً وملحاً يجب أن ينال النظام السياسي بجانب حتمية تعديل الدستور، بينما النهضة تخشى من سماعها إجراء الانتخابات المبكرة، وتدرك أن رصيدها الانتخابي عند المواطن التونسي يلامس الحدود الدنيا.
كما تدرك النهضة جيداً خطورة استمرار الأوضاع على نفس النحو دون تغيير؛ إذ تعرف جيداً أن لا سبيل للخروج من هذه الورطة سوى الميل نحو الجلوس والتفاوض. وعلى ذلك لجأت لحليفها السابق (لطفي زيتون) يرتب وينسق الجلسة، وقدمت رئيس الحكومة وإطارها الوزاري هدية لسعيد فداء لغرضها الرئيسي.
في السياق ذاته، واصل زيتون تحركاته السياسية المباغتة على تخوم الأزمة التونسية. إذ التقى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، وبحث معه سياق الأزمة وأطر تفعيل الحوار الوطني، وقال زيتون إنّ "الطبوبي أبدى انشغاله بتدهور الأوضاع المعيشية وتواصل الأزمة السياسية وتعطل مبادرة الحوار الوطني، فيما أكد عزم الاتحاد مواصلة العمل على تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء وإخراج البلاد من أزمتها".
نور الدين الطبوبي أطلق رصاصات غضبه على الجميع في المشهد السياسي، خلال تصريحات لإذاعة "شمس أف"، وطالب الجميع بتحمل مسؤولياته التاريخية تجاه البلاد، أو يرحلوا، ومن ثم، تسليم (الأمانة) للشعب التونسي، واعتبر أن ذلك أصل الممارسة الديمقراطية. وفي تعليقه على اللقاء الذي جرى بين سعيد والغنوشي، أشار إلى أنّه لا يؤمن بالوساطات، وأن الحديث الدائر حول الوساطات مردود على أصحابه. قصر قرطاج
إذاً؛ القراءة المتأنية لواقع الأزمة السياسية في تونس متشابكة ومعقدة بين أطرافها الرئيسة، ولها أكثر من وجه بين تلك الأطراف؛ إذ يذهب الجالس داخل القصر الرئاسي نحو هدفه الرئيس في تغيير النظام السياسي وتعديل الدستور بغية أن تميل دفة الحكم ناحيته بشكل مباشر ويضحى مؤثراً وفاعلاً في القرار السياسي، دون أن ينازعه في ذلك أحزاب، أو جماعات الضغط؛ وفي نفس الوقت، تسعى حركة النهضة نحو تحييد الرئيس وتضمينه داخل إطارها السياسي، بغية القبض على القرار السياسي والهيمنة على مضامينها.
وما بين هذا وذاك، يتحرّك قادة الاتحاد التونسي للشغل نحو صياغة إطار منظم للحوار الوطني، انطلاقاً من (الاتحاد) باعتباره صاحب رؤية ديمقراطية وتقدمية وشريكاً أساسياً في البلاد وليس وسيطاً بين الفرقاء. قصر قرطاج
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!